عندما ينظر القارئ إلى عنوان “ذوو الاحتياجات الخاصة في القرآن” قد يظن في بادئ الأمر أنه أمام كاتب يمارس عليه آخر فنون السفسطة والتمويه والمغالطة، ولكن عند مواصلته للقراءة والعودة إلى كتب المعاجم المفهرسة لألفاظ القرآن الكريم سيكتشف أن الأمر ليس كذلك البتتة، فالنصوص القرآنية المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة ليست بالقليل وتكشف لنا أن القرآن أعطى صورة رائعة لذوي الاحتياجات الخاصة نحتاج أن نتعرف عليها لننصف هذه الشريحة المهمة في المجتمع.
وسنحاول في هذه المقالة أن نتوقف مع جوانب من تلك الصورة الرائعة التي أعطها القرآن الكريم لذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال قراءة في كتاب “ذوو الاحتياجات الخاصة في القرآن الكريم” الذي تحدث فيه مؤلفه الدكتور حمدي الأدهم عن أنواع الإعاقة في القرآن الكريم وطرق الوقاية منها، كما أوضح حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في القرآن الكريم، وكشف عن بعض وسائل الدعم النفسي الذي قدمه القرآن الكريم لأفراد هذه الشريحة.
أنواع الإعاقة في القرآن الكريم
بالنظر إلى الإحصائيات القرآنية حول الألفاظ المتعلقة بالإعاقة، نلاحظ أن الإعاقة لها أنواع عدة يمكن إجمالها في أربعة: الإصابة الحسية المتمثلة في الصمم والعمى، والإصابة التواصلية المتمثلة في العجز عن الكلام (البَكم)، والإصابة الحركية المتمثلة في المقعدين والأقزام ومبتوري الأطراف والمصابين بالشلل الدماغي، والإصابة العقلية المتمثلة في الجنون والسفه والعته.
وإذا نظرنا إلى الأعمى، فإننا سنجد أنه في اللغة هو من ذهب بصره من عينيه كلتيهما، ويقال للذكر أعمى وللأنثى عمياء والجمع عُمي: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} البقرة : 18 وعُميان: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} الفرقان : 73، وتوجد في اللغة ألفاظ أخرى تدل على الأعمى مثل: المكفوف والضرير والأكمه، وجاءت الإشارة إلى الأعمى والأعرج في آية واحدة وهي قوله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } النور : 61
وقد ورد العمى في القرآن الكريم بصيغ عديدة، فجاء مفردا في قوله تعالى: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} الرعد:16، وجاء بصيغة الجمع مثل قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} البقرة:171، والناظر في جملة الآيات التي ورد فيها لفظ العمى يلاحظ أن هذه الإعاقة البصرية جاء على ضربين: الأول افتقاد البصر (العمى الحسي) ومن الأمثلة عليه قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} عبس:1 – 2 ، أما الثاني فهو افتقاد البصيرة وأكثر آيات القرآن الكريم على هذا النوع، ومن الأمثلة عليه قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج:46 .
أما الصمم فهو انسداد الأذن وثقل السمع، وصمّت الأذن بطل سمعها، ويقال للذكر أصم وللأنثى صماء، ويقسم العلماء الصمم إلى ثلاثة أنواع: الصمم الفطري الولادي، والصمم المكتسب، وضعاف السمع المصابين بصعوبة في المسع، وقد جاء ذكر الصمم في عدة آيات، قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} البقرة:18 ، وقال: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} الأنعام : 39 ، وقال: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } البقرة :171.
والبكم في اللغة من بكم يبكَم بكماً وبكامةً فهو أبكم والجمع بُكم وأبكام وبُكمان، وجاءت الإشارة إليه في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} النحل :76، وقال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} الزخرف: 52، وقد عرف ابن الأثير البُكم بقوله: “البُكم جمع مفردة الأبكم وهو الذي خلق أخرس، والخرس ذهاب الكلام عِيًّا وخلقًا”، أما القرطبي فقدم تعريفاً أكثر تفصيلاً عندما قال: “والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس، وقيل الأبكم والأخرس بمعنى واحد”.
ومهما كانت تعريفات وأنواع الإعاقة، فإن جميع الحواس نعمة من الله جل جلاله امتنَّ بها على الإنسان في مواضع كثيرة من القرآن الكريم نظراً لأهميتها في حياته، ومن ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} النحل : 78 ، قال الرازي معلقاً: “والمعنى أن النفس الإنسانية لما كانت في الخلقة خالية من المعارف والعلوم بالله فالله أعطاه هذه الحواس ليستفيد بها المعارف والعلوم، فإذا أبصر الطفل شيئاً مرة بعد مرة أخرى ارتسم في خياله ماهية ذلك المنظر، كذلك إذا سمع شيئاً مرة بعد مرة ارتسم في سمعه ماهية ذلك المسموع، وكذلك القول في سائر الحواس، فيصير حصول الحواس سبباً لحضور ماهيات المحسوسات في النفس والعقل”.
