في ختام أعماله التي امتدت ليومين كاملين، أصدر مؤتمر الدوحة الخامس عشر لحوار الأديان عددا من التوصيات، داعيا إلى ضرورة حماية الأسرة من تغيرات العصر، والتصدي لما وصفه بالهجوم الشرس والنظريات الدخيلة التي تستهدف كيان الأسرة، باعتبارها الكتلة الصلبة الباقية لأمان المجتمعات واستقرارها.

وشهد مؤتمر الدوحة لحوار الأديان الذي ركز في ختام أشغاله على حماية الأسرة من تغيرات العصر، انعقاد ثلاث جلسات عامة، وإحدى وعشرون جلسة فرعية متزامنة، بالإضافة إلى الجلسة الافتتاحية والجلسة الختامية، وتوصَّل المؤتمر إلى عدد من التوصيات من اجل العمل على حماية الأسرة من تغيرات العصر، وقرر إصدار البيان الختامي الذي تضمن النقاط التالية:

توصيات المؤتمر لحماية الأسرة من تغيرات العصر

التأكيد على ضرورة حماية الأسرة من تغيرات العصر، والتأكيد أن الحفاظ على هيكل المنظومة الأسرية وتقوية بنيانها وتحصينها من المخاطر المعاصرة التي تواجهها كون الأسرة هي الركيزة الأساسية للمجتمع، لن يتم إلا:

  • بجعل التعاليم والقيم الدينية هادية لمسار الأسرة وموجهة لأفرادها.
  • الإعلاء من شأن القيم والأخلاق الفاضلة، والتنويه بدورها وأثرها في توجيه السلوك البشري وتعظيم التماسك الأسري.
  • التركيز على محورية التربية بوصفها مسارا بالغ الأهمية والحيوية لتحقيق تنشئة سليمة للأجيال الناشئة التي تصنع المستقبل.
  • تفعيل دور الأسرة للقيام بدورها في وقاية أبنائها من الوقوع في الممارسات والس لوكيات الخاطئة أخلاقيًّا.
  • التأكيد على القواسم الدينية المشتركة في الأديان السماوية، وتوضيح مقاصدها السامية من أجل تحصين الأسرة بمفهومها الدقيق وهيكل بنائها ومكانتها ومسؤوليتها، والحفاظ عليها من التدخلات الخارجية والأفكار الهدامة الرامية لزعزعة الدور المركزي للأسرة.
  • التأكيد على دور المؤسسات الدينية في دعم الأسرة وحمايتها.
  • التأكيد على دور المؤسسات التعليمية-وخاصة الجامعات-في دعم الأسرة وتحصينها من الأفكار والفلسفات التي تفتك بالمجتمعات والحضارات.
  • تحقيق الشراكة بين مختلف الجهات ذات العلاقة بالأسرة والمجتمع، والتحذير الشديد من خطر الحروب والنزاعات على الأسرة وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الإعاقة، والانتهاكات الحقوقية التي تعصف بهم خلال هذه الحروب وتفاقم الوضع الإنساني لهم.

تفعيل دور الأديان في علاج المشكلات الأسرية

ودعا مشاركون في مؤتمر الدوحة الدولي الـ 15 لحوار الأديان إلى التصدي لما وصفه بالهجوم الشرس والنظريات الدخيلة التي تستهدف كيان الأسرة، باعتبارها الكتلة الصلبة الباقية لأمان المجتمعات واستقرارها. وذلك ما يستدعي العمل على حماية الأسرة من تغيرات العصر التي تههدها في كل مكان.

وخلال جلسة الأديان وهوية المنظومة الأسرية بالمؤتمر، أكد المتحدثون أهمية التركيز على حماية الأسرة من تغيرات العصر، ودراسة التغيّرات الطارئة على مفهوم الأسرة ومكوناتها الفطرية منذ عصر التنوير وحتى اليوم، وكيف أسهمت الحداثة وما بعدها في تفتيت المضمون المتماسك للأسرة، وهدم الحياة المجتمعية التراحمية.

وأشار المشاركون بالمؤتمر، الذي يحمل عنوان “الأديان وتربية النشء في ظل المتغيرات الأسرية المعاصرة”، إلى التغيرات المفاهيمية الطارئة على الأسرة وتحول الزوج الأب والزوجة الأم إلى مجرد فرد منتج، وكيف أفرز هذا ضبابية في الأدوار الأسرية بين الرجل والمرأة. وهو الأمر الذي دق ناقوس الخطر بضرورة الإسراع في وتيرة العمل من أجل حماية الأسرة من تغيرات العصر.

وأكدوا على دور الأديان ومنهجها في علاج المشكلات الأسرية، حيث إنها تجتمع على العمق الإنساني والتكريم الإلهي للزوجين باعتبارهما مستخلفين في الأرض.

كما وضعت كل الأديان منهجا وقائيا وعلاجيا للمشاكل الأسرية لو التزم الناس في كل عصر بأحكامها لبقيت الأسرة متينة قوية تسودها المودة والمحبة والسعادة والسكن، ويرفرف عليها الوفاق والوئام.

اهتمام جميع الأديان بحماية الأسرة من تغيرات العصر

وأكد المشاركون في المؤتمر على أهمية تضافر الجهود نحو زيادة الوعي، وإدراك خطورة الأفكار الوافدة وضرورة المعالجة السريعة والجريئة لها، وإعلان رفض جميع النظريات التي لا ترفضها الأديان فحسب بل ترفضها الفطرة السليمة أيضا.

