عرف التمويل الإسلامي خلال السنوات العشر الأخيرة تطورا كبيرا ، شمل تحسنا في آليات عمل أدوات هذا التمويل وزيادة في خياراته المتاحة سواء على مستوى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة أو على مستوى تمويل المشاريع التنموية الضخمة.

وتشكل الصكوك أحد أهم أدوات التمويل الإسلامي الحديثة ، حيث تم تصميم هذه الصكوك لتكون بديلا عن الأسهم والسندات، وتستهدف الصكوك تمويل المشاريع الاقتصادية الكبيرة كإنشاء الجسور ، والمطارات والجامعات و المجمعات السكنية والمشاريع الزراعية ومجالات التصنيع.

وسعت عدة دول إفريقية إلى تطوير منظومتها المالية لجذب المستثمرين حيث قامت هذه الدول بإصدار قوانين خاصة بسوق الأوراق المالية وتطوير آليات عمل هذه القوانين لجذب المزيد من المستثمرين وتهدف هذه الدول من خلال هذه الاجراءات إلى الحصول على تمويلات ضخمة لتنفيذ مشاريع تنموية تتعلق بالبنية التحية إضافة إلى مشاريع زراعية وصناعية تحقق عوائد اقتصادية لهذه البلدان وتمكنها من تخفيف حجم البطالة والفقر بين فئات المجتمع.

إفريقيا ذات كثافة سكانية عالية وأغلبيتها مسلمة و تعتبر وجهة للاستثمارات الأجنبية وذلك لما تشكله دول هذه القارة من آفاق واعدة وتزخر به من إمكانيات ومقدرات كبيرة سواء تعلق الأمر بالثروة البشرية أو الثروة الطبيعية.

المغرب ينهي الإطار القانوني للصكوك

بعد القانون المغربي الصادر 2014 الخاص بالإطار القانوني والتنظيمي لعمل البنوك الإسلامية في المغرب ،أشرف خبراء من البنك المركزي المغربي ومؤسسات مالية أخرى متخصصة على تصميم القانوني التنظيمي المتعلق بالصكوك حيث تسعى الحكومة المغربية إلى إصدار صكوك بقيمة 10.5 مليون دولار سنة 2018 أي ما يقارب  مليار درهم مغربي.

وتهدف السلطات المغربية من خلال سن قوانين الصكوك إلى الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية وتوفير السيولة في بورصة الدارالبيضاء للأوراق المالية والتى فقدت 20% من قيمتها خلال السنوات الأربع الماضية ، القانون الجديد يسمح للشركات الأجنبية بالتسجيل في بورصة الدار البيضاء التى ستصبح حسب خبراء المالية منصة استثمارية قوية ستحقق فوائد تنموية للبلاد وستزيد من مكانة التمويل الإسلامي في سوق الأوراق المالية المغربي الذي يتعبر الأسرع نموا في منطقة شمال إفريقيا. تسعى السلطات المغربية من خلال إطلاق الصكوك إلى الحصول على الاستثمارات لتمويل مشاريع اقتصادية في البلاد خاصة مشاريع البني التحتية والمشاريع السكنية.

حضور قوي في السنغال

شهدت السنغال خلال السنوات الماضية تطورا كبيرا في منظومتها المالية بما في ذالك المالية الإسلامية ، وقد تربعت السنغال على المركز الأول في الدول المستخدمة للصكوك في دول الإفريقية جنوب الصحراء. في سنة 2014 أطلقت الحكومة السنغالية أول الصكوك بقيمة 208 مليون دولار وفي سنة 2016 أطلقت الحكومة ثاني الصكوك بقيمة 350 مليون دولار.

تطور وانتشار الصكوك في السنغال جاء ثمرة لتطور المنظومة المالية وخاصة القوانين التنظيمية والتشريعية الخاصة بهذه الاستثمارات. تقوم الحكومة السنغالية باستخدام الأموال المحصلة عن طريق الاستثمار بالصكوك في مشاريع تنموية منها تطوير البنى التحتية في المناطق الريفية و تأهيل المناطق الزراعية وتوفير المياه الصالحة للشرب في هذه المناطق.

تذهب منافع استثمارات الصكوك إلى أبعد من ذلك حيث تستخدم في إنشاء المصانع  والأحياء السكنية و السكك الحديدية. وتسعى السنغال إلى توفير صكوك تمول مشاريع الطاقة والبنية التحتية في البلاد، وتهدف لتحقيق معدل نمو 7.1% في الفترة بين 2014 – 2018 تحت استراتيجية Emerging Senegal Plan.

دول إفريقية عديدة قامت باطلاق الصكوك منها تونس وكوت ديفوار وتوغو و نيجيريا وتسعى هذه الدول إلى تطوير عمل المالية الإسلامية فيها من أجل الحصول على السيولة التى تساعدها في تحقيق المشاريع الاقتصادية في هذه البلدان ، ورغم إختلاف تجارب هذه الدول وتنوعها إلا أنها شكلت سوق عالمية جديدة لجلب الاستثمارات القائمة على الصكوك.

 تجربة رائدة في نيجيريا

تعتبر نيجيريا إحدى الدول الافريقية الرائدة في مجال الصكوك ، وذلك لخبرة التجربة النيجيرية في المالية الإسلامية مقارنة بالدول الإفريقية الأخرى حيث صدر القانون المنظم للإستثمار الإسلامي في سنة 2007 ثم تبعه القانون المنظم للصكوك في 2013 وهي أول سنة تطلق فيها الحكومة النيجيرية صكوك بقيمة 100 مليار نيرة (العملة النيجيرية).

جذبت تجربة الصكوك المستثمرين و أنعشت البورصة النيجيرية ومكنت الحكومة من الحصول على السيولة اللازمة لتنفيذ العديد من المشاريع التنموية.

وتهدف الحكومة من خلال إطلاق الصكوك الحصول على سيولة تساعدها في تحقيق أهداف الخطة الاقتصادية للحكومة والمعروفة بـ Economic Recovery and Growth Plan (2017-2020) والتي تسعى إلى تطوير القوة التنافسية للاقتصاد النيجيري ، إحدى الأدوات الرئيسة لتنفيذ هذه الخطة هي الصكوك حيث أن هذه الصكوك هي الوسيلة القادرة على خلق سيولة تكفي لتنفيذ مشاريع البنية التحية. فمثلا ستستخدم الصكوك البالغ قيمتها 100 مليار نيرة في إنشاء 25 طريق سريع في مختلف الولايات النيجيرية إضافة إلى 6 مناطق أخرى.

هذه الطرق تشكل أهمية كبيرة في عملية التنمية حيث تربط بين مختلف المناطق النيجيرية وتسهل حركة الأفراد والبضائع وهو ما ينعش الاقتصاد ويحقق منافع كبيرة للدولة.

إفريقيا القارة التى تشهد تحولات اقتصادية واجتماعية سريعة وتمتلك إمكانيات هائلة لتصبح بعض دولها قوى اقتصادية قوية ومؤثرة على مستوى العالم ـ تعرف دول هذه القارة نموا متسارعا و تطورا في أداء المؤشرات الاقتصادية و ارتفاعا في نسبة الشباب بين سكان هذه الدول كلها مؤشرات قوية تجعل من هذه القارة وجهة للاستثمارات في المستقبل خاصة الصكوك.