الوقاية من الإعاقة في القرآن
ولأن الوقاية خير من العلاج، فقد جاءت إشارات وأوامر عديدة في القرآن الكريم والسنة المطهرة تدعو الإنسان إلى أن يقي نفسه من الإعاقة، أولها الوقاية من الإعاقة الناتجة عن الأسباب الوراثية، فالإسلام قد جعل الطفل أمانة في أعناق والديه وأوجب عليهما الحفاظ عليه بالوقاية من الأمراض: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة : 195، وانطلاقاً من هذه المسؤولية المشتركة ينصح الأطباء المقبلين على الزواج بالقيام باستشارة طبية قبل الزواج ودراسة التاريخ المَرَضي، ومحاولة الابتعاد عن زواج الأقارب خاصة إذا كانت إحدى الأسر لديها بعض الأمراض الوراثية.
ولا شك أن تقديم الرعاية النفسية والجسدية للأم الحامل والمرضع من الأمور التي تساعد على الوقاية من الإعاقة، ولهذا دعا الإسلام إلى العناية بالأم والجنين في بطنها، فجاء النهي عن إتيان المرأة في المحيض وقاية للذرية من أضراره وصيانة للزوج والزوجة معاً، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} البقرة: 222، وحذر ﷺ من الاستهانة برعاية الرعية سواء كانت أماً أو جنيناً، فقال: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرغيته إلا حرم الله عليه الجنة”، وقال: “كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّع من يعول”.
وتعد الرضاعة الطبيعة مدة حولين كاملين من العوامل المهمة والمؤثرة في وقاية الطفل من الأمراض المختلفة، قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، ومن حكم الله تعالى فضائله على عباده أن لبن الرضاعة الطبيعية معقّم وخالٍ من المكروبات والجراثيم ويقتل الطفيليات، ويتميز بسهولة الهضم لاحتوائه على خمائر هاضمة تساعد الطفل على الهضم، ويحتوي على الهرمونات والأنزيمات الفعَّالة التي تساهم في تنمية ذكاء الطفل.
أما الرضاعة الصناعية فلها آثار سلبية على صحة الطفل وحواسه، فقد ذكر أحمد فؤاد الباشا في كتابه “مقاربات علمية للمقاصد الشرعية” أن إدخال أغذية مساعدة على لبن الأم في الأسابيع الأولى “يزيد من حدوث أمراض الحساسية المسببة للإسهال والقيء والمغص وسوء الامتصاص ونقص الوزن”، كما أن نزول اللبن إلى الحلق والمعدة أثناء عملية الرضاعة الصناعية يسبب “الالتهابات بالأذن الوسطى، ويكون من نتائجها انفجار غشاء الطبلة ونزول الصديد إلى خارج الأذن”.
وتعتبر النظافة والتغذية من العوامل المؤثرة في وقاية الإنسان من الأمراض المختلفة، فهناك نصوص تدعو الإنسان إلى النظافة بشكل صريح، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المدثر :4، وقال ﷺ: “الطهور شطر الإيمان”، وقال أيضا: “من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه”، وأكد صاحب كتاب “الطب الإسلامي شفاء بالهدي القرآني” أن “تعاليم الإسلام في النظافة من الوضوح والدقة بحيث إن تقدم العلم لم يزد عليها شيئا، وإن كان قد أوضح تفسيرات لكل هذه الإجراءات، فمن الأوامر المبكرة في صدر الإسلام الطهارة الكاملة”.
وقد دعا الإسلام إلى التغذية الصحية السلمية مع عدم الإسراف، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف : 31، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة :172، وبيّن النبي ﷺ النظام الغذائي المناسب لصحة الإنسان فقال: “ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”، وكان ﷺ يتجنب الطعام الشديد الحرارة أو شديد البرودة، فقد جاء في المعجم الكبير للطبراني أنه قال: “يا خولة لا نصبر على حر ولا نصبر على برد”.
ولا جدال في أن اجتناب العلاقات غير الشرعية (الفواحش) يعتبر من أبرز وأهم أساليب الوقاية من الأمراض والإعاقة، ولهذا السبب وغيره حرم الإسلام الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} الأنعام 151، وقال ﷺ: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم”.