واعتبر أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الدكتور نظير عياد، المؤتمر أحد الأحداث المهمة التي تركز على قضية الوعي بواحدة من القضايا الرئيسية التي أولتها جميع الشرائع السماوية موفور العناية وهي الأسرة والنشء، مؤكدا أن القرآن الكريم ومن قبله التوراة والإنجيل، تقاسموا التركيز على أن الأسرة هي النقطة المركزية في بناء المجتمع واستقراره وأمنه.

جانب من جلسات الموتمر الذي ركز على حماية الأسرة من تغيرات العصر

وأشار إلى أن هناك ارتباطا قويا بين استقرار المجتمعات وتقدمها وبين الأسرة، ولعل ذلك هو ما يعكس الهجوم الشرس على الأسرة باعتبارها الكتلة الصلبة والبقية الباقية لأمان المجتمعات واستقرارها. وأضاف بأنه تم توجيه السهام إلى الأسرة من خلال نظريات مرفوضة عقلا وشرعا وفطرة وخلال الفترة المقبلة يجب العمل على تضافر الجهود لزيادة الوعي وإدراك خطورة الوافد والمعالجة الجريئة والسريعة وإعلان رفض جميع النظريات التي ترفضها الأديان.

وركز أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف على أهمية تعاون الجهات التعليمية والجهات الرقابية والإعلامية والمؤسسات الدينية لتشكيل حائط صد قوي أمام التيارات الوافدة الدخيلة التي لا تهدف إلا إلى القضاء على المجتمعات.

توظيف القيم المشتركة لإنقاذ الأسرة من الخطر

أكد العضو السابق في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان، أمير رعد، أن هناك شرائع متعددة تشمل الإسلام والمسيحية واليهودية، وهناك أقسام ثلاثة لكل شريعة وهي العقائد والعبادات والقيم، ففي العقائد لا يمكن التفاهم إلا من خلال تثبيت الثوابت، وفى العبادات فإن كل معتنق لشريعة ينفذ عبادته من خلال هذه الشريعة. وأضاف القاسم المشترك بين الأديان، وهو القيم التي هي عبارة عن مجموعة أفكار وقناعات وممارسات لها علاقة بالأخلاق والأمانة والصدق، ومن هذا المنطلق يقوم الحوار الحالي على كيفية الحفاظ على ما تبقى في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية وهو الأسرة.

فيما دعا وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هيكتور حجار، إلى حماية الأسرة من تغيرات العصر وإلى ضرورة الاهتمام بالأسرة كونها اللبنة الأولى لبناء المجتمع، موضحا أن “من يريد غير ذلك فليطبقه على ذاته ومجتمعاته ولا يصدر لنا قيمه أو أفكاره”.

وأضاف حجار أن القيم الدينية المشتركة بين كل الديانات متعددة وكثيرة ولكن المهم هو التطبيق وتحويل هذه القيم إلى التعايش والمعاملة من خلالها، وقال إن نقاط الخلاف “لاهوتية” واللاهوت هو تفكير ما ورائي، ولكن في القيم اليومية لا يوجد خلاف فاحترام المرأة، وحقوق الطفل وتنشئته، والتربية في بيئة سليمة، كل ذلك أمور متفق عليها في جميع الديانات.

وحول مسألة الحفاظ على الأسرة في ظل المتغيرات المعاصرة، أوضح الوزير اللبناني أن المتغيرات الحالية تعود في الأساس للتطور التكنولوجي، ولذا لا بد من الانطلاق من نقطة ارتكاز وهو الإيمان القائم على أبعاد إنسانية عميقة.

التمسك بتعاليم الدين لبناء أسرة قوية

أما مفتي جمهورية تتارستان كامل سميع الله فقال في تصريحات صحفية إن هناك علاقة قوية جدا بين التمسك بتعاليم الدين وبناء الأسرة القوية، حيث نرى على سبيل المثال أولئك الذين يبيحون الزواج بين الرجل والرجل والمرأة والمرأة فهم لا ينتمون لأي قيم دينية على الإطلاق، فلا يوجد أي دين يبيح ذلك وبالتالي فالعودة لقيم وتعاليم الأديان هي أساس بناء الأسرة القوية.

وأشار إلى أن الحوار بين الأديان يفتح الآفاق نحو التعايش السلمي بين أنصار ومعتنقي كل دين، ولا بد أن يكون هناك احترام متبادل يوفر في الأساس تعايشا سلميا قويا في المجتمعات المتعددة.

مؤتمر الدوحة فرصة للتدارك

وأكد المشاركون في المؤتمر الدولي الخامس عشر لحوار الأديان أهمية النقاشات والجلسات التي دارت على مدى يومين في الدوحة. وأبرزوا أن المؤتمر منصة فكرية لتبادل وجهات النظر وتقديم توصيات على كيفية توظيف الأديان في حماية الأسرة من تغيرات العصر وضمان استقرارها وتماسكها في ظل التهديدات الخارجية.

واختتمت أعمال المؤتمر الدولي الخامس عشر لحوار الأديان، الذي ينظمه مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بالتعاون مع اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات، حول موضوع الأديان وتربية النشء في ظل المتغيرات الأسرية المعاصرة، بعد أن شهد المؤتمر عقد العديد من الجلسات العامة والفرعية والمتزامنة حول محاوره المختلفة، التي تركز على موضوعات الأديان وهوية المنظومة الأسرية، والدور المركزي للأسرة في التنشئة والتربية الأسرية، وقضايا الأسرة المعاصرة، من حيث سبل الدعم والمعالجة والحلول.