العناية بذوي الاحتياجات الخاصة والقيام بأمرهم من فروض الكفاية على أمة الإسلام ، بحيث تأثم في حال التقصير بحقوقهم . فمن أوجب واجبات الأمة حكاماً وأفراداً ومنظمات وجمعيات خيرية الاهتمام بهؤلاء الضعفاء (جسمياً) ورعايتهم ورفع الظلم عنهم ، قال صلى الله عليه وسلم { ابْغُونِى الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم } رواه أبو داود ، وروى مصعب بن سعد بن أبي وقاص أن سعداً رأى أن له فضلاً على من دونه فقال صلى الله عليه وسلم { هل تُنْصَرون وتُرْزَقون إلا بضعفائكم } رواه البخاري ، فهؤلاء من أشد الناس إخلاصاً في الدعاء ، ومن أكثرهم خشوعاً في العبادة لبعد قلوبهم عن التعلق بزخارف الدنيا ، فالضعيف غالباً إذا رأى عجزه تبرأ عن الحول والقوة واستعان بالله ، بخلاف القوي الذي كثيراً ما يغتر ويظن أنه يغلب الرجال بقوته فتعجبه نفسه .

وتكثر الشواهد الإسلامية منذ العهد النبوي على رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والاهتمام بهم :

1- جاء الصحابي عتبان بن مالك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ـ وكان ضريراً ـ فقال وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال : أين تحب أن أصلي من بيتك ، قال فأشرتُ إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا فصفَّنا فصلى ركعتين ثم سلم } رواه البخاري .

2- قصة الصحابي ابن أم مكتوم الذي نزل فيه القرآن { عنَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى } عبس 1-4 ، فقد عاتب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على اهتمامه بدعوة زعماء الشرك وتركه ابن أم مكتوم ، وروي عن انس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك إذا لقيه يقول له { أهلاً بمن عاتبني فيه ربي } . وثبت عن أنس أيضاً { أنه صلى الله عليه وسلم كان يكرم ابن أم مكتوم بعد ذلك } .

3- روي أن عبد الله بن مسعود كان على شجرة أَرَاكٍ يجتني لهم منها فهبت الريح وكشفت عن ساقيه فضحكوا ، فقال صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُدٍ } رواه الحاكم ، وهذا نهي صريح أن تُتَّخذ العيوب الخَلْقية سبباً للتندر أو التقليل من شأن أصحابها أو السخرية منهم ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } الحجرات 11 ، وقال صلى الله عليه وسلم { إن الله لا ينظر إِلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأعمالكم } رواه البخاري ، بل الأجدر بالسليم أن ينظر إلى نعمة الله تعالى عليه فيحمده ، قال صلى الله عليه وسلم { من رأى مبتلىً فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير من خلقه تفضيلاً إلا عوفي من ذلك البلاء } رواه الترمذي .

كان عبد الله قصيراً جداً بالقياس الجسدي ولكنه كان عملاقاً في مقياس العطاء والعمل ، فقد حكم العراق ، ولم يذكر أحد في سيرته أنه من ذوي الإعاقات لأن الأمة نظرت إلى علمه وعطائه وفضله ، كيف لا وهو من أساتذة القرآن الكريم في عهد النبوة وما بعده ، وأول من جهر بالقرآن الكريم في مكة المكرمة على الرغم من التعذيب الشديد .

4- جاءت السنة النبوية بما يصبر هؤلاء على أقدار الله :

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي مسلياً ومخففاً { يقول الله عز وجل من أذهبت حبيبتيْه فصبر واحتسبَ لم أَرْضَ له ثواباً دون الجنة } رواه الترمذي .

وحذر صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من تضليل الكفيف عن طريقه عبثاً وسخرية به فقال { ملعون من كَمَّهَ أعمىً عن طريق } رواه أحمد ، وأوجبت تعاليم الإسلام الحنيف عدم تجاهله ، قال صلى الله عليه وسلم { ترك السلام على الضرير خيانة } رواه الديلمي ، والحديث عند بعض العلماء أنه ينسحب على كل صور إهمال المبصر حق الكفيف كعدم إرشاده أو معاونته أو السؤال عنه .

{ أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تصرع فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك ، فقالت أصبر . ثم قالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها } رواه البخاري .

5- ومن يطالع التاريخ الإسلامي يرى كيف اهتم الخلفاء المسلمون بذوي الاحتياجات الخاصة في كل العصور :فقد أثر عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه فرض لذوي العاهات راتباً في بيت المال حمايةً لهم من ذُلِّ السؤال .

والخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز ورده في رسالة الفقيه ابن شهاب الزهري وهـو يوضح لـه مواضع السُّنة النبوية في الزكاة [ إنَّ فيها نصيباً للزَّمْنَى والمقعدين ونصيباً لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عَيلة ولا تقليباً في الأرض ] فأمر عمر بإحصـائهم وتخصيص قائد مرافق لكل كفيف ، وخادم لكل مقعد لا يقوى على أداء الصلاة وقوفاً .

