أصدرت دار الهدي النبوي بمصر بالتعاون مع دار الفضيلة بالسعودية إحدى الرسائل العلمية الجامعية لعام 1428ﻫ-2007م. ونال بها الباحث ماجد بن صالح المضيان درجة الماجستير من كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بالسعودية، وقد حصل الباحث على تقدير ممتاز. وأشرف على الرسالة وقدم لها الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي أستاذ العقيدة المشارك بجامعة أم القرى. وكذلك قدم لها الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود أستاذ العقيدة المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
موضوع الرسالة – التي تقع في مجلد واحد – يدور حول دور أهل الذمة في إسقاط الخلافة الإسلامية وتنحية الشريعة الإسلامية من حياة المسلمين، وقد انتهج الباحث الخط التاريخي وربطه بالخط العقدي في دراسته؛ لأسباب أشار إليها بقوله: «فيجب على المسلم أن تكون له نظرة خاصة في تاريخ الأمم ومنطلقًا ينطلق منه يتمثل بتحقيق الثمرات التالية:
1- معرفة السنن الربانية.
2-معرفة الحقائق الهامة في حياة البشرية.
3- أن دراسة التاريخ تعطي حصانة ضد الخرافات والبدع التي هي من أسباب الهزيمة والخذلان.
4-المساعدة على فهم الحاضر وتحليله».
قسم الباحث البحث وموضوع الرسالة على أربعة فصول وتمهيد ومقدمة وخاتمة.
واهتم الباحث بتقديم مقدمة عن موقف الإسلام من أهل الذمة، وذكر الحقوق الشرعية التي يكفلها الإسلام للذميين، والواجبات التي تلزمهم بمقتضى عقد الذمة، في نوع من الدراسة الفقهية المقارنة التي صدر بها البحث، وإن كان البحث لم يخلُ من إشارة إلى الأحكام الفقهية لبعض المسائل في الكثير من الأبواب.
وركز الباحث في مقدمته على أن العقيدة الصحيحة هي الأساس لقيام الدولة الإسلامية، وهذا الذي كانت تفتقده الدولة العثمانية، كما أردف ذلك بجملة من الأسباب التي أدت بجملتها إلى سقوط الدولة الإسلامية والخلافة العثمانية؛ فذكر من ذلك:
1- الامتيازات التي منحتها الدولة للأجانب مما مكّن لهم التوغل في جسد الدولة الإسلامية لتنفيذ مخططاتهم الحاقدة.
2-كثرة المال والترف الذي كان يعيش فيه النظام الحاكم.
3- توقف الطموح للدولة العثمانية بعدما تحققت بعض الأماني السيادية القريبة.
4- كثرة الزواج من الأجنبيات والذميات والتأثر بهن وبسلوكهن وتدخلهن في السياسة والحكم.
5- إغفال العثمانيين الأخذ بأسباب الحضارة المدنية والعلوم التطبيقية والاكتشافات العصرية.
6- التقصير في الدعوة إلى الدين الإسلامي عقب الفتوحات الإسلامية العثمانية.
إلى غير ذلك من الأسباب التي أدت إلى سقوط الخلافة العثمانية وسقوط الهيبة الإسلامية بسبب التفريط السلطاني الحكومي والتهاون الشعبي والتخطيط العدواني المحكم الذي تسلل بنفوذه إلى معظم شرايين الجسد الإسلامي حتى أجهز عليه في صورة الخلافة الإسلامية.
فالباحث قد أشار إلى الوسائل التي اتخذها أهل الذمة وأذنابهم للقضاء على الخلافة بسهولة بعد أن أخذ ذلك التخطيط والتنفيذ مئات الأعوام إلى أن نجح اليهود والصليبون في إسقاط الخلافة بأيدي أعوانهم من المنافقين المنتسبين إلى الإسلام.
أشار الباحث إلى علاقة أهل الذمة بالدولة العثمانية، وكيف أنهم كانوا يطالبون بكثير من الحقوق تحت المسميات المختلفة، وكيف أن الدولة العثمانية كانت تستجيب لمطالبهم وتنخدع بتلك المسميات، وما ذلك إلا بسبب البعد عن المنهج القرآني النبوي الإسلامي الصحيح.
وبيّن الباحث أن هذه العلاقات لم تكن محصورة في مظهر من المظاهر، ولكن شملت السياسة والتجارة والإدارة وأعمال الترجمة التي كانت بابًا من الأبواب المغلقة التي لا تفتح إلا بأيدي الذميين، وكانوا يفتحونها بالخديعة والمكر والتعصب لبني جنسهم مع خديعة المسلمين والمكر بهم والاطلاع على أسرارهم، بالإضافة إلى تفريط المسلمين في أن يتولى ذلك أحد أبناء الإسلام المخلصين، وفي ذلك يقول الباحث: «للأسف الشديد لم تنتبه الدولة العثمانية إلى خطورة الدور الذي يمثله التراجمة إلا في وقت متأخر جدًا فأخذت بعض التدابير التي تداركت فيها أخطاء الماضي ولكن بعد فوات الأوان».
