عندما أتناول الحديث عن البشائر بانتصار الاسلام فإني لا أهرب من الواقع ولا أحلّق في الأحلام ولا أنشر الأوهام ، انا واعٍ بالواقع وتعقيداته وما يتسم به من ضعف الأمة وقوة الخصوم والتحديات ، لكني لست محكوما بالمقاييس المادية وحدها وإنما أنطلق من رصيد وافر من بشارات الوحي ، وإني لأبصر تلك الأمارات التفاؤلية بيقين لا يخالجه شكّ لأني أراها بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.

حين أسوق هذه البشارات فإني أدعو إلى الحركة القوية الفاعلة لتقريب أوانها ، وإني بالتالي أبعد الناس عن السلبية والاتكالية ، إني أتحدث عن المستقبل الذي يجب أن نصنعه لا عن الماضي الذي كان مزدهرا ، لا أدعو إلى الانتظار ولكن إلى الانطلاق بثقة كبيرة بالله وبالنفس وبالأمة ، يجب تجاوز الاحباط والعُقد النفسية التي ارتكسنا فيها بسبب واقعنا المتدهور ، ولا شيء يطعّمنا بجرعنا إيمانية منعشة مثل هذه الأحاديث النبوية .

–  حديث : إن الله زوى لي الأرض ( أي جمعها وضمها ) فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُويَ لي منها ” – رواه مسلم.

–  حديث : ليبلغن هذا الأمر ( أي الاسلام ) ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت وبر ( أي الخيام ) ولا مدر ( أي البنايات ) إلا أدخله هذا الدين بعزّ عزيز او بذلّ ذليل ” – حديث صحيح رواه أبن حبان.

هذا الحديث يبشر بانتشار دعوة الاسلام حتى تدخل كلمة الله على الناس في بيوتهم أينما وُجدوا ، مثلا عن طريق الفضائيات والإنترنت والكتب والصحف ونحو ذلك من وسائل الدعوة.

–  حديث : سئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا : القسطنطينية أم روميا ؟ فقال : مدينة هرقل تفتح أولا ” – رواه أحمد

هذا هو مستوى الصحابة رضي الله عنهم ، تجاوزوا اللحظة الآنية ودخلوا عالم المستقبليات ،وكانوا على يقين من دخول الاسلام عاصمتي بيزنطا وروما ، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن العاصمتين الكبيرتين ستُفتحان ، وقد أصبحت اسطنبول مسلمة وستصبح روما كذلك من غير شكّ ، ولا يشترط ان يكون الفتح بالسلاح ونحن نرى بأعيننا كيف يسوّق الاعلام الحديث بوسائله المتطورة ما يشاء من الدعوات والأفكار والقناعات ، تدخل بيوت الناس في القارات الخمس وقلوبهم وعقولهم من غير استئذان ، أفليس الاسلام أولى بالانتشار بهذه الطريقة ؟ يبشّر به الدعاة بمختلف اللغات ، يعرّفون بعقيدته وشرائعه وتصوّره للدين والحياة والإنسان ، يتمثلون مكارم أخلاقه ، يجادلون عنه ، يبرزون وجهه الجامع للمحاسن، يجاهدون بالقرآن  كما أُمروا : ” وجاهدهم به جهادا كبيرا ” – سورة الفرقان 52

فلنتجاوز حالة اليأس والقنوط التي صنعها لما الحُكام تعضدهم ثقافة دينية مغشوشة ولْنبصر الفتح الآتي ، نراه بأعين رسول صادق في كل ما يُخبر به ، قد وقع كلّ ما أنبأ به وسيحدث الباقي.

سؤال جوهري : ماذا أنت فاعل من أجل انتصار الاسلام ؟ أم أنت متفرج ؟ أم قابع في قاعة الانتظار ؟

كن إيجابيا ، كن عاملا من عوامل النصر وجزءا من الحلّ ، ساهم في إيجاد جيل النصر المنشود بالتنشئة الواعية والتربية الجادة.

هل تعد أبناءك لهذه الغاية ؟ ما معنى انتصار الاسلام ؟

إنه لا يعني جمود الحياة وتسلّط الطغاة المتغلبين ، الرجال في المساجد والنساء في الحريم ، الجلاد منهمك في قطع الرؤوس والأيدي وجلد الظهور ، اللِحى تملأ الشوارع ، الجباه مقطّبة، الابتسامة ممنوعة ، العودة إلى أساليب حياة القرن الأول في الصحراء…

لا ، أبدا ، بل يعني إشاعة الحرية والعدل والمساواة وسيادة الأخلاق والحكم الراشد ، يعني استقامة التعليم وتشجيع الإبداع ورفع قيمة العمل ، يعني وجود مراكز أبحاث وجامعات لا تخرّج البطالين وإنما العلماء الراسخين المخترعين والمستكشفين ، يعني بالدرجة الأولى رفع قيمة الانسان ليصنع كل هذا .