أدت العولمة في العقود الأخيرة إلى تضافر كبير بين الموسيقيين من مختلف الثقافات شكلت مجتمعا عالميا ضم أصواتا وألوانا تعبيرية متنوعة.
تبنت أوروبا منذ العصور الوسطى تقاليد موسيقية من جميع أنحاء العالم ، من شبه القارة الهندية إلى شواطئ شمال أفريقيا، وسجلت الثقافة العربية حضورا عاليا من حيث التأثير على تاريخ الموسيقى الأوروبية.
عُرف الفنانون والشعراء في العصور الوسطى بـ (تروبادورز Trobadors ) و (تروفيرز Trouvères) خاصة في تناولهم لمواضيع لها علاقة بالغزل والشجاعة.
بدأ هذا الأسلوب الجديد من النظم والغناء ينتشر في جنوب فرنسا أواخر القرن الحادي عشر ثم انتقل إلى إيطاليا وإسبانيا خلال القرن الثاني عشر.
يطلق على الشعر الغزلي المخصص في حب المرأة (تروبايريتز Trobadors )، في حين أن مصطلح (تروفيرز Trouvères) وصف للمغني والشاعر بشمال فرنسا، وكثيرا ما يعزى لهؤلاء المؤلفين والملحنين اختراع قوالب فنية ثابتة مكونة من كلمات وألحان معينة تطورت إلى أشكال غنائية حديثة لا تزال تستخدم حتى اليوم.
يؤكد تقرير صادر عن جامعة ستانفورد حول كتاب للباحثة ماريسا غالفيز يناقش تطور شعر أوروبا في العصور الوسطى أن “القصيدة الأوروبية كما نعرفها اليوم كانت حديثة النشأة. الاعتقاد السائد في الغرب أن الشعر جاء نتيجة لإبداع الـ (تروبادورز Trobadors ) خلال القرن الثاني عشر وإصرارهم المثير للجدل على إنتهاك الحرمات بالغناء. قدم هؤلاء مفهومهم الخاص بالحب وابتكروا أشكالا شعرية لا زالت تستعمل إلى الان … “.
وبالرغم من عدم تشكل ظاهرة أوروبية بحتة من صنع الفنانين والشعراء الأوائل إلا أنهم مازالوا مادة مثيرة للنقاش والبحث.
يعتقد عدد من المؤرخين والموسيقيين أن هؤلاء الشعراء استمدوا أشكالهم الأدبية والموسيقية من الحضارة العربية، وعلى وجه التحديد من الشعر الأندلسي – الشعر المكتوب في إسبانيا خلال فترات الحكم الإسلامي – ووضعت هذه القصائد اللبنات الأولى لشعراء “التروبادورز”.
ورد في مقال بعنوان “الشعر المتجول : تجربة ثقافية” كتبه د. عبدالواحد أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة الأزهر في غزة عن شعر الحب العربي “أسس نفسه بسرعة وازدهر في الأندلس، ثم انتشر في جنوب فرنسا وأجزاء أخرى من أوروبا، وشكل تاريخ الشعر الأوروبي”.
كلمة “تروبادور” نفسها تشبه إلى حد كبير الكلمة العربية “’طرب”، الذي يترجم إلى “الفرح” في اللغة الإنجليزية. ونظراً للطبيعة التي غالبا ما تكون ممتعة لعزف الأغاني، يعتقد بعض النقاد أن الثقافة العربية تركت أثرا على التاريخ، بينما رأى آخرون أن هذه التشابهات هي مجرد صدفة، مشيرين إلى اشتقاق كلمة “تروبادور” من اللغة الفرنسية القديمة.
جوديث أ. بيراينو، في كتابها “إعطاء صوت للحب”، قامت بدراسة الأشكال الثابتة من الموسيقى والشعر التي كانت شائعة خلال العصور الوسطى. أظهرت جوديث بعض أوجه الشبه بين الأشكال الثابتة المستخدمة في الموسيقى العربية والشعر، مثل الموشحات والزجل والأشكال الأخرى في أوروبا، مثل “كانتيغا” الإسبانية.
هذه النظريات العربية الأصلية تشرح مصادر الأشكال الثابتة في موسيقى وشعر العصور الوسطى، وقد تم تعميمها على الأقل في أواخر السبعينات من القرن الماضي، عندما نشر روجر بويس كتابه “أصل ومعنى الحب المجامل “.
بل إن هناك بعض التكهنات ترجح بأن ويليام أكيتاين أول شاعر متجول، كتب أربعة أبيات من الشعر العربي-الاسباني في أحد مخطوطاته.
هناك نظريات متضاربة حول الكيفية التي تطورت بها ممارسات الشعراء المتجولين. تشير الأدلة الموجودة إلى أن بعض ابتكاراتها جاءت من الثقافة العربية. على العموم ليست الأشكال الموسيقية التي أتت إلى أوروبا من أجزاء أخرى من العالم، هناك عدد من الآثار لآلات موسيقية تعود جذورها لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على سبيل المثال: تنحدر آلة الكمان لآلة (rebec ) ذات الوتر الواحد ،وهي شكل متطور لآلة الربابة العربية.
بطبيعة الحال، لم تقتصر الاستفادة الأوروبية على التقاليد الفنية من الثقافات الأخرى فقط بل امتدت لمجالات شتى.. من الهندسة المعمارية إلى الجبر وعلم الفلك، وستظل القارة العجور مدينة بتقدمها لإنجازات العلماء العرب.
من الواضح أن أغلب ما ينسب للموسيقى “الغربية” قد لا يكون “أوروبيا” على الإطلاق.