قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خخطوات الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } (البقرة: 208). مكائد الشياطين لا تنتهي، فإن أسبقيتهم عن البشر بالظهور في هذه الدنيا، جعلت خبراتهم وألاعيبهم تتراكم وتتنوع، فلا يستوعب الإنسي مكيدة شيطانية إلا وأخرى خرجت أمامه ضمن عمليات مستمرة لا تتوقف، تطبيقاً وتنفيذاً لتعليمات إبليس، من بعد أن طرده الله من رحمته.

طلب إبليس بعد تأكده من قرار الطرد الذي لا رجعة عنه، ولا له توبة أبداً، طلب من الله أن يمد في عمره ولا يموت كباقي الخلائق إلى يوم البعث. لماذا كان ذلك الطلب الغريب؟ لكي يتمكن من إغواء بني آدم ودفعهم لاتباع خطواته. يريد أن ينتقم من ذرية هذا الإنسي الذي بسببه خرج من الملأ الأعلى. خرج من مكانة لا يصل إليها أي مخلوق سوى الملائكة. خرج بعد أن صدر قرار طرده من الرحمة الإلهية. فاستجاب له ربنا تبارك وتعالى، فهو موجود منذ أن خلقه الله وإلى أن تموت كل الخلائق والموجودات مع نفخة اسرافيل الأولى.

بدأ من فوره في عمليات الإغواء والاضلال، بدءاً من آدم ومن سيأتي من ذريته، ودفعهم عن جادة الصواب والصراط المستقيم. هذا هو ما حدث ولا يزال يحدث من إبليس وذريته منذ إغوائه لأبينا آدم عليه السلام إلى يوم الناس هذا، وإلى ما شاء الله أن يستمر إغواء الشياطين لبني آدم.

من هنا لا تظن أيها الإنسان، مهما كنت صاحب إيمانيات عالية، أن الشيطان تاركك على صراط الله المستقيم. لابد أن يدفعك دفعاً للخروج عنه وسلوك طرق أخرى معروفة نهاياتها. إن استطاع دفعك بالإغواء فلن يتردد لحظة واحدة في سبيل ذلك، فإن لم يستطع أشغلك حتى النسيان، فإن عجز عن ذلك قام بالتشويش عليك، فإن فشلت عملية التشويش قام بتخويفك ونسج خيالات وأوهام متعلقة بعملك أو حياتك أو أهلك أو مالك. لن يعجز الشيطان في الاتيان بكل ما هو جديد عليك من مسالك ودروب ومداخل وخطوات. كلها تؤدي للهدف نفسه وهو إخراجك عن الصراط المستقيم.

القرآن يحذر من خطوات الشيطان

الآيات القرآنية التي تحذرنا من الشيطان وألاعيبه كثيرة :

فهذا الشيطان تكمن قوته في مهارته وقدرته على الإغواء والوسوسة والايحاء ليس أكثر. بمعنى أنه لا يملك سلطة عليك، ولا يقدر أن يأمرك مباشرة لفعل الشر، بل هو يدرك مسألة التحدي عند بني آدم حين يأتي وقت التحدي. الإنسان منا إن دخل موقفاً قد ينتج عنه فعل يقلل من الشأن ويصيب بالإهانة، تجده يصمد ويتحدى ويتعالى على الموقف، فتصعب عملية إذلاله، سواء دفعه إيمانه القوي بالله إلى ذلكم التحدي، أو دفعته اعتبارات أخرى شخصية أو اجتماعية أو غيرها لأن يترك نفسه الأبية أن تنزل منازل هابطة ويرضى بها. هذا بالمجمل أو بشكل عام، إلا ما ندر من نفوس تكون بالأساس قد نشأت في بيئات المذلة والإهانة، فهذه نفوس تحتاج لجهود جبارة لتشكيلها من جديد.

حتى لا يضيع منا خيط الموضوع.. أقول: إن الشيطان يتجنب وضع الإنسان في مواقف تثير عنده روح التحدي والتصدي، لأنه سيخسر معه جولاته وسيضطر لمحاولات عدة متنوعة، وهو في الواقع – أي الشيطان – يرغب أن تقع ضحيته من أول جولة كي يتابع عمله مع آخرين.

