مع ظهور المعادن النفيسة إلى الوجود كعملات نقدية، ظل الذهب والفضة في المرتبة الأولى؛ ثم تقدم الذهب ليحتل المكانة الأولى. ويعتبر الذهب والفضة هما أصل المال. وقد حرمت الشريعة كنز المال وحبسه عن أداء وظيفته المشروعة؛ ويُحدد نصاب الزكاة بالذهب. وعلاقة الذهب بالفضة علاقة تاريخية.

مفهوم المال في الفقه الإسلامي

1-  الذهب والفضة هما أصل المال.

قال ابن الأثير (ت: 606هـ): “المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك.

وكل ما يميل إليه الطبع فهو مال، إذا أمكنت حيازته وكان جائزاً شرعاً، وفي ذلك يعرف ابن عابدين (ت: 1252 هـ) المال؛ بقوله: “المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتمول كافة الناس أو بعضهم، والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع به شرعاً، فما يباح بلا تمول لا يكون مالاُ كحبة حنطة وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقوماً كالخمر”. أي أن الخمر مال ولكنه غير متقوم، والتقوم يُثبَت بالتمول وبإباحة الانتفاع.

2- إن الانتفاع يكون بالأعيان لا بالأثمان. ووظائف النقود الذهبية والفضية، أنها أثمان (وسيلة للتوصل إلى السلع والتبادل)، كما أنها قيمة لكل متمول (مقياس للقيمة)، ويمكن تخزينها وادخارها (مخزن للقيمة).

والمال المتقوم في الفقه الإسلامي يعني مالاً مباحاً من حيث إمكانية الانتفاع به شرعاً، مع إباحة تملكه، وهو مرادف لمفهوم الثروة في الوقت الحالي. وملكية المال في الفقه الإسلامي ملكية استخلاف.

3-  أجاز الشافعية وقف المنفعة باعتبار أنها “مال متقوم” (له منفعة وغير محرم شرعاً) واحتجوا بأن الطبع يميل إلى المنفعة، وكل ما يميل إليه الطبع فهو “مال”، ولأن المنافع يمكن حيازتها لأنه يجرى التعاقد عليها، وتُضمَن، وضمانها هو دليل ماليتها..

أما الحنفية فقد اختلفوا ولم يجوزوا وقف المنفعة وحدها دون العين، واحتجوا بأن المالية لا تكون إلا بالتمول، والتمول لا يكون إلا بإحراز الشيء، وصونه، واسترجاعه عند الحاجة، والمنفعة لا يمكن فيها شيء من ذلك؛ لأنها لا تبقى في زمنين متتاليين، بل تُكتَسَب آناً بعد آن، وتتلاشى بعد الكسب[1].

4 –  يقسم الفقهاء المال إلى نقود وعروض. وفي ذلك يقول ابن قدامة (ت: 620 هـ): “العروض جمع عرض وهو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه من النبات والحيوان والعقار وسائر الأموال”.

ويقول الخطيب الشربيني (ت: 977 هـ): “العروض اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال”. ويستخلص من هذين التعريفين؛ أن العروض غير النقود، وهو ما يطلق عليه حديثاً الأصول الثابتة والمتداولة.

5- المقصود بالنقود ما يتم التعامل به أولاً لا الانتفاع، أي أنها لا تشبع حاجة (باستثناء رأي كينز؛ الذي قال أنها تشبع حاجة السيولة)، وهي وسيلة لإشباع الحاجات[2].

أما المقصود بالعروض ما يتم الانتفاع به أولاً لا المعاملة. وقُسمت العروض إلى عروض التجارة؛ وهي العروض التي يكون الغرض منها البيع، ويطلق عليها حديثاً الأصول المتداولة، وعروض القنية وهي العروض الغير مُعَدة للبيع؛ ويطلق عليها الأصول الثابتة.

أهمية الذهب والفضة كأثمان وفي التجارة والاستثمار:

1-  من تعريف الذهب والفضة فإن الله سبحانه وتعالى خلقهما في الأرض لأداء وظيفة الثمنية أي النقود.

2-  المعنى اللغوي للذهب يعود إلى الوظيفة الأساسية للنقود؛ وهي التداول وسرعة الحركة والإنفاق وعدم الركود، فالذهب من ذهابه وسرعة تداوله وحركته، والفضة من أنفض الشيء أي تفرق، وسميت فضة لأنها تتفرق بالإنفاق وسرعة حركتها وعدم الركود وهي صفة النقود.

3-  قال النيسابوري (ت: 319 هـ): “وإنما كان الذهب والفضة محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء”.

