كان الدافع الرئيس لتأسيس مجلة المسلم المعاصر – كما جاء في مقابلة الكاتب مع مؤسسها – هو بناء منظور حضاري لتجديد العلوم الإنسانية، وقد اهتمت المجلة ببناء المفاهيم والقيم والتصورات المستمدة من الوحي والتراث الإسلامي من أجل التأسيس لعلوم إنسانية جديدة تنطلق من ذاتيتنا الثقافية والحضارية، وجاءت الموضوعات في هذا المجال تحت عناوين متعددة منها: “أسلمة المعرفة”، و”التأصيل”، و”المداخل الإسلامية للعلوم”، و”المنظور الإسلامي”.
ويمكن ملاحظة اهتمام المجلة ببناء المنظور الحضاري الإسلامي لتجديد العلوم الإنسانية المعاصرة من خلال منهجية معرفية قامت على الخطوات التالية:
أولًا: نقد المنظور الحضاري الغربي ونموذجه المعرفي في العلوم الإنسانية المعاصرة.
ثانيًا: الكليات المعرفية لبناء المنظور الحضاري الإسلامي.
ثالثًا: بناء مداخل نظرية لمجالات العلوم الإنسانية المعاصرة.
نقد المنظور الحضاري الغربي في العلوم الإنسانية المعاصرة
أكدت – المجلة – على أن مرتكز بناء منظور حضاري إسلامي ينطلق من نقد النموذج / المنظور الحضاري الغربي وما يحمله من قيم وتصورات ومفاهيم، وما نتج عنها من مناهج أصيبت بالانحراف في التعامل مع الظاهرة الإنسانية. وهذا النقد يتطلب الوعي بمعارف هذا المنظور وأصوله الفكرية ومناهجه ووسائله. ولهذا خصصت المجلة بابًا فكريًا بعنوان “نقد الفكر الغربي” جاء في صدر التعريف به ما يلي: “إن استيعاب المعارف الحديثة أمر ضروري لتحقيق إسلامية المعرفة. وليس المقصود بالاستيعاب أخذ هذه العلوم والمعارف والتنظيمات مجزأة وعلى علاتها دون تمحيص ولا غربلة ولا إدراك لما يخالطها من غايات وقيم ومفاهيم تتعلق بأصحاب تلك المعارف وقيمهم وغاياتهم وتكوينهم النفسي. إنما المقصود بالاستيعاب الهضم وتمثل الطاقات المبدعة بشكل سليم، ولا يكون ذلك دون التزود بالفهم الشمولي والدراسة النقدية الموضوعية للحضارة الغربية أصلًا ومنبعًا وغاية وفلسفة وإنجازًا”.
وجاء نقد المجلة للمنظور الحضاري الغربي على النحو التالي:
– بيان قصور المناهج الغربية في معالجة الظاهرة الإنسانية.
– المقارنة بين المنهجية الإسلامية والمنهجية الغربية في معالجة قضايا الظاهرة الإنسانية.
– الوعي بأزمات المنهج الغربي في التعامل مع العلوم الإنسانية المعاصرة، وجوانب تلك الأزمات المنهجية والمعرفية.
– الوعي بإشكالات العلوم الإنسانية المعاصرة في ضوء التصور الغربي.
– إدراك التحيزات في التصور الغربي في معالجة قضايا الإنسان.
– الدرس المقارن للمفاهيم التأسيسية التي تقوم عليها العلوم الإنسانية بين المنظورين الغربي والإسلامي.
وجاءت عناوين البحوث والدراسات تحمل عناوين مثل: “قصور المناهج الغربية في معالجة قضايا الإنسان”، و”أزمة المنهج في العلوم الإنسانية”، و”مشكلات علم النفس في ضوء التصور الغربي للإنسان ” و”الانحياز الحضاري الغربي في النماذج الرياضية” و”نقد مناهج العلوم الإنسانية من منظور إسلامي” ومنهجية التعامل مع الفكر الغربي المعاصر.
