حين تقرأ وتتأمل قوله تعالى “وإذ يتحاجُّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد[غافر: 47 – 48].. فإنه ربما على الفور سيتبادر إلى ذهنك وصفٌ دقيق لما جاء في الآية من حوار، ويمكنك أن تطلق عليه حوار “الحسرة والندامة” إن صح التعبير، وهو بين فريقين من أهل النار- أعاذنا الله وإياكم منها – فريق دعاة الكفر والشرك والضلال، وفريق الأتباع، الذين اتبعوا زعماءهم وسلاطينهم دونما تفكير في حق وباطل فكانت النتيجة أن اجتمع الفريقان في النار وبقية القصة المعروفة.
قد نفهم من الآية السابقة على أنها إشارة قرآنية تدعونا الى أهمية اتباع الحق وليس الرجال – على صورهم المختلفة – قادة، ساسة، زعماء، ملوك، سلاطين، ومن على شاكلتهم. . الحق والحق فقط، هو الذي ينجيك، وإن قل عدد تابعيه، فيما الباطل يخذلك دون شك أو أدنى ريب، وإن كثر عدد تابعيه، فاختر ما شئت، فما زال القرار بيدك، إما إلى جنة أو نار.
تلك المقدمة، أو الحوار الجهنمي – حوار الحسرة والندامة – هي النتيجة النهائية لصراع بشري كان وما زال وسيكون إلى يوم الدين، بين فريقين أساسيين، وإن بدا ظاهرياً أنهما متفقان، فريق القيادة وفريق الأتباع.. فالخلاف الحاد الحقيقي الفعلي سيظهر بينهما في حياة أخروية هي ما أشارت إلى جزئية منها، الآية الكريمة المذكورة أعلاه .
فريق القيادة أو الزعامات يدعو إلى مبادئ وأفكار ومعتقدات، بغض النظر عن صحتها من عدمها، وفريق الأتباع يسير خلف الأول ماشياً حيناً، ومهرولاً حيناً آخر ويتسارع في اعتناق مبادئ وأفكار ومعتقدات الأول، دونما كثير تمحيص، ولكن رغبة أو رهبة. . رغبة في الحصول على بعض ما عند الأول من نعيم مادي لا يدوم، أو رهبة مما قد ينتج عن زعماء الفريق القيادي من تهور في السلوك على شكل تعذيب نفسي أو جسماني متنوع وخسائر مادية أخرى لا يرغب الأتباع رؤيتها واقعاً متجسداً أمامهم، فليس من بد إذن، سوى إتباع القيادة، حتى النهاية!
تلكم السلبية من فريق الأتباع ستؤدي بهم لنهاية غير سعيدة، لا دنيا ولا آخرة كما بانت ملامحها في الآية ، مثلما ستؤدي الإيجابية المزعومة أو الغطرسة والتجبر والكبر بأفراد الفريق الأول إلى نهاية غير سعيدة، لا دنيا ولا آخرة.
بعد مشاهد من الصراع غير الواضح بين الفريقين، فريق يدفع ويضغط على الآخر لأن يتبعه ويسلم بذلك، وفريق يضغط ولكن على نفسه كيلا يواجه الأول بسبب قوته وبأسه، وخوفه من فقد مزايا مزيفة. . بعد تلك المشاهد، يظهر التلاوم الحقيقي بين الفريقين، ولكن بعد فوات الأوان.
يحدث ويقع أخيراً التلاوم، الذي كان على شكل حوار كما بالآية. الأتباع يلومون القادة والزعماء أنهم السبب فيما هم عليه من بؤس في نار جهنم، ويسألونهم إن كان ما زال بيدهم حيلة أو وسيلة يستطيعون بها انقاذهم مما هم فيه، كما كان حالهم في الدنيا !! ولكن لا حياة لمن تنادي، فترتفع أصواتهم ساعتئذ “وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا” [الأحزاب: 67 – 68]
هكذا إذن النتيجة النهائية.. هكذا حال من يعطل حواسه وعقله ويتبع أهواء غيره قبل أهواء نفسه، ويغتر بالكثرة وبالمال والقوة المادية عند البعض، فيقرر الإتباع دون قليل تأمل وتدبر، الأمر الذي يشجع ويعزز الفريق الأول في الاستمرار على نهجه، منطلقاً من وهم وغرور السيطرة، فيتجبر ويتكبر وفي الوقت نفسه يزداد عدد تابعيه، حتى تكون النهاية أليمة أيضاً، حيث الحسرة والندامة. . وبئس النهاية تلك.