اتفق الفقهاء على وجوب ستر عورة المرأة المسلمة، وهو ما يعبر عنه بالحجاب، وحدود العورة الواجب سترها مع الرجال غير المحارم جميع جسد المرأة عدا الوجه والكفين، سواء كان ذلك في الأماكن العامة أو حتى في البيوت، وعورة المرأة أمام محارمها جسدها إلا الوجه والرأس والعنق والذراع، كما ذهب إليه الجمهور، وقال الحنفية : وما عدا الصدر والساقين ، وقال الشافعية : ما عدا ما بين السرة والركبة ، وأما عورة المرأة بالنسبة للنساء فهي ما بين السرة والركبة .
والأدلة على حجاب المرأة وستر عورتها كثيرة، منها قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]
ومن السنة ما ورد في سنن أبي داود وغيره عن عائشة – رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر، دخلت على رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله ﷺ، وقال:” يا أسماء؛ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه.
ولا يتم ستر العورة إلا بما يحول بين نظر الرجل إلى لون وبشرة الأعضاء، وهو حجاب المرأة، أي ثيابها الحافظ لها عن رؤية الرجال لتلك العورة.
ما يجوز كشفه من جسد المرأة
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز كشف الوجه والكفين من المرأة، ودليلهم حديث أسماء.
وذهب أبو حنيفة إلى جواز كشف القدمين؛ لأنهما من موضع الزينة، كما في قوله تعالى: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور: 31]، والقدمان ظاهرتان. قال الكاساني: ” وروى الحسن عن أبي حنيفة – رحمها الله- أنه يحل النظر إلى القدمين أيضا”. بدائع الصنائع 6/ 2956
وورد عن أبي يوسف القول بجواز إظهار ذراعيها أيضا لأنهما يبدوان منها عادة (حاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق 1 / 96 .)
ولم يرد عن الفقهاء في جملة الأقوال خلاف ما ذكر في جواز كشفه، فستر المرأة شعرها وتغطيتها رأسها من الأحكام المجمع عليها.
وأما بخصوص حكم خلع المرأة المسلمة حجابها لأجل العمل؛ فلا يجوز ذلك؛ لما يلي:
أولا– ما تقرر في النصوص الشرعية والأحكام الفقهية من وجوب ستر العورة ولبس الحجاب الساتر لبدن المرأة سوى الوجه والكفين.
ثانيا– أن لبس المرأة ثيابها الشرعي فرض عين عليها، لا يرتفع إلا في حالة الضرورة؛ والضرورة هي الحالة التي تصيب المرء بالضرر البالغ غير المتحمل؛ بما يضر أصل دينه، أو أصل دنياه، ولا يجوز تعديه إلا في حالة الاضطرار، كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]،والتبس بالمحظور في حالات الضرورة التي نص عليه الفقهاء بقولهم: ” الضرورات تبيح المحظورات“، هي الحالات التي لا تتعلق بحق الغير أو التأثير عليه، وحجاب المرأة في المجتمع لا يتعلق بها وحدها، بل هو متعلق بالمجتمع أيضا.
ثالثا– أن عمل المرأة – في أصله وغالبه- من الأعمال المباحة شرعا؛ فليس بواجب في العموم، فلا يترك الواجب العيني لأجل شيء مباح؛ يتساوى فيه الفعل والترك.
رابعا– أن إظهار الحجاب في المجتمع من شعائر الدين الواجب إظهارها، وهو من تعظيم شعائر الله تعالى، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]، وكما في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، فإظهار المرأة المسلمة حجابها والتزامها بالآداب الشرعية هو من الدعوة إلى الله تعالى بالفعل والسلوك، وهو آكد في بلاد غير المسلمين، كما أن هذا الفعل داخل في زمرة الدعوة إلى الله، كما في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125].
خامسا– بعض الهيئات أعطت المؤسسات التجارية الحق في عدم الالتزام بحجاب المرأة المسلمة، لكنها لم تجبر المؤسسات على ذلك، فينبغي على المرأة المسلمة التشاور والتناصح مع المؤسسة التي تعمل فيها؛ حتى تسمح لها بالحجاب أثناء عملها، خاصة إن كانت متقنة لعملها، فإن أصرت المؤسسة على طلب خلع الحجاب؛ بحثت عن مؤسسة أخرى تقبل الحجاب، فإن لم تجد مؤسسة تقبلها بحجابها، فإن كان لها من يعولها وينفق عليها؛ وجب عليها ترك العمل والالتزام بحجابها، أو كانت الدولة تنفق عليها؛ وجب عليها الالتزام بحجابها، كما يجب على الجالية المسلمة أن توظف المحجبات في مؤسساتها، وأن تسعى إلى إنشاء مؤسسات لها توظف فيها المحجبات، والقانون يسمح لها بذلك.
ولا يجوز للمرأة خلع حجابها إلا إذا لم تجد ما تقتاته وتتعيش عليه، مع عدم وجود مورد مكتسب، أو زكاة تأخذها، أو صدقة تقبلها، وخافت على نفسها الهلاك، وهي حالة نادرة الوجود، والنادر لا حكم له من حيث الإجمال لا من حيث التفصيل.
سادسا– الواجب على نساء المسلمين في البلاد التي تسمح بحظر الحجاب في المحلات التجارية التمسك بالحجاب فيما سواها من المؤسسات الأخرى؛ كالجامعات والمدارس والمعاهد وكذلك في الشوارع والأندية وغيرها، مع إظهار أخلاق الإسلام في التعامل بالحسنى والاندماج في المجتمع، والتعايش السلمي بين الجالية المسلمة وغيرها من أصحاب الديانات الأخرى على اختلافها.