منذ طرح Philip E. Tetlock دراسته في جامعة برينستون في عام 2006 حول دقة التنبؤات المستقبلية، وحتى دراسته المشتركة الأخيرة المنشورة في Journal of Experimental Psychology (العدد 1، المجلد 21، 2015) تحت عنوان The Psychology of Intelligence Analysis: Drivers of Prediction Accuracy in World Politics والتي امتد العمل في اعدادها من منتصف عام 2014- بداية 2015.
فقد قام ” تيتلوك “ومجموعته بمراجعة مائة وخمسين ألف (150000) تنبؤ ورد في دراسات 743 خبيرا (يحمل كل منهم مؤهلا علميا جامعيا)، وتركزت متابعة هؤلاء الخبراء على تنبؤاتهم ل 199 (مائة وتسع وتسعون ) حدثا سياسيا دوليا.
ومن بين النتائج التي خلصت لها الدراسة:
1- هناك ثلاثة عوامل تتحكم في نسبة الدقة في التنبؤ: حجم المعرفة في الموضوع والانفتاح الفكري والممارسة التطبيقية. ويعطي الباحثون في هذه الدراسة موضوع الانفتاح الفكري أهمية كبيرة في الدراسات السياسية تحديدا، ويضعون التنبؤات هذه ضمن نموذجين هما نموذج الثعلب والقنفذ (Fox-Hedgehog): فنموذج القنفذ هو تعبير عن مجموعة تتسلط عليها فكرة مهيمنة (كالآيديولوجيا والدين) فتصبح هذه “الفكرة الكبيرة” قفصا لهؤلاء لا يستطيعون الطيران خارجه، فتغيب عنهم كل الظواهر التي تقع خارج نطاق القفص أو مرمى النظر.
أما النموذج الثاني وهو نموذج ” الثعلب”، الذي لديه معلومات صغيرة كثيرة ولكن لديه القدرة على ربطها ببعضها ليرى الصورة بشكل أوضح ويتقن التلاعب بها.
2- تصل الدراسة لعدد من “الوصايا” لضمان أكبر قدر من التنبؤات الصحيحة:
أ- لا بد من إخضاع قياس صدق التنبؤ للمقياس المعتمد وهو مقياس (Brier Score) والذي يقيس على أساس المعادلة التالية: (1- نسبة احتمال وقوع الحدث في الدراسة)2 + (0-0,25)2 وتتراوح درجات الدقة بين صفر(تنبؤ دقيق تماما) و 2( أكثر تنبؤ غير صحيح)
ب- دلت النتائج طبقا للمقياس السابق على أن نتائج الدراسة تشجع تماما الاستمرار في تطوير الدراسات المستقبلية، فقد كانت أعلى نسبة للتنبؤات هي 0,3، بينما كانت نتائج الدقة في تحديد وقت وقوع التنبؤ مشجعة أيضا حيث كان الأعلى هو 0,85.
ت- عند مقارنة التنبؤات بين أفضل مئة تنبؤ وبين أسوأ مئة تنبؤ للخبراء، كانت النتيجة أن هناك علاقة واضحة بين الانفتاح الفكري (الثعلب – القنفذ) وبين صحة التنبؤات، فالمجموعة المصنفة أنها الأكثر انفتاحا كانت نسبة الصحة لديها هي 84,42%، بينما المتوسطة الانفتاح كانت 54,57%، أما المنغلقة (أسيرة بعد مركزي واحد ) فكانت نسبة الصحة لديها هي 47,71% (لاحظ أن القياس لخبراء وليس لأفراد من العامة).
ذلك يعني أني سأواصل رحلتي مع هذا التخصص وبمزيد من الانفتاح (الثعلب) …وتبقى “ربما” رفيقة دربي.