وأشارت المجلة إلى جملة من أوجه النقد للمنظور الحضاري الغربي ومنطلقاته الفكرية في العلوم الإنسانية ومنها :
– تضخم العقائدية العلمية أو تحويل العلم إلى موقف عقائدي
– اختزال المنهج العلمي في عناصره التجريبية الحسية
– اختزال الحقيقة الإنسانية في جوانبها المادية.
– تعميم المنهج الوضعي في دراسة الجوانب الميتافيزيقية للعلوم الإنسانية.
– التوظيف الإيديولوجي لنتائج الأبحاث في المجالات: السياسية، والاقتصادية والعسكرية الاستعمارية.
– تعميم مبدأ النسبية في مجال الثوابت.
– الفصل بين العلم والقيم وتحرير البحث العلمي من التوجيه الأخلاقي.
– خلخلة البنية الفكرية وتعميق نزعة الشك.
– الكليات المعرفية لبناء المنظور الحضاري الإسلامي
أوضحت المجلة عدد من الكليات المعرفية لبناء المنظور الحضاري مثل: الانطلاق من التصور الإسلامي, واستيعاب العلم الحديث وامتلاك الرؤية النقدية لدى الباحثين, واستعادة مكانة الوحي في بناء المنظور الحضاري البديل, ومن أهم هذه الكليات ما يلي:
– الانطلاق من إدراك واضح لأبعاد “التصور الإسلامي” للإنسان والمجتمع والكون المنبثق من الكتاب والسنة، إضافة إلى ما يتضمنه تراث الإسلام مما يرتبط بالتخصص، مع نظرة نقدية لإسهامات علماء المسلمين حول قضاياه.
– استيعاب “العلوم الحديثة” في أرقى صورها، مع القدرة على نقدها، والاستفادة منها، وتجاوزها بشكل بناء كلما اقتضى الأمر ذلك.
– إيجاد “تكامل حقيقي” بين معطيات التصور الإسلامي من جانب، وبين إسهامات العلوم الحديثة من جانب آخر، وليس مجرد الجمع أو التجاوز المكاني أو حتى المزج بينهما دون وحدة حقيقية.
– إعادة الاعتبار للوحي كمصدر معرفي في مجال علوم الإنسان.
– اعتبار التوحيد أُساسًا نظريًا ومنهجيًا في تأطير البحوث العلمية.
– تحرير مفهوم “العلمية” من صيغتها الحسية الضيقة.
– تحقيق الالتزام العلمي وتحرير البحث العلمي في الانحياز الأيديولوجي.
– إعادة الاعتبار للعنصر الأخلاقي في البحث العلمي.
– التمييز بين الثوابت والمتغيرات في مجال الدراسات الإنسانية.
بناء مداخل نظرية لمجالات العلوم الإنسانية المعاصرة
الخطوة الثالثة لبناء منظور تجديدي حضاري للعلوم الإنسانية الذي أسهمت فيه مجلة المسلم المعاصر بشكل بارز ويمثل انطلاقة جديدة لحركة التجديد في العلوم الإنسانية هو ما يتعلق ببناء مداخل نظرية لمجالات العلوم الإنسانية تنطلق من التصور الإسلامي الذي يجمع بين الثوابت والواقع والمستجدات والتراث البشري.
ويعتمد بناء هذه المداخل على ثلاثة مرتكزات أساسية, المرتكز الأول: المنهجية, والمرتكز الثاني: القيم, والمرتكز الثالث: التوحيد.
وفيما يتعلق بالمنهجية معالمها من خلال تحديد الغاية والتوجه العام للمنظور والنظام المعرفي الذي يستند إليه, والمنهجية العلمية التي يعتمدها في عمله داخل النشاط المعرفي للمعارف والعلوم, ومن هذه الجوانب المنهجية أشارت المجلة إلى ما يلي:
- تحديد الغاية من العلم والنشاط العلمي بصفة عامة، وارتباطها بالغاية من وجود الإنسان ذاته.
