يدرك أرباب العقول من المتمرسين في البحث العلمي أن بعض الأسئلة تحتاج إعادة صياغة، أو تصحيح وتصويب، أو تفكيك قبل الإجابة عليها. وذلك لضمان الإجابة الصحيحة الصائبة، والابتعاد عن المغالطات العلمية أو الاستخفاف بالعقول، أو التبعية العمياء. وهذا الموقف منهجٌ قرآني أصيل ومبدأ علمي قبل أن يكون من أبجديات تكوين فكر وصناعة قناعة أو محاولة التأثير على الرأي العام.
نماذج أسئلة تحتاج للتفصيل لا الهدم
لعل عنوان المقال من نوع الأسئلة التي لا يُعرف لطرحها معنى إلا الهدم والنقد أو المغالطة، إذا طرحه ناقدٌ للحوار أو من له موقف مسبق منه أو من لم يقرأ عنه ولا فهم مغزاه!
ومن أمثلة الأسئلة التي تحتاج إلى تفصيل حتى لا يؤدي ظاهرها إلى مغالطة ما يأتي:
- { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } (يس: 47)
- { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (يس: 48)
- وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال: «فأتيت نبي الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت ألستَ نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألست على حق وعدونا على باطل؟ قال: بلى، قلت: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قلت: فلماذا نعطي الدنيّة في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به.
- ولما زاد ضغط المشركين على ضعفاء المسلمين ولقوا منهم شدة، جاء خباب إلى رسول الله – ﷺ – وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقال له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟
ومن هذه الأسئلة أيضا ما يأتي:
- لماذا تحدث حوادث السير والمرور رغم وجود إشارات المرور؟
- إذا كانت كل الأديان تدعوا إلى السلم فلماذا الحروب؟
- أين الاهتمام العربي بدول غرب إفريقيا وبقضاياها لعامل الدين المشترك مثل اهتمامهم ببيقة القضايا الإسلامية التي تحدث خارجها؟
- إذا كان الإسلام وفّر كل عناصر الحضارة ومقوماته فلماذا بعض الدول الإسلامية من أشد الدول تخلفا وأقل إنتاجا؟
- أين العدل ونرى أطفالا يقتلون وأبرياء يظلمون وجبابرة ظلمة يعيشون رغدا؟
- أين الكليات الشرعية مما يجري، وأين علماء الأمة، وأين وزارات الأوقاف في الدول الإسلامية؟
- أين المنظمات الدبلوماسية الدولية ومؤسسات السلام العالمي؟
- أين وأين، ولماذا ولماذا.. إلخ.
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَاءَ
إن نماذج الأسئلة أعلاه لا ينبغي أن تقلب الطاولة فتشغلنا نقطة تركيز السؤال المقصودة عن جوانب ونقاط أخرى هي إنجاز وواقع وحقيقة، ولا أن تقلل من جهود هذه المؤسسات أو تضرب بحسناتها عرض الحائط، ناهيك عن تخوين مؤسسات عريقة ورجال قدّموا الكثير.
إن إشارات المرور مهمة رغم وجود الحوادث، وإن المنظمات الدبلوماسية مهمة رغم التحديات التي تمرّ بها، إن الكليات الشرعية تقوم بدور التعليم والتربية والدعوة رغم الأحداث التي تحدث خارج إرادتها، وهكذا دواليك، وهلمّ جرّا.
إن بعض الأمور في الحياة معضلة عويصة، لا تحل بعصا سحرية، إنما تجري عليها قواعد السنن الكونية التي خلقها الله عزّ وجل، ولا يتخلف عنها سبب وجود الناس في الحياة: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ } (سورة العنكبوت: 2) ويكون مواقف التغيير فيها على مراحل: باليد أولا، واللسان، القلب، وتتطلب تدرجا أحيانا. ويصح هذا على الأفراد والمؤسسات والدول والحضارات.
السلم في مظانّه
حوار الأديان يعني إعمال تعاليم الأديان لمنع نشوب الحرب، وإعمالها لتخميد نارها بعد نشوبها، وذلك جانب السلم في الإسلام في مظانه ومواطنه، وعكس ذلك الحرب والقتال. وإن الإسلام يعلمنا أن السلم أساس علاقة المسلم مع غير المسلم المسالم، وأن البر والقسط هو الأصل مع من لم يعتدي. إن على كل فرد وكل مؤسسة ودولة دورها المنوط بها، وكل يتحمل مسؤوليته، ويحاسب عليها.
وحيث ينطلق حوار الأديان من هذا المبدأ الإسلامي والإنساني في التواصل الثقافي والحضاري مع دول آسيا وإفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، وحيث يدعو حوار الأديان أتباع الديانات الأخرى لتفعيل هذا المبدأ ويخاطب الإنسانية لتنديد الظلم والاضطهاد والعنصرية والفقر، وجُعل الدين عامل سلام لا معول هدم، لا شك أن هذه المساعي النبيلة المتفقة مع الدين الإسلامي تواجه تحديات ومعضلات وتحديات جسيمة (مثل حرق المصحف، منع النقاب في بعض الدول.. إلخ)، إن هذه التحديات الخارجية لا ينبغي أن تقلل من أهمية الحوار ودوره الكبير والجهود المبذولة، بل مثل هذه التحديات تؤكد مكانة الحوار في ترجيح كفة الحق والعدل، وقد رأينا مع الأحداث الجارية مواقف إنسانية من غير العرب ومن غير المسلمين ارتفع صوتهم تضامنا مع القضية وحقنا للدماء، فالحوار مطلوب عموما، وكل في جبهة وعبادة لو يتمعّن ويُنصف.