وكذلك كيف أن الذميين حاولوا بكل السبل المتاحة التغلغل في الدولة والحصول على الامتيازات والمعاهدات والوظائف التي تمكن لهم إحكام السيطرة على الدولة الإسلامية والاطلاع على شئون الخلافة.
ولم يغفل الذميون عن الاستثارة الدائمة للموضوعات والأزمات التي ينتهي الحكم فيها غالبًا لصالحهم بما حصلوا عليه من الامتيازات والاتفاقيات؛ فمن ذلك قضية الحرية الدينية وشئون العبادة والتجارات المحرمة إسلاميًا كتجارة الخمور.
وأشار الباحث إلى أن الذميين قد استعانوا بجميع مظاهر الحياة للتأثير في الدولة والتخلص من الحكم الإسلامي؛ فمن ذلك التسلط على الحركة الأدبية والتعليمية والنشاطات الخيرية التي ضرب الذميون في كل منها بسهام كثيرة مكنت لهم الدعوة إلى القومية والوطنية والعروبة من خلال الكثير من الجمعيات الأدبية والجرائد والمجلات والمؤسسات التعليمية اليهودية والنصرانية من المدارس والمعاهد الغربية الإنجليزية والأمريكية والفرنسية التي كانت تمول من الخارج بهدف محاربة الإسلام.
ومن أجل الأعمال التنصيرية ومن أجل جذب المسلمين إلى الترف والبذخ والحياة الصاخبة المليئة بالفواحش والرذائل.
وأكد الباحث خطورة دور العلمانية والدعوة إليها، وأن الذميين أول من بدأ بنشر سمومها في الجسد الإسلامي الهزيل، وأنهم أوصلوا العلمانية وأفكارها الخبيثة إلى قطاع عريض من نشاطات الدولة ومظاهر الحكم؛ كالتشريعات والجيش والقوانين التجارية وغير ذلك، مع العمل الحثيث في نشر الكتب والثقافات المخالفة للإسلام وتعاليمه والتي تساعد على تمكين الهدف الخبيث لأهل الذمة.
ومن ذلك السيطرة على الصحافة وأن أكثر الكتّاب وأصحاب المطابع كانوا من اليهود والنصارى، فكان من السهل عليهم توجيه الرأي العام ونشر السموم إلى كل قارئ في دولة الخلافة الإسلامية.
وأشار الباحث إلى أن الذميين قد بلغ بهم المكر إلى استحداث العلوم التي شغلوا بها المسلمين وأخرجوهم عن الانتماء للإسلام إلى الانتماء للحضارات القديمة الوثنية من خلال إحداث ما يسمى بعلم الآثار الذي أكد الباحث أنه بدعة قُصد بها صرفُ المسلمين عن الولاء للإسلام والعمل على إضعاف وحدتهم بالانتماء إلى الحضارات الغابرة الوثنية كالفرعونية والأشورية والفارسية.
ولم يغفل الذميون عن الدور الخطير للغة؛ فقاموا بمحاربة اللغة العربية بالطرق الظاهرة والباطنة بالدعوة إلى العامية وإحلال اللغات الأجنبية محل اللغة العربية ما يساعد على استثقال الأجيال للغة القرآن والسنة ويتم الفصل بين الحاضر والمستقبل المشوه بأيدي الذميين وأذنابهم ممن تربوا في مدارسهم وعملوا في مؤسساتهم التي غزت الدولة العثمانية وغذّت العقول والقلوب بالدعوات إلى الإباحية والتبرج والسفور تحت مسمى التحرر والتحضر وهو في الحقيقة دعوة للتغريب في شتى المظاهر.
ويعرض الباحث هذه الصورة الواقعية التي أدت إلى إعلان إلغاء الخلافة بناء على مزاعم العلمانيين والإلحاديين في عدم التفرقة بين نظم القيادة إلا في المسميات إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة التي انتهى المطاف بها إلى إلغاء الخلافة عام 1923م على يد أحد أبناء العلمانيين والملحدين.
ولم يخل البحث من الصور المشرقة للمجاهدين والإصلاحيين أصحاب الكلمة والقوة والجزالة في التمسك بالحق من أمثال: جودت باشا، ومصطفى صبري، ومحمد رشيد رضا، في إشارة من الباحث إلى أنه مع تكالب الكثيرين على الإسلام والدولة الإسلامية إلا أن قلة قليلة من المتمسكين بالحق لا يزالون يدعون إلى المنهج الصحيح والإسلام القويم ومحاربة العلمانية والتغريب والدعوات المخالفة للإسلام التي عمّت الأفراد والمجتمعات معذرة إلى الله تعالى ونصرة للإسلام.