مواصلة لحديث سابق حول أهمية التريث والتمهل في بناء العلاقات مع الآخرين (هكذا نستثمر مع قلوب البشر) وقلنا فيه بضرورة عدم استعجال النتائج أو الدفع بالعلاقات نحو النهايات المرغوبة، دون منح عملية البناء الوقت الكافي واللازم لنضوج العلاقة، من أجل ضمان استمراريتها وعدم اهتزازها عند أول صدمة أو عقبة.. ونواصل اليوم الحديث حول مفهوم ” بناء العلاقة “، الذي يعني أن المسألة شبيهة بقيام أي أحد منا ببناء منزل على سبيل المثال. إن أحدنا حين يقرر بناء منزله، فإنه لا يستعجل الأمور ولا يدفع بمقاول البناء إلى تسريع العمليات، لأن لكل مرحلة خصائص وظروف، والأوقات تختلف لكل مرحلة، والاستعجال سيؤدي إلى نتائج غير مرغوبة في النهاية أو بعد حين من الزمن لا يطول..
المستثمرون الناجحون في كسب الناس يدركون تماماً أن عملية بناء العلاقة مع شخص تتطلب وقتاً وتتطلب الكثير من التمهل وعدم الانتقال من خطوة أو مرحلة إلى أخرى قبل التأكد من أن المرحلة تامة ولا فيها ما يعيب أو يمكن أن يؤثر على مراحل مستقبلية قادمة..
عملية البناء مع قلوب البشر إن صح التعبير، لابد وأن تمر بالعديد والكثير من عمليات داخلية تعنى ببناء الثقة والاحترام المتبادل، والوصول إلى تحديد القيم والمواقف المشتركة، ليتعرف كل طرف من الآخر، على مواقفه وقيمه ومبادئه وطرائق تفكيره وثقافته بشكل عام، حتى إذا جاء الوقت وشعر أو استأنس كل طرف للآخر، وحصلت توافقات وتناغمات مبدئية، يتم الانتقال بعدها إلى مرحلة أخرى والبدء في اكتشافات أخر، تعزز وتدعم العلاقة..
لابد أن يمر الطرفان على مواقف عديدة كفيلة بكشف المعادن. إن مواقف الفرح والحزن، أو النصر والهزيمة، أو مواقف تتطلب ثباتاً وتضحية، كلها تعزز عامل الثقة، وهي من أهم وأقوى العوامل المنشودة في أي علاقة مع البشر، لأن الثقة داعمة للعلاقة بصورة إيجابية ومؤثرة، قد تصل بها إلى أن تكون أقوى من العلاقة الأسرية.
لمثل هذه النوعيات من العلاقات التي تقوم على أساس متين من الثقة المتبادلة، يستثمر الناجحون في الحياة علاقاتهم مع الآخرين مهما طال الزمن، فليست العبرة بكثرة المعارف والمحيطين، بقدر ما هي بنوعية من تعرف.
قد يقول قائل بأن التريث والتمهل في مسألة تكوين وبناء العلاقات قد يعني هدراً للوقت في عصر سريع لا يعترف بالتمهل.. وأقول نعم، هذا عصر سريع لا ينتظر ولا يرحم المتراخون الكسالى، ولكن مع ذلك هناك من المستثمـرين مع قلوب البشر، من لا يكترث لهذا الحاصل في عصرنا، ويستمر في تريثه في مسألة بناء العلاقات مع الآخرين.. ولكن مع هذا أيضاً ولمحبي مجاراة العصر وسرعته والراغبين في الوقت ذاته تكوين علاقات مع الآخـرين وبروح العصر وسرعته، سأقتـرح طريقتين عميقتين – في نظري – ربما تختصر الوقت كثيراً في بناء العلاقات مع القلوب، وهو موضوع الحديث القادم بإذن الله..