للقرآن الكريم استعمال خاص للألفاظ، فالبيان القرآني محكم ودقيق في اختيار الألفاظ ،وذلك من أسرار الإعجاز فيه. إذ ارتقى على الأسلوب البشري غاية الارتقاء في إحكام البيان؛ وهنا يظهر البون الشاسع الذي لايقارن مطلقا بين استعمال البيان القرآني وبيان البشر في التعبير..
فالبيان القرآني له خصوصية استعمال ودقة وإحكام، ففرق مثلا في الاستعمال بين لفظ الزوج والمرأة، والغيث والمطر.
في حين نجد الاستعمال البشري للبيان يرد فيه التساهل في الاستعمال. وهنا يبرز الفرق الكبير والبون الشاسع الذي لايقارن مطلقا ،بين البيان الإلهي والبيان البشري.
فدقة الاختيار للألفاظ في القرآن مظهر بديع من مظاهر إحكامه وإعجازه.
ومنها استعماله لفظ الهلاك ومشتقاته في سياق غير مرغوب دلالة على الانقطاع الكلي للذرية كما هو في الكلالة مثلا؛ لمن لا فرع له وارث ولا أصل.
وما ورد على لسان مؤمن آل فرعون عندما ذكرهم بيوسف عليه السلام ونبوته وشكهم فيما جاءهم به، ثم ذكر لفظ الهلاك للإشارة إلى ارتياحهم الخفي في أنفسهم لموته ورحيله، وهذا فضح لنفسياتهم وإعراضهم عن أنبياء الله قبل موسى ومنهم يوسف.
وفي سياق سورة القصص وخاتمتها بالنهي عن اتخاذ إله غير الله، وذمها وعرض بها بأنها هالكة زائلة، فأخرج ذلك مخرج العموم بقوله (كل شيئ هالك إلا وجهه).
فهو سياق نهي وذم في دعاء غير الله واتخاذه إلها فكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه.
لذلك نقول ماجاء في بيان البشر من استعمالهم لفظ الهلاك للدلالة على الموت، فهو تساهل في الاستعمال البشري،
يرتقي عنه البيان القرآن كل الارتقاء في الدقة والإحكام والاختيار ودقائق الاستعمال، وهنا الإعجاز في البيان الإلهي دون سواه من سائر البيان.
فإذا تعلمنا من القرآن وأردنا التأثر في استعماله الدقيق البليغ، استعملنا الوفاة عموما، فإذا أردنا الدلالة على معنى زائد على الوفاة استعملنا الهلاك.
فلنا استعمال لفظ الوفاة في الميراث، ثم إذا تحدثنا عن الكلالة خصوصا ذكرنا الهلاك تأثرا ببلاغة القرآن.