- التوجه العام للعالِم في سلوكه البحثي أو في بحثه عن المعرفة وفي نظرته لنفسه وتكييفه لعلاقته بربه وخالقه.
- نظرية المعرفة التي ينطلق منها وافتراضاتها المعرفية خصوصًا ينبغي أن تتصل بما يلي:
- مصادر المعرفة، وخصوصًا قضايا العلاقة بين الوحي والعقل والحواس.
مجال المعرفة ونطاقها وخصوصًا فيما يتصل بمدى شمولها لعالم الشهادة وعالم الغيب.
منهج البحث العلمي وأسسه من الناحية الميثودولوجية.
التنظير وتفسير نتائج البحوث.
تطبيق نتائج العلم والاستفادة منها في حياة الناس (الجانب التقني أو التكنولوجي).
من أهم المبادئ المنهجية للمنظور الحضاري والتي يجب تفهمها وتمثلها ومراعاتها إطارًا ومنطلقًا وأساسًا لهذا المنظور : التوحيد وتضميناته: وحدة الخلق (النظام الكوني – الخليقة – تسخير الخليقة للإنسان) – المعرفة ووحدة الحقيقة – وحدة الحياة – الأمانة الإلهية – الخلافة – الشمولية) – وحدة الإنسانية – تكامل الوحي والعقل – الشمولية في المنهج والوسائل).
بناء المفاهيم الإسلامية والتأصيل المنهجي
ما من عمل منهجي إلا ويكون قوامه عملية التأصيل للمفاهيم… ويعد بناء المفاهيم الإسلامية ضرورة منهجية على المستويين التنظيري والحركي في آن واحد – انطلاقًا من أن الإسلام بوصفه منهج حياة شامل يؤدي دورًا جوهريًا في حركة الإنسان الحضارية. وترجع هذه الضرورة إلى كون المنهج – في جوهره – مجموعة من المفاهيم يوظفها الباحث في معالجة موضوعه، ويستعين بها على تتبعه وتحليله وتفسيره بل وتقويمه.
القيم: من المباحث المهمة المؤَسِسة لبناء المنظور الحضاري لتجديد العلوم الإنسانية هو “مبحث القيم”، وفي هذا الإطار أكدت المجلة على أن القيم تقع في صميم البنية المعرفية الإسلامية وسارية في البنيان المعرفي للرؤية الإسلامية، وهي علاقة لا يمكن إنكارها…هذه القيم ينبغي أن ننظر إليها باعتبارها فعلًا حضاريًا ورؤية حضارية كلية تتفاعل فيها أصول الوعي مع سنن السعي في إطار عمليات تأسيس وتأصيل وتفعيل وتشغيل وتمكين”. وقد ناقشت المجلة مبحث القيم من خلال الجوانب التالية:
– البعد الحضاري للقيم
– القيم كمدخل منهاجي.
– القيم كإطار مرجعي.
– القيم تأسيس لرؤية كلية للعالم ونموذج إرشاد.
– القيم نسق قياسي
أما مرتكز التوحيد فيمثل محور الارتكاز لنظرية المعرفة في المنظور الحضاري الإسلامي وينبثق منه أبعاد معرفية مهمة تساهم في التأسيس لهذا المنظور، فالتوحيد هو الخاصية المميزة للمنظور الإسلامي بين النماذج الإرشادية العالمية الأخرى. ولهذا اهتمت المجلة بمركزية التوحيد وإبراز أهم أبعاده المعرفية الأخرى، فاهتمت بتناول الموضوعات والأبعاد التالية:
– البعد القيمي والغيبي للتوحيد.
– المتضمنات التاريخية للتوحيد.
– متضمنات التوحيد بالنسبة للنظرية الاجتماعية (الأمة)
– المتضمنات الخاصة بالنظرية السياسية (الخلافة).