ويقول ابن قدامة (ت: 620 هـ): “الأثمان هي الذهب والفضة، والأثمان هي قيم الأموال ورأس مال التجارات وبهذا تحصل المضاربة والشركة، وهي مخلوقة لذلك فكانت بأصل خلقتها كمال التجارة”.

ويوضح التعريفان السابقان أن الذهب والفضة وهما أصل المال؛ يمثلان القيمة والجاه والجمال؛ والمال محبوب وهو ما تميل إليه النفس. وللذهب والفضة دور تاريخي في التجارة والمضاربة والشركة والمشاركة. فالتجارة هي المعاملة الحلال؛ يقول الله تعالى: “وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (البقرة: الآية 275)، والمضاربة؛ حيث يمثل المودعون أصحاب المال وشركة الاستثمار الإسلامية صاحب العمل، أما المشاركة؛ حيث تكون شركات الاستثمار شركات أخرى. وكلها صيغ للتعاملات في مجال الاستثمار.

4-  وللذهب والفضة مزايا عديدة؛ جعلت منهما أهم مقاييس عالمية للقيمة؛ بالإضافة إلى وظائف النقود الأخرى، وهي أداة للتبادل، والادخار.

ومن أهم مزايا معدنا الذهب والفضة بالإضافة إلى جمال الرونق وسهولة التعرف عليه بالعين المجردة، عدم القابلية للتلف، والقابلية للتجزئة لأجرام متماثلة الجوهر حيث يتلاءم حجمها مع القيم المختلفة لعمليات التبادل، كما أن الندرة النسبية للمعدنين جعلت قيمتهما مرتفعة بحيث مقدار ضئيل منهما يتم تبادله بكمية كبيرة من السلع الأخرى، أيضاً الثبات النسبي في القيمة بالمقارنة بغيرهما من السلع، كما أن التماثل التام في جوهر المعادن النفيسة مما يؤدي إلى إمكانية قياس عيار هذه المعادن (درجة نقائها) والتحكم فيه بحيث يمكن عمل مسكوكات ذهبية أو فضية متماثلة في الجوهر والتركيب والحجم  والوزن[3].

دور الذهب والفضة في كنز المال والزكاة

1-  يقول الله تبارك وتعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍا “(التوبة: 36).

حض الرسول على الاستثمار وتجنب الاكتناز، وعلة ذلك حتى لا تأكل الزكاة المال غير المستثمر، كما حض الرسول على الاستثمار الحلال بالصيغ الإسلامية، مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة والسلم والمزارعة والمساقاة والتأجير[4].

وحكمة الزكاة؛ كما قال أهل العلم أنها امتحان للأغنياء بإخراج المال المحبوب إلى نفوسهم في سبيل الله، وتمرين النفس على السماحة. ويؤدي منع الزكاة إلى آثار خبيثة على الفرد والمجتمع[5].

من صور بيان أهمية الذهب؛ توضح كتب فقه محاسبة الزكاة[6] أن من شروط الزكاة بلوغ النصاب؛ والنصاب يعادل 85 جم من الذهب الخالص، والذهب الخالص عيار 24 قيراط، وتلزم معادلة ما لم يكن خالصاً من الذهب بما يقابله من الذهب الخالص، فمثلاً الذهب عيار 18 قيراط يسقط مقدار الربع وتمثل ستة من أربعة وعشرين قيراطا، ومن الذهب عيار 21 يسقط الثمن ويمثل ثلاثة من أربعة وعشرين قيراطاً. وبسبب أن النصاب مرتبط بالذهب فهو مرتبط بتغير الأسعار، فارتفاع قيمة الذهب يؤدي إلى زيادة مقدار النصاب.

وفي علاقة الذهب والفضة؛ ثار سؤال: هل يتم نصاب الزكاة في عصرنا بالذهب أم بالفضة؟ أوضح الفقهاء أن قيمة الفضة تغيرت بعد عصر الرسول ومن بعده. حيث تغيرت قيمتها مثل بقية السلع، واستقرت قيمة الذهب نسبياً، ولم تختلف قيمة النقود الذهبية باختلاف العصور، فقد ظلت قيمته وحدة للتسعير[7] .

توضح الإحصاءات الخاصة بتطور الإنتاج والسعر لكل من الذهب والفضة أن العلاقة الحالية بينهما غير صحيحة وأن المستقبل يمكن أن يحمل في طياته تغير العلاقة لصالح الفضة. وقد انتبه المضاربون لذلك وبدأت عمليات شراء الفضة.