غصت القاعة بالحضور، يصغون لأربعة متحدثين، أستاذ في الفلسفة، ورجل دين إسلامي، وطبيب تجميل، ورجل دين مسيحي، وكان موضوع علم الجَمال بين الشكل والمضمون هو محور المناظرة.
قال أستاذ الفلسفة أن الجَمال ليس إلا منظورا عقليا يقوم على إدراك التناسق والتناغم في ما وراء المفردات والماديات، بينما أكد رجل الدين الإسلامي على جَمال الروح والجسد، وسانده رجل الدين المسيحي في ذات التوجه،وتحدث الطبيب عن عمليات التجميل ومدلولها الاجتماعي.
وما أن انتهى المحاضرون، وأعلن مدير الجلسة عن فتح المجال للمناقشة والأسئلة، حتى سمع الحضور صوتا يشبه الصرير، ولكني فهمت منه عبارة “أنا أول المتحدثين”، ورأيت أحدا يتجه نحو الميكرفون بشكل متثاقل، ثم ظهرت وراء الميكرفون فتاة أكاد أجزم أن الجمال فارق كل عضو فيها منذ ولادتها، امرأة مشوهة إلى أبعد الحدود، صرخت الفتاة قائلة وبصوت بالكاد تفهمه: اسمعوني، تتحدثون عن جَمال الروح وتتعالون عن الشكل..فهل بينكم من يقبل أن يتزوجني أو يزوجني لابنه..؟ لا تكذبوا..تدعون اهتمامكم بالروح وليس بالشكل..فمن يتزوجني؟…أصيبت القاعة بالذهول، وكأن الفتاة كشفت زيف الجميع.
لكن صوتا مقابلا تردد من زاوية القاعة يقول: أنا أتزوجها. ونظرت نحوه فإذا به لا يقل دمامة عنها…ودوى له التصفيق حادا في القاعة…فناداه رجل الدين الإسلامي ..تقدم يا بني، فتقدم الشاب إلى المنصة، فقال له الشيخ اجلس هنا أيها الشهم، ونادى على الفتاة..وقال لها اجلسي هنا…ثم قال :سأعقد زواجكما الآن، والمئات في هذه القاعة شهود…وأخذ قلما وورقة وكتب بعض الكلمات ثم قال لها :ما اسمك: قالت فاطمة، فقال لها بارك الله فيك.
ثم قال للشاب ما اسمك :قال حنا. ارتجف القلم بيد شيخنا، وشعرت بالقسيس وكأن الجلباب ضاق عليه. فقال أستاذ الفلسفة: هل يمكن لنا أن نعقد الزواج؟، أجاب رجلا الدين معا: لا.. لا. أما الطبيب فقال:لم تعد المشكلة الآن طبية..بل عقلية، فعليك أيها الفيلسوف أن تحل المعضلة، قال الفيلسوف: لنحدد أولا من المسئول عن المأزق؟