تلقى العالم الإسلامي نبأ وفاة الدكتور زغلول النجار في التاسع من نوفمبر 2025 م بمزيد من الأسى والترحم على أحد أبرز أعلامه الذين جمعوا بين البحث العلمي والدعوة والإبداع الفكري لأكثر من سبعة عقود. وأعلنت وفاته عبر منصاته الرسمية، لتقام صلات الجنازة في عمان ويدفن في مقبرة أم القطين، تاركا خلفه مسيرة عطاء حفرت أثرا عميقا في ميادين العلوم والدعوة.

ميلاد عالم يسكن القرآن والعلم

ولد الدكتور زغلول النجار سنة 1933 بقرية مشال في الغربية بمصر، ونشأ في بيئة علمية متدينة كان للقرآن الكريم فيها حضور تأسيسي مبكر. حفظ القرآن في سن العاشرة، واستقى من جلسات النقاش القرآني شغفه بالبحث في آيات الله والكون. انتقل إلى القاهرة وأتم فيها مراحل تعليمه و التحق عام 1951 م بكلية العلوم بجامعة القاهرة واختار تخصص الجيولوجيا بدافع الانبهار بعظمة الخلق الإلهي في طبقات الأرض وبنيتها. تخرج عام 1955 بمرتبة الشرف الأولى ونال “جائزة مصطفى بركة للعلوم”، قبل أن يغادر لاحقا إلى بريطانيا لنيل الدكتوراة من جامعة ويلز عام 1963، في زمن قياسي لم يتجاوز السنتين.

مسيرة أكاديمية رائدة

انطلقت رحلته العملية بشركة صحارى للبترول ثم المركز القومي للبحوث، وتبعها بالانتقال إلى السعودية حيث ساهم في تأسيس أقسام الجيولوجيا في الجامعات السعودية ، والكويت، كما عمل في جامعة قطر رئيسا لقسم الجيولوجيا لمدة عام واحد من 1978-1979م. واصل نشاطه الدولي كأستاذ زائر ومستشار علمي في جامعات عالمية بينها كاليفورنيا ويلز، وعمل مديرًا لجامعة الأحقاف ومستشارًا في معهد التنمية بمدينة الخبر، وأستاذا في جامعة العلوم الإسلامية بالأردن. أشرف طوال مسيرته على عشرات الرسائل العلمية، وشارك في تحرير مجلات علمية دولية.

الإعجاز العلمي في القرآن منهجًا ورسالة

ارتبطت دراسة الجيولوجيا لدى الدكتور النجار بفكرة معرفة الله عبر التأمل في الكون، ما قاده إلى تأسيس منهج علمي صارم يربط بين النص القرآني والحقائق الكونية. كان من أوائل رواد فكرة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وأرسى لها قواعد منهجية علمية دقيقة.

كان الدكتور النجار رحمه الله يشير إلى أن القرآن يحمل إشارات علمية لا تدرك إلا بتقدم المعرفة، وأن توافق النص مع المكتشفات الحديثة يعبر عن وحدة مصدر الحقيقة وكتب حول هذه الأفكار العشرات من الكتب وقدم المئات من المحاضرات التي أسهمت في شيوع مفهوم الإعجاز العلمي.

صمات خالدة في الفكر والمؤلفات

أصدر الدكتور النجار أكثر من 45 كتابا بلغات عدة (العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية) وتجاوزت بحوثه المنشورة 150 دراسة علمية، تناولت بالأساس جيولوجيا الوطن العربي وقضايا الفكر الإسلامي. من أبرز عناوين مؤلفاته:

  • قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وضوابط التعامل معه.
  • موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
  • موسوعة تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم.
  • الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم.
  • علوم الأرض في الحضارة الإسلامية.
  • قصة الخلق.
  • الظواهر الكونية في القرآن.
  • معجزة المكان والزمان.
  • قضية التخلف العلمي والتقني.
  • الإسلام والغرب.
  • نظرات في أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية.

وللدكتور زغلول النجار رحمه الله العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية ذاع صيتها في شريحة واسعة من الجمهور أبرزها “آيات بيّنات”، التي جمعت بين الدليل العقلي وروح الإيمان.

بناء الجسر بين الإيمان والعلم

اجتهد الدكتور النجار لبناء تواصل فعال بين علماء الشريعة والطبيعة، ودعا إلى تعزيز التفكير العلمي كأساس لفهم السنن الكونية، رافضا التعارض بين الدين والعلم متى أُحسن تدبر الكون. فرق بين “التفسير العلمي للنص” و”الإعجاز العلمي المبني على الحقائق القطعية”، وجعل التأمل في الكون عبادة عقلية موازية للعبادات القلبية، مؤكدا أن العلم حين يكون وسيلة للإيمان يصبح فريضة حضارية.

جوائز وتكريمات

نال الدكتور النجار تكريما واسعا من مؤسسات عربية ودولية، منها:

  • جائزة مصطفى بركة في علوم الأرض (1955).
  • وسام العلوم والآداب والفنون الذهبي.
  • جائزة رئيس جمهورية السودان.
  • الدكتوراه الفