لما أمر الله جل في علاه نبيه موسى – عليه السلام – أن يذهب إلى فرعون المستكبر داعياً مبلغاً رسالة الله … ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) طه ( 24 ) . رد موسى – عليه السلام – بأدب نبوي جم ، معبراً بحرية أمام الحضرة الإلهية العلية عن أمرين :
– تخوف يختلج في نفسه (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ) ( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) الشعراء ( 12- 14 ) .
– و كما عبر مقترحا ًما فيه الصلاح والخير للدعوة والرسالة – فيما يرى – ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ) القصص ( 34 ).
فجاء الرد الإلهي – بكل معاني اللطف والكرامة –:
* معطياً له ما أراد وما اقترح (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ) القصص ( 35 ) ،
* مؤمّناً له من كل مخاوفه وهواجسه (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) طه ( 23 ) . حتى يستطيع تأدية الرسالة على أكمل وجه أمام طاغية أرهب الناس واستخف بهم واستعبدهم .
إن الرسالات السماوية لم تأت لكبت الإنسان وتقييد فكره وحريته وقتل الإبداع لديه – كما يزعم دعاة الإلحاد – بل على العكس تماماً..أطلقت له قدراته وإبداعاته ووجهته نحو الخير والصلاح
إنه حقا ً لمن المذهل أن نشهد في هذا العرض القرآني لهذه القصة – الأكثر وروداً في القرآن – ما يمثل حرية التعبير بكل ما فيها من معان وأبعاد و إيحاءات و رقي، لقد أذن الله – جل جلاله – لنبيه في مقام التكليف بالنبوة وأمانة الرسالة أن يعبر ويقترح ويراجع ويخاطب بما في ذلك من المصلحة لخيري الدين والدنيا.
إن هذا المشهد – وغيره في القرآن – يعرض بصراحة ووضوح مدى التشريف الذي حبا الله به الإنسان، بأن وهبه من حق حرية التعبير، ما يحفظ به كرامته وقيمته ووجوده، و يستثمره لما فيه عمارة الأرض وصلاحها .
إن الرسالات السماوية لم تأت لكبت الإنسان وتقييد فكره وحريته وقتل الإبداع لديه – كما يزعم دعاة الإلحاد – بل على العكس من ذلك، فقد أطلقت له قدراته وإبداعاته ووجهته نحو الخير والصلاح .