الاجتهاد في النوازل والحوادث التي تحل بالناس لابد لها من حكم شرعي، حتى لا يخلو فعل من أفعال البشر من حكم الله تعالى، وحكم دراسة النازلة هو فرع عن حكم الاجتهاد.
والاجتهاد فرض كفاية على الأمة، لكنه يتعين على من له القدرة عليه من الفقهاء المجتهدين.[1].
وقد أشار الشاطبي – رحمه الله- إلى وجوب الاجتهاد في كل عصر؛ لأن ” الوقائع في الوجود لا تنحصر؛ فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلابد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك؛ فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضا اتباع للهوى، وذلك كله فساد؛ فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق؛ فإذا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان”[2].
أنواع حكم الاجتهاد في النوازل
جعل بعض العلماء الاجتهاد في النوازل أربعة أحكام؛ فرض عين، وفرض كفاية، وندب، وحرام.
أولا- فرض العين:
ويكون في حالتين:
الحالة الأولى: اجتهاد المجتهد في حق نفسه فيما نزل به؛ لأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره في حق نفسه، ولا في حق غيره.
والحالة الثانية: اجتهاده في حق غيره إذا تعين عليه الحكم فيه بأن ضاق وقت الحادثة، فإنه يجب على الفور حينئذ.
ثانيا- فرض الكفاية:
ويكون في حالتين:
الحالةالأولى: إذا نزلت حادثة بأحد فاستفتى أحد العلماء كان الجواب فرضا على جميعهم، وأخصهم بفرضه من خص بالسؤال عن الحادثة، فإن أجاب واحد سقط الفرض عن جميعهم، وإن أمسكوا مع ظهور الجواب والصواب لهم أثموا، وإن أمسكوا مع التباسه عليهم عذر، ولكن لا يسقط عنهم الطلب، وكان فرض الجواب باقيا عند ظهور الصواب.
والحالة الثانية: أن يتردد الحكم بين قاضيين مشتركين في النطق فيكون فرض الاجتهاد مشتركا بينهما، فأيهما تفرد بالحكم سقط الفرض.
ثالثا- الندب:
يكون الاجتهاد مندوبا إليه في حالتين:
الحالة الأولى: أن يجتهد العالم قبل نزول الحادثة ليسبق إلى معرفة حكمها قبل نزولها.
والحالة الثانية: أن يستفتيه سائل قبل نزولها به فيكون الاجتهاد في الحالتين ندبا[3].
رابعا- الحرمة:
يكون الاجتهاد محرما في حالتين هما:
الحالة الأولى: أن يقع الاجتهاد في مقابلة دليل قاطع من نص أو إجماع.
والحالة الثانية: أن يقع ممن لم تتوفر فيه شروط المجتهد فيما يجتهد فيه؛ لأن نظره لا يوصله إلى الحق، فيفضي إلى الضلال، والقول في دين اللَّه بغير علم[4].
وحاصل القول: إن الاجتهاد في النوازل واجب على الأمة في عمومها، ممثل ذلك في علمائها وفقهائها المجتهدون، والأولوية فيه للاجتهاد الجماعي التي يتمثل في المجامع الفقهية ومؤسسات وهيئات ودور الإفتاء؛ التي تقوم بواجب الاجتهاد في النوازل؛ حتى يبينوا فيها حكم الله للناس فيلتزمونه، وهو أحد تجليات معاني التوحيد لله، في كون الشرع هو مرجع الناس في أحوالهم المختلفة.
[1] – الضروري في أصول الفقه = مختصر المستصفى (ص: 144)، و الفروق للقرافي (2/ 121)، و شرح تنقيح الفصول (ص: 435)، و صفة الفتوى، لابن حمدان (ص: 53)
[2] – الموافقات (5/ 38-39)
[3] – كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 14-15)، و قواطع الأدلة في الأصول (2/ 303-304)، و البحر المحيط في أصول الفقه (8/ 240)، و إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (2/ 212)
[4] – المهذب في علم أصول الفقه المقارن، د. عبد الكريم النملة (5/ 2328)