ويظهرُ في البلادِ ضياءُ نور يقيمُ به البريةَ أن تموجافقال: ” وهذا البيت يوضح لك معنى النور، ومعنى الضياء، وأن الضياء هو المنتشر عن النور، وأن النور هو الأصل ومنه مبدؤه، وعنه يصدر وفي التنزيل:( فلما أضاءت ماحوله ذهب الله بنورهم) [البقرة 17]. وفيه ( جعل الشمس ضياء والقمر نورا) [يونس5] لأن النور لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس) وفي الصحيح” الصلاة نور، والصبر ضياء” وذلك أن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي ذكر وقرآن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصبر عن المنكرات، والصبر على الطاعات هو الضياء الصادر عن هذا النور، الذي هو القرآن والذكر” الروض الأنُف 2/165 والذي تطمئن إليه النفس من ذلك؛ أن النور أعم من الضياء، وأنه درجات، تبدأ من بدايات النور ويمتد إلى درجات لا نعلم منتهى شدتها وقوتها. وأن الضياء حالة من حالات النور، فهو فرط الإنارة، والنور أصل الضياء ومبدؤه. لذلك وصف – سبحانه- نوره فقال: ( ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ) النور 35 فنوره عظيم، لاحدود له. وبما أن الضوء هو فرط الإنارة؛ ففيه شدة وحرارة، وهو ماليس في النور الحليم الذي لاحرارة فيه. لذلك ناسب وصف الشمس بالضياء، والقمر بالنور في محكم التنزيل. وقد اتسعت دلالات النظم المعجز الحكيم، وتعددت معانيه بلفظ موجز بديع عندما قال سبحانه : ( فَلَمَّاۤ أَضَاۤءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ ) [سورة البقرة 17] إذ وصف هذه النار المستوقدة بالضياء الشديد المتوهج، له حرقة وحرارة، ثم ذهب الله بنورهم، لا بضوئهم. حتى يأتي على المعنى كله؛ باستئصال النور كله الذي هو مبدأ الضياء وأصله، ولو ذهب بضوئهم؛ لكان محتملا ذهاب الضياء، وهو فرط الإنارة، مع بقاء شيء من النور.فكان هذا التعبير على هذا النحو؛ من الدقة والإحكام بمكان. زد على ذلك أنه قد ذهب النور الحليم، وبقي شيء من حرارة النار المنطفئ نورها، وهذا فيه مافيه من التنكيل. وفي دلالة النور هنا -أيضا- إيحاء واسع من المعاني للبصائر المستنيرة بنور الوحي الإلهي، فهو نور البصائر، كما أن النور الحسي نور الأبصار، ولما أعرض المنافقون عن نور الوحي، بنفاقهم وكفرهم، ذهب عنهم النور بكل معانيه، وبأصله، وجذوره، وضوئه وأصوله، نور الأبصار والبصائر، فما لهم من نور. وعندما وصِفتِ الصلاة بالنور؛ لأنها عمود الإسلام، والصبر امتداد منها، مع مافيه من حرارة الصبر ومغالبة شدائده؛ ناسب وصفه بالضياء. وأنعم النظر، وأمعن الفكر في دقائق معجز البيان؛ تجد وصفه العميق الدقيق لنور المؤمنين في الآخرة، ليس فيه سمة الانتشار، وإنما فيه خصوصية الانحصار، على شخصه وحامله دون غيره، وذلك في قوله تعالى : (یَوۡمَ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِیلَ ٱرۡجِعُوا۟ وَرَاۤءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُوا۟ نُورࣰاۖ فَضُرِبَ بَیۡنَهُم بِسُورࣲ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِیهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَـٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ) [سورة الحديد 13] .
https://youtu.be/kbyJ4Epjxf0