ومن المعروف أن الفواحش كثيرة والعياذ بالله، ومنها: ممارسة الزنا، وإشاعة الفضائح الجنسية، والترويج للرقص والإغراء، والدعوة إلى شرب الخمر التي حرمها القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة : 90، وقد كشف العلم الحديث عن بعض أضرار الخمر والمخدرات على الصحة والاقتصاد والاجتماع، ومن ذلك تأثيراتها على العين والأذن والحنجرة والأحبال الصوتية.
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة
لقد ساوى القرآن الكريم بين الناس في الحقوق والوجبات وجعل التقوى الأمر الوحيد الذي يمكن من خلاله التفضيل بينهم، ولهذا فإن ذوي الاحتياجات الخاصة لهم حقوق كعامة الناس إلا ما استثناهم الله منه تخفيفاً عليهم كالجهاد مثلاً، ولعل أول حق من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة هو الحق في الحياة، أي أن يعيشوا في الحياة آمنين مطمئين دون أن يشعروا بعقدة النقص أو أنهم عالة على المجتمع، قال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} الإسراء :33، وقال ﷺ: “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة”.
ومن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة الحق في الحياة الاجتماعية والزواج، فينبغي تزويج من يستطيع الزواج منهم ذكوراً وإناثاً، ومن حقوقهم الحق في التقدير والتوقير والتكريم، أي أن يعيشوا مكرّمين أحراراً لا عبيداً لأحد لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، وأن يكف عنهم الأذى المتمثل في السخرية والنظرة الدونية لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} الحجرات :11، وقال ﷺ: “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم”.
ومن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة حق العمل والتوظيف لتحصيل لقمة العيش والشعور الإنتاجية والاستقلالية، وقد أشار محمد محمد سكران في كتابه “تجليات الإقاعة في التراث الشعبي المصري” إلى أن الإحصائيات تكشف تدني النسبة المخصصة للمعاقين للعمل بالمؤسسات الحكومية حيث تصل إلى (5 %)، ولهذا اقترح وضع تشريع جديد يزيد من نسبة المخصصة لتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة نظراً لتزايد أعدادهم بحكم تزايد أعداد السكان.
ونعتقد أننا في غنى عن القول إن التعلُّم التعلِيم من الحقوق الأولية والأساسية للإنسان بشكل عام وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل خاص، فالخطاب القرآني الذي تضمن أول ما نزل على النبي ﷺ من القرآن الكريم لم يكن خاصاً بفئة معينة، بل كان موجهاً إلى الإنسان أياً كان شكله أو لونه أو لسانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلق : 1- 5.
ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية لا تكلف الإنسان العادي الصحيح فوق طاقته: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة :268 ، وإنما تطلب منه تنفيذ العبادات والأحكام بما يتناسب مع الإمكانيات المتوفرة لديه، وقد رفعت عنه الحرج (المشقة) في العبادات: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج :78 ، ومن هنا فإن ذوي الاحتياجات الخاصة -من باب أولى- لهم الحق في التمتع بالرخص الشرعية حتى يتمتعوا بما يتمتع به غيرهم من رُخصٍ وجمع بعض الصلوات، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
الدعم النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة
وتأكيدا على أهمية ومشروعية العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، قدم القرآن الكريم الكثير من الدعم النفسي لهذه الشريحة الأساسية في كل مجتمع، فجاءت الآيات القرآنية لتؤكد أن الابتلاء سنة كونية وله فوائده كثيرة يجنيها المؤمنون عاجلاً أم آجلاً: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة :155، قال العلامة بن القيم رحمه الله مبيناً فوائد الابتلاء: “إن ابتلاء المؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته”.
ويعد الصبر من وسائل الدعم النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، فهو علاج تربوي ضروري للإنسان بشكل عام ويعتبر من شيم المؤمنين الراضين بقضاء الله وقدره، وقد دعا القرآن الكريم المسلمين إلى الصبر في أكثر من آية ووعدهم بالجنة والحرير: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}، وأنه سيوفيهم أجورهم بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر:10، وبشرهم بالصلوات والرحمة والهدى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة : 155-156.
ولا شك أن المواقف المتعددة التي خلدها القرآن الكريم لأناس من ذوي الاحتياجات الخاصة تعد من وسائل الدعم النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تقدم نماذج خالدة تساعدهم في الصبر على الابتلاء، منها: يعقوب الذي صبر على الابتلاء في بصره، وشعيب الذي صبر على العمى، وموسى الذي صبر على عقدة اللسان، وعمر بن الجموح الذي صبر على الابتلاء بالعرج، وثابت بن قيس الذي صبر على الابتلاء بالصمم، فهذه النماذج وغيرها تشكل دعماً نفسياً حقيقياً لذوي الاحتياجات الخاصة يساعدهم على العيش براحة وطمأنينة وهدوء.