تقبع في منظوماتنا المعرفية شبكة من المفاهيم تتوارى خلفها نزعات وميول،أو تتفيأ بظلال جدران واقعِ يحجب وهجها عن العين الناظرة في كنهها.
فالحب الرومانسي الذي أتخمناه شعرا ونثرا ليس إلا فخا نصبه الجنس،ولكن تقنيات التحايل تطورت في لاوعينا إلى مدى غارت فيه واحتجبت بتراكمات العرف والعادة والتهذيب المفتعل، وتتدثر طقوسنا وشعائرنا بجلابيب الرهبة التي شكلتها أساطير تزاحمت في الذاكرة الجمعية فتبدأ من الطوطم لتنتهي عند اللامتناهي.
والإنجاب مراوغة البقاء للفناء،ويتلوى في طرق ودهاليز تبدأ بنقش الاسم على جدران الكهف وينتهي بالاستنساخ، ويشتط الوجد بنا فنحرك القبور ،ونوغل في القادم فنجعله شفافا،وننهل من شرابه ونختمر اللذة في وهمه.
وتمتد جذور الوهم في باطن التاريخ لتشق صخوره،وتحمل في رحلتها طفح الفقر والعوز،وأثقال الجهل وبؤس التجربة،ويعبر العقل البشري عن كل ذلك،فتجد في دورق المختبر الإنساني أقدام الأنبياء،ومعاول الماركسيين،واكتئاب المعري،وجنون بن الملوح،وشكوك ديكارت.
ويعترف الإكويني بأنه تلميذ بن رشد،ويتجرأ ابن الراوندي، ويعقلن جون ديوي المصلحة،ويهذب الرحابنة نار الرغبة،فيكشف فرويد حيلهم من ثنايا مقامات الموسيقى..و..و..و.
نعم إنه مكر التاريخ،ومراوغة العقل،وتهيب الرغبة،ورفض الفناء،وجلال المعرفة،كلها رقائق أو طبقات تعلو بعضها بعضا،ومن المتعذر إدراك بعضها دون الحفر في ذاكرة البشرية،والأكثر تعذرا كيف تتداخل هذه الرقائق أو الطبقات ليشكل منها ما ننام على يقينه…وما هو إلا أضغاث أحلام.