تخونني الذاكرة في العثور على ” عقيدة دينية أو مذهبية أو آيديولوجية علمانية من قومية أو اشتراكية أو ماركسية أو ليبرالية” لم تعرف التشظي في بنياتها التنظيمية أو لم تعرف بروز الاشتقاق الفكري الذي يجنح بعيدا عن الفكرة المركزية ،بل ان التناحر الداخلي بين المصطفين وراء نفس الفكرة هو ظاهرة تاريخية يمكن سرد العشرات من الأدلة عليه.
هل كان أتباع تنظيم الحقيقة المطلقة الياباني الذين قتلوا عشرات اليابانيين في المترو يطبقون تعاليم ” لاوتسي” او الشنتوية التي تدعو الى أن الجندي الجيد هو الجندي الذي لا يحارب؟ وهل كان البوذيون يطبقون تعاليم بوذا الذي دعا اهل القرية لعدم إيذاء الافعى قائلا لا تؤذوها لا تؤذيكم؟
ففي السبعينات من القرن الماضي أفتى رجل الدين البوذي الشهير Phra Kittiwuttho بأن قتل أي شيوعي عسكريا او مدنيا لا ينتهك أي مبدا من مبادئ البوذية،وتتكرر الصورة في تايلاند وميانمار والهند وسيرالنكا وبنفس العنف ،بل إن قاتل غاندي– صاحب نظرية المقاومة السلمية كان يدين بنفس الديانة ،وقاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين متدين يهودي من نفس الملة.
وهل معسكرات ماوتسي تونغ وموجات الاعدام الجماعي خلال الثورة الثقافية كان تطبيقا للماركسية او الكونفوشية؟ والحال نفسه مع الفترة الستالينية…الخ ومنظمات الدرب الساطع وبادر ماينهوف والجيش الاحمر …الخ.
هل كانت قوائم الإعدام والحروب الصليبية تعبير عن ” الخد الأيسر ” للمسيح ؟ وهل ما فعله اليهود في فلسطين استجابة للوصايا العشر؟ وهل داعش تطبق توجيهات أبو بكر للمحاربين والتي دعت للامتناع عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ بل ولا قطع الاشجار..؟
وهل كانت قوائم الاعدام التي كان ينفذها روبسبير في الثورة الفرنسية هي تطبيق لوصايا ” فولتير او جان جاك روسو”؟ وهل الحرب الأهلية الامريكية لمدة اربع سنوات والتي قتل فيها الامريكيون من بعضهم أكثر من كل حروبهم الأخرى ضد الآخرين تطبيق لتوجهات ابراهام لينكولن؟ وهل محاكم التفتيش والحروب الدينية تعبير عن مسحة عصرية؟ وهل معارك المسلمين ضد بعضهم من معركة الجمل الى يومنا هذا تعبير عن انسانية إسلامية؟ وهل ملايين من ضحايا نازية هتلر او فاشية موسوليني او الأباطرة اليابانيون تعبير عن تراث انساني.
لن ينتهي العنف ولا التطرف مهما بذلت البشرية من جهود، فعندما قتل قابيل أخاه لم يكن هناك لا أديان ولا عقائد ولا آيديولوجيات ولا أملاك ولا عروش ولا كراسي سلطة…
العنف ظاهرة طبيعية لن تنتهي ،والتطرف جزء من هذه الظاهرة لن يختفي بأي شكل من الاشكال، وستتم ممارسة العنف جماعيا وفرديا، حكوميا وتنظيميا ، بعقلانية وبغير عقلانية، وسواء مارسه ” ذئب منفرد” او ” كلب شارد” فهم جميعا تعبير عن ظاهرة واحدة نمارسها جميعا.
فهل إلقاء اخوة يوسف له في الجب تعبير عن “حب” او تعبير عن الطبيعة الثنائية في النفس البشرية..بل هناك من يرى العنف ” قابلة للتاريخ” …فالتاريخ البشري صفحتان واحدة للوحش الكامن فينا والآخرى للإنسان الفاشل في تدجين ذلك الوحش.
فمساجد نيوزيلندا وكنائس القاهرة و المعابد البوذية ومقار الاحزاب ليست سوى مرايا تعكس عنفا كامنا يغذيه تراث بيولوجي من مرحلة الصيد حتى القنابل النووية التي تكفي لقتل كل سكان العالم 16 مرة .
لن تجدوا في التاريخ عقدا واحدا يخلو من العنف والارهاب.وهذا العنف هو من يوقظ حنين الأنسانية لهدوء الرحم الذي وصفه هارولد لاسويل، لكنها لن تجده..فاستيقظوا…