إن اثارة روح التحدي عند الإنسان غالباً تكون مرتبطة بعقيدة قوية، وإيمان راسخ، بغض النظر عن ماهية تلك العقيدة أو ذلك الإيمان. فكيف لو كانت تلكم العقيدة وذلكم الإيمان بالله سبحانه؟ لا شك أن الشيطان سيبذل جهوداً جبارة في عملياته ضد صاحب تلك الروح المؤمنة الصادقة.

بالطبع لن يتركه هكذا يسير مستريحاً على صراط الله المستقيم. لكن، ولأنه عاش أزمنة عديدة اكتسب خلالها مهارات ومعارف وتراكمت عنده خبرات السنين الطوال، يبدأ في ممارسة تكتيكاته مع هذا الشخص. إن نفع التكتيك الأول، قام بتعزيزه فترة ثم يتركه ليتفرغ لآخر. أما إن فشل، فيبدأ في طرق وأساليب أخرى متنوعة. لا يهدأ له بال، ولا يستريح ليلاً أو نهارا.

البداية عنده أن يدفع بالإنسي إلى عالم الشرك، فإن لم يقدر عليه دفعه إلى عالم البدع والخرافات، فإن لم ينجح أدخله عالم الضلال والانحراف، فإن تجاوز الإنسي ذلك، يبدأ الشيطان في اشغاله عن الصالحات من الأعمال، لاسيما العبادات كالصلاة والصيام والصدقة، فإن لم ينجح تراه يشغله بالفاضل عن الأفضل، أو يزين له التعمق في عالم المباحات أو التساهل في المتشابهات، أو تحقير صغائر الذنوب، وهكذا هو الشيطان في عمل دؤوب مستمر لا يكل ولا يمل.

الوصايا النبوية الكريمة لأمته بالثبات على الأذكار في الصباح والمساء، وتلاوة القرآن والمداومة عليها، إنما هي بمثابة ارشادنا إلى الأدوات والأسلحة اللازمة من أجل الاستمرار أقوياء صامدين في حروبنا مع شياطين الجن، ومعهم شياطين الإنس كذلك.

ما هي خطوات الشيطان التي نهى الله عنها؟

الله عز وجل يحذرنا من هذا الكائن في مواضع عديدة من القرآن { ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (البقرة: 208). نداء إلهي إلى عباده المؤمنين يحذرهم من عدوهم الذي لا يكل ولا يمل. يا عبادي الذين آمنوا بي حق الإيمان، انتبهوا إلى عدو أبيكم آدم وعدوكم أنتم ومن يكون معكم من المؤمنين إلى يوم الدين.

انتبهوا يا عبادي المؤمنين ولا تتبعوا خطوات الشيطان. وإن خطواته بالمختصر المفيد، هي طرائقه في الغواية والوسوسة، وأساليبه ومسالكه في تزيين الشر، حيث عمله القديم المتجدد إلى ما شاء الله له أن يعيش. انتبهوا يا عبادي من هذا العدو، ولا يغرنكم بالسير معه أو وراءه في طرق ومسالك لن تكون عاقبتها ونتائجها سارة لكم، فمتى زيّن هذا العدو الخير للمؤمنين وعباد الله الصالحين؟

إن من يضعف أو يغفل لحظة عن هذا العدو، فيتبعه هنا أو هناك، فلا شك أنه الخاسر. لا يضعف أحدكم فيسير في النميمة والغيبة وأحاديث الإفك والوشاية والإشاعة، أو أحاديث اللهو والباطل من تلك التي تميت القلب أو تجعله قاسياً، لا يتأثر بذكر الله.

الخلاصة

إنها أفعال وأقوال وسلوكيات، يدفع إليها الشيطان بكل ما أوتي من قوة، ويزينها بأجمل ما عنده من وسائل وطرائق. إنه يأمر بالفحشاء والمنكر. ولولا رحمة الله بعباده المؤمنين، ما سلِم من أذى الشيطان ورجسه أحد. ذلك أن فضل الله عليهم كبير وكثير، فإن هدايتهم إلى الاستغفار والتوبة، تُعد من أجمل وأزكى فضائل الله على عباده المؤمنين، وهي تستحق الحمد والشكر بالقول والعمل. والله سميع عليم، غافر الذنب وقابل التوب ومجيب الدعوات.