توقعت وكالة (S&P) العالمية المتخصصة في تصنيف الأسواق المالية نمو إصدارات سوق الصكوك خلال هذا العام ليصل حجمها ما بين 105 مليار دولار – 115 مليار دولار وذلك على افتراض استقرار سعر نفط “برنت” عند 55 دولار للبرميل حسب تقرير جديد صادر عن الوكالة.

وجاءت هذه الاحصائيات على ضوء تقارير أخرى تحدثت عن انخفاض أداء الصكوك عام 2018 حيث وصلت قيمة الصكوك 114.5 مليار دولار أي بانخفاض قدره 5% مقارنة بـ 2017.

ونظرا لكون الصكوك تشكل ملكية جزئية لعقار أو نشاط تجاري معين فإنه من المنطقي حينما يرتفع سعر النفط في الدول المصدرة له ينكمش الاقتصاد وبالتالي تتراجع سوق الصكوك ، ويحدث العكس في الدول المستوردة للنفط حيث ينعكس ارتفاع سعر النفط ايجابا على هذه الدول وينتعش اقتصادها وتزدهر سوق الصكوك. هذه التقارير والإحصائيات تسهم في فهم مدى تأثر سوق الصكوك العالمي بالتغيرات المفاجئة لأسعار النفط ، وتعالج هذه المقالة التأثيرات التى يحدثها تغير أسعار النفط  على سوق الصكوك العالمي.

يستخدم خام “برنت” كمعيار عالمي لتسعير نصف نفط العالم ، وهذا ما يجعل تغيرات سعر هذا الخام تؤثر بشكل مباشرعلى إصدارات سوق الصكوك، وقد شهد الطلب على خام “برنت” انخفاضا كبيرا منذ 2014 وصل حدود 50%، هذا الانخفاض انعكس ايجابا على الدول المستوردة للنفط حيث انتعشت ميزانياتها وزاد دخل الفرد و انخفضت تكاليف النفقات، بينما حدث العكس في الدول المصدرة للنفط أحدث عجزا في ميزانيات هذه الدول نتيجة انخفاض إيرادات النفط.

انعكس هذا الانخفاض في الإيرادات على السياسات التمويلية لهذه الدول وبالتالي أثر على عمليات إصدار الصكوك. ويرتبط تأثير تقلبات سعر النفط على سوق الصكوك بخام الــ”برنت” وهذا ما جعل الأسواق المعتمدة على الـ”برنت” كمعيار للتسعير تصبح أكثر تأثرا بهذه التقلبات.

ويقترح خبراء المالية إصدار الصكوك بالعملة المحلية بدلا من الدولار من أجل الحد من تأثيرات تقلبات سعر خام الـ”برنت” على إصدارات الصكوك، وهذا الاقتراح يواجه تحديات كبيرة منها صعوبة فك الارتباط بالدولار ولو جزئيا.

دراسات أكاديمية لفهم العلاقة

حاولت عدة دراسات أكاديمية البحث عن طبيعة العلاقة المتبادلة بين إرتفاع أسعار خام الـ “برنت”  وسوق إصدار الصكوك ، وعلى الرغم من محدودية البحوث في هذا المجال فقد أشارت نتائج دراسات استخدمت فيها معلومات احصائية تم تجميعها من (Google Finance ) ، بيت التمويل الكويتي ، مركز المالية الإسلامية في ماليزيا ، إلى أن هناك علاقة قوية بين إنخفاض أسعر النفط وعملية إصدار الصكوك ، هذه العلاقة تختلف طبيعتها حسب الدول ونوعية سوق الصكوك، فماليزيا مثلا لا تعتبر دولة نفطية بالرغم من أن 30% من الإيرات الحكومية تأتي من شركة بتروناس النفطية وبالتالي فإن تأثير انخفاض سعر النفط على سوق الصوك فيها سيكون مختلفا عن التأثير على سوق الصكوك الخليجية والسبب أن دول الخليج تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط حيث تشكل هذه الإيرادات 80% من ميزانيات هذه الدول.

الصكوك الخليجية وأسعار النفط

تعتبر سوق الصكوك الخليجية من ضمن أكثر الأسواق تأثرا بتقلبات سعر النفط ويرجع ذلك إلى اعتماد هذه الدول بشكل أساسي على تصدير النفط ، ويشير خبراء الاقتصاد في هذا المجال إلى أن انخفاض سعر برميل النفط وبقاءه دون حاجز 55 دولارا لفترة طويلة سيزيد من عمليات إصدار الصكوك خاصة إذا كانت هذه الاصدارات بالعملة المحلية ، كما أوضح ذلك “محمد داماك” رئيس قسم التمويل الإسلامي بوكالة (S&P) . وأكد داماك أنه على الرغم من مشاكل  انكماش السيولة التى تعصف بالعالم ، والمخاطر الجيوسياسية العالية في منطقة الشرق الأوسط والتحديات الملازمة لإصدار الصكوك إلا أن هناك توقعات بزيادة الطلب على الصكوك في السوق الخليجية، وربط السيد داماك تحقيق هذا الهدف ببقاء سعر برميل برنت في حدود 55 دولارا. ويؤكد خبراء المالية أن إصدار الصكوك يتأثر بتقلبات أسعار النفط حيث سجلت إصدارات الصكوك انخفاضا بنسبة 15.1% سنة 2017 نتيجة للاضطرابات التى أحدثتها أسعار النفط.

يواجه سوق الصكوك العالمي تحديا كبيرا فيما يتعلق بتقلبات سعر النفط ، ذلك أن هذه التقلبات تنعكس على إصدارات الصكوك وتقلص حجم هذه السوق الاستثمارية ، اتخذت بعض الدول إجراءات للتخفيف من تأثر سوق الصكوك بتقلبات سعر النفط  من ضمن هذه الإجراءات سياسة تنويع مصادر الدخل ، حيث تهدف هذه السياسة إلى تنوع مصادر الإيرادات من خلال دعم القطاعات غير النفطية وذلك للحد من تأثيرات تقلبات أسعار النفط على اقتصادات هذه الدول. في المقابل لا تزال التحديات قائمة في قطاع المالية الإسلامية لإيجاد حلول لهذه العقبات وهو ما يحتاج إلى المزيد من البحث الأكاديمي لدراسة طبيعة العلاقة بين سوق الصكوك وتقلبات سعر النفط.