والوليد بن عبد الملك أول من أنشأ لهم مشفىً خاصاً بهم ، وجعل فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق والنفقات ، وأمر بحبس المجذومين في مكان محدد لئلا يخرجوا وينشروا العدوى ، وقال لهم [ لا تسألوا الناس ] ، فقد أوقف عليهم بلداً ، وبنى مستشفى للمجذومين في ضواحي دمشق .

وهذا الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يبني مشفىً للمكفوفين ومأوى للمجذومين وملجأ للعجائز في بغداد ، إذن تأسست الملاجئ في أوائل التاريخ الإسلامي خاصة في عهد الخلافة الأموية ، لأن المسلمين كانوا يعتبرون المعتوهين معدمين وعالة على الدولة ، ولأن إصابتهم بقضاء الله وقدره فقد تحملت الدولة أعبـاء حاجاتهم وعاملتهم برفق ، وكانت تفرد بيوتاً خاصة في المستشفيات الكبرى لهؤلاء المرضى ، وكانت نوافذ أكثر الغرف مشبكة بالحديد .

وكان سلاطين العصر المملوكي يشيدون المشافي الخاصة لعلاج المعوقين والمرضى ، ويمنحونهم المال اللازم لمواجهة نفقات الحياة ، وكان جزء مقدّر من ريع الأوقاف الإسلامية يُصرف على اللقطاء واليتامى والمقعدين والعجزة والعميان والمجذومين والمسجونين ليعيشوا في الدُّور المخصّصة لهم ويجدوا فيها السّكن والغذاء واللباس والتعليم والمعالجة .

إن من أعظم صور العناية بذوي الاحتياجات الخاصة وضعهم في مكانتهم اللائقة ـ وبالأخص إن كانوا من ذوي الكفايات والمواهب والإبداعات ـ وإتاحة الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في نشاطات الحياة والمشاركة في فعالياتها اليومية بكل ميادينها ، وأن يندمجوا في مجتمعاتهم كبقية الأفراد والمواطنين ، ومن الأمثلة على ذلك

كان صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن أم مكتوم رضي الله عنه على المدينة ، فاستخلفه مرتين يصلي بهم وهو أعمى } رواه أحمد ،  وكان ابن أم مكتوم مؤذناً له صلى الله عليه وسلم وهو أعمى  رواه مسلم ، بل لقد شارك هذا الكفيف في الجهاد في سبيل الله في معركة القادسية فرزقه الله الشهادة فيها .

واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً بن جبل وهو أعرج في إحدى قدميه فأرسله قاضياً وأميراً على اليمن ، فلم تمنعه إعاقته عن تولي المناصب الرفيعة .

وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان كفيفاً ولكن ذلك لم يمنعه أن يكون حَبْرَ الأمة وعالم التفسير الأول مصداقاً لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم { اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل } صححه الحاكم ووافقه الذهبي .

ومن أشهر علماء التابعين عطاء بن أبي رباح الذي يعتبر إمام الفتوى ومرجعية كافة الفقهاء وأئمة المذاهب الفقهية في زمانه ، وقد اجتمعت فيه كثير من الإعاقات : فقد كان أسود أعور العين أشلّ اليد أعرج القدم أفطس الأنف ، فلم تمنعه هذه الحال من النبوغ .

وفي ميدان الجهاد ضرب ذوو الاحتياجات الخاصة أروع الأمثلة في التضحية والفداء ، وقصة الصحابي الجليل عمرو بن الجموح دليل على ذلك ، فقد كان أعرجاً شديد العرج ، وكان له أربعة بنون شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا ، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى أحد قال له بنوه : إن الله عز وجل قد جعل لك رخصة فلو قعدت فنحن نكفيك فقد وضع الله عنك الجهاد { فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن بنيَّ هؤلاء يمنعوني أن أخرج معك ، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال له صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد ، وقال لبنيه وما عليكم أن تدَعوه لعل الله يرزقه الشهادة ، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً } رواه البيهقي .

ويمكن حماية المجتمع من الإعاقة وتقليل نسبتها فيه بطرق كثيرة جداً ، ومن صور ذلك :

تجنب الزواج من القرابة القريبة لتفادي ولادة نسل ضعيف ، قال صلى الله عليه وسلم { تَخَيَّروا لنطفكم وانْكِحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم } رواه الحاكم ، وقال عمر بن الخطاب لآل السائب[ قد أضْوَأْتُم فانْكِحوا في النَّوابغ ] أضواتم أي ضعفتم .

وجوب الحـذر واتباع طرق السلامة للوقاية من الحوادث التي قد تسبب الإعاقة ، قال صلى الله عليه وسلم { إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها ـ أو قال فليقبض بكفه ـ أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء } رواه البخاري .

منع الأطفال المشاركة في الحروب لعدم قدرتهم على القتال ولتجنيبهم الإصابات التي قد تسبب الإعاقة ، قال ابن عمر رضي الله عنهما { عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ـ وهو ابن أربع عشرة سنة ـ فلم يُجِزْنِي ، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني } رواه البخاري ، وأوجب حمايتهم ضمن المدنيين الذين يمنع الاعتداء عليهم أثناء الحرب ، كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً قال { انطلقوا باسم الله ، لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة … } رواه أبو داود