عن عمر ناهز الـ 58 عاما، رحل المخرج حاتم علي أحد أبرز مبدعي الدراما السورية، بعد رحلة في عالم الثقافة والفن والتاريخ والإبداع الدرامي استمرت أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وخلفت أعمالا ضخمة لا تنسى، على غرار مسلسل “عُمر” بن الخطاب، و”صلاح الدين” الأيوبي و “الزير سالم” و”التغريبة الفلسطينية” و”صقر قريش” و”ملوك الطوائف”، إلى جانب أعمال مسرحية وسينمائية كثيرة.
كان حاتم علي المولود سنة 1962، قد بدأ حياته الفنية كممثل مع المخرج هيثم حقي في مسلسل دائرة النار سنة 1988، لتتوالى بعدها مشاركاته في أعمال درامية جمع من خلالها بين الأدوار التاريخية والمعاصرة. وانتقل بعدها إلى الإخراج التلفزيوني في منتصف التسعينيات، مقدما الكثير من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة وعددا من الثلاثيات والسباعيات. وقد اختار حاتم علي الهجرة إلى كندا بعد فترة عاشها بين بيروت والقاهرة، وكان خرج من دمشق بشكل نهائي منذ العام 2012.
من هو حاتم علي؟
حاتم علي (2 يونيو 1962 –29 ديسمبر 2020) هو ممثل وكاتب ومخرج ومنتج سوري. بدأ حياته بالكتابة المسرحية وكتابة النصوص الدرامية والقصص القصيرة. حاصل على إجازة في الفنون المسرحية من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق قسم التمثيل عام 1986. عضو في نقابة الفنانين السوريين. متزوج من الكاتبة السورية دلع الرحبي. فاز بالعديد من الجوائز عن أعماله التلفزيونية التي أخرجها والتي تجاوزت الـ 25 عملا.
بدأ حاتم حياته الفنية ممثلًا مع المخرج هيثم حقي في مسلسل دائرة النار 1988، ثم توالت مشاركاته في الأعمال الدرامية التي جسد شخصيات مختلفة، تتنوع بين الأدوار التاريخية والبدوية إلى الشخصيات المعاصرة بأنماط متعددة. وله لوحات كوميدية مع الفنان ياسر العظمة.
توجه إلى الإخراج التلفزيوني في منتصف التسعينات، حيث قدم عدد كبير من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة وعدد من الثلاثيات والسباعيات، وفي مرحلة متقدمة قدم مجموعة من المسلسلات الاجتماعية والتاريخية ومن أهم ما قدمه مسلسل الزير سالم والذي يُعد نقطة تحول في مسيرة هذا الفنان. كذلك الرباعية الأندلسية.
أعمال تستحضر التاريخ
أثرى حاتم علي المكتبة التلفزيونية العربية بأعمال كثيرة ذات أبعاد تاريخية عربية وإسلامية، استقطبت اهتمام ملايين المشاهدين العرب، من أبرزها مسلسل “الفصول الأربعة” وهو من أشهر الإنتاجات التلفزيونية السورية في العقود الثلاثة الماضية. وتميزت أعمال كثيرة أخرجها علي بضخامة الإنتاج، بينها خصوصا مسلسلات تاريخية تروي حقبا هامة في التاريخ العربي والإسلامي.
ولعل من أبرز هذه الأعمال “صلاح الدين الأيوبي” الذي عُرض في 2001 وتخطت شهرته حدود العالم العربي، حيث تمت دبلجته وعرضه في ماليزيا و تركيا واليمن والصومال وغيرها.
كذلك الأمر مع مسلسلي “الملك فاروق” (2007) و”عمر” (2012) اللذين استحوذا على اهتمام كبير في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
وإذا كان عمل حاتم علي قد توزّع على أنواع فنية وأدبية مختلفة، فإن الأبرز فيها هو اشتغاله على عدد كبير من الموضوعات، حيث بات لكل من المشاهدين السوريين والعرب حصته من أعماله، فقد بات اليوم مسلسل “الفصول الأربعة” وثيقة بصرية واجتماعية لدمشق بشوارعها وساحاتها، حتى أن هناك من بين اللاجئين من يقول إنه لو أراد أن يعرّف أطفاله على دمشق التي عاشها فإنه غالباً ما يعود إلى أعمال علي.
“عُمر” أضخم انتاج قطري وعربي
كذلك يحضر التاريخ في سلسلة أعمال تناولت تاريخ العرب في الأندلس في شراكة مبدعة مع الكاتب وليد سيف مثل “صقر قريش” و”ربيع قرطبة” و”ملوك الطوائف”. بالإضافة إلى عمليه الكبيرين “صلاح الدين” وكذلك مسلسل “عمر” الذي أثار جدلا كبيرا في حينه لجهة تناول غير مسبوق للخليفة عمر بن الخطاب في مسلسل تلفزيوني. ويعد مسلسل “عمر” 2012، الذي يروي سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، أضخم إنتاج عربي (أنتجته مؤسسة قطر للإعلام)، ولاقى نجاحا كبيرا في معظم البلدان العربية، وكانت تلك أول مرة يسمح فيها بتجسيد إحدى شخصيات الصحابة في الأعمال التلفزيونية.
وتميز حاتم علي في إخراج المسلسلات التاريخية من أمثال: مسلسل “صلاح الدين الأيوبي” ومسلسل “صقر قريش” الذي يعد الأول في سلسلة مسلسلات تحكي عن تاريخ المسلمين في الأندلس، إذ أعقبه مسلسلا “ربيع قرطبة” في عام 2003 ، و”ملوك الطوائف” عام 2005. ولا تتصل هذه المسلسلات الثلاثة ببعضها إلا في تغطيتها لفترات متعاقبة من التاريخ الأندلسي، وكونها جزءا من مشروع فني سمي بـ “ثلاثية الأندلس”.
في أواخر التسعينيات، عندما توجه حاتم علي إلى الإخراج، أخرج مسلسل “الزير سالم” الذي كان بمثابة نقطة تحول في مسيرته الفنية. وشارك في المسلسل كوكبة من النجوم السوريين. وقد حاول علي في هذا المسلسل تجسيد إحدى السير الخالدة في التراث الشعبي العربي عبر دراما تلفزيونية، وهي سيرة الشاعر وأحد أبطال العرب في الجاهلية: المهلهل ابن ربيعة الملقب بالزير سالم، ومغامرات فروسيته خلال حرب البسوس. التي يقال أن امرأة تدعى البسوس تسببت في اشعالها من أجل ناقة، ودامت أربعين عاما قتل فيها أبناء العمومة بعضهم البعض لأجيال متتالية.
وقد لاقى المسلسل نجاحاً كبيراً عند عرضه في عام 2000. وعلى الرغم من مرور عقدين من الزمن على عرضه، إلا أن الحديث عنه ما زال مستمرا، وقد أعلن الفنان الراحل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن مشروع إعادة إنتاج قصة الزير سالم وحرب البسوس في فيلم سينمائي.
لكن مهما اختلفت الآراء والأذواق حول الفنان السوري الراحل فإنها ستلتقي عند عمل لا يمحى من الذاكرة، وقد جعلته التغريبة السورية حاضراً على الدوام، هو مسلسل “التغريبة الفلسطينيّة” (2004)، ويرصد تفاصيل اللهجة الفلسطينية إثر نكبة العام 1948، وقد لعب المخرج نفسه أحد الأدوار المؤثرة فيه كممثل.
على صعيد كتابة السيناريو، ألّف حاتم علي فيلم زائر الليل الذي أخرجه محمد بدرخان كما كتب مسلسل القلاع الذي أخرجه مأمون البني وألّف فيلم تلفزيوني بعنوان الحصان أخرجه بنفسه وشارك في كتابة فيلم آخر الليل مع الكاتب عبد المجيد حيدر وحصل من خلاله على أول جائزة كمخرج من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون 1996.
ولم يقتصر نشاط حاتم علي على التمثيل والإخراج، بل كان له أيضا نشاطا أدبيا، إذ كتب ثلاث مسرحيات وهي “مات 3 مرات” و”البارحة – اليوم – وغدا”، و”أهل الهوى”. وألف مجموعتين قصصيتين هما: “ما حدث وما لم يحدث”، و”موت مدرس التاريخ العجوز”.
المخرج الذي غيّر وجه الدراما العربية
شكل رحيل حاتم علي، إثر إصابته بنوبة قلبية، صدمة كبيرة لدى جمهوره ومتابعي أعماله الدرامية؛ وأثار أصداءً واسعة في الأوساط الفنية وعلى منصات التواصل الاجتماعي التي امتلأت بكلمات النعي والصور والمشاهد من أعماله الدرامية.
واستحق حاتم علي ما قيل فيه من قبل العديد من المختصين الفنيين والنقاد السنمائيين، بأنه المخرج الذي غير وجه الدراما العربية عموما والدراما السورية بوجه خاص. وهو الأمر الذي جعل أحد المخرجين العرب القول “عدا المسلسلات السورية، كل المسلسلات العربية يمكن سماعها في الإذاعة”.
وقد توجت أعمال حاتم علي بعدد من الجوائز الفنية من بينها: جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة للإعلام العربي عن إخراجه لمسلسل الملك فاروق، وجائزة أفضل مخرج من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن فيلم آخر الليل 1996.وجائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن مسلسل سفر 1997، وذهبية مهرجان البحرين عن مسلسل الزير سالم 2000، وجوائز أخرى.
قالوا عنه
كتب المخرج السوري الليث حجو وهو صديق مقرب للمخرج الراحل، عبر صفحته على فيس بوك “لم يرضَ هذا العام أن ينتهي دون أن يعصر قلوبنا وأرواحنا بالحزن على فراق الأحبة”، مبديا “بالغ الحزن” على وفاة “الأستاذ والصديق والشريك حاتم علي”.
وكتب الممثل ومقدم البرامج السوري أيمن زيدان الذي تعاون مع علي خصوصا في المسلسل التاريخي “ملوك الطوائف” سنة 2005، عبر فيس بوك “يا لهذا الرحيل الموجع (..) أما سئمت أيها الموت من خطف الأحبة حاتم رحيلك أوجع من كلمات الدنيا.
كما نعى الممثل ومقدم البرامج السوري باسم ياخور المخرج الراحل، قائلا في منشور عبر فيس بوك “ترجل الفارس مبكرا عن صهوة جواده تاركا في قلوب الكثيرين غصة” و”إبداعات لن تنسى”.
وبينما وصفته نقابة الفنانين السوريين حاتم علي بأنه “من المخرجين، الذين أغنوا المكتبة العربية بالعديد من الأعمال التلفزيونية”. قال عنه الفنان السعودي ناصر القصبي، عبر “تويتر”: “..جمعتنا أيام جميلة، كان يردد دائماً بشكل عفوي وصوت مسموع يا ربي سامحني.. سامحه يا رب واغفر له بقدر ما أسعدنا بأعمال لاتزال محفورة في وجدان المشاهد العربي”.
وكتب الإعلامي والشاعر اللبناني زاهي وهبي: “خبر حزين في نهاية سنة كارثية لا تود الرحيل بغير الأسى، وداعاً حاتم علي، المبدع العربي السوري الذي ترك توقيعه يضيء الشاشة والذاكرة، رافعاً رتبة الدراما التلفزيونية”.
ونعته الفنانة السورية شكران مرتجي موظفة أسماء أشهر أعماله في النعي: “العراب رحل. ربيع قرطبة أضحى خريفاً، والزير سالم ينوح، وفصولك الأربعة في المتاهة، وقصر عابدين أغلق أبوابه. أبطالك كلهم يتامى الآن حاتم علي.. تباً لهذه الفجيعة التهمتنا ونحن جميعاً في دائرة النار.. رحمة الله عليك.. الفاتحة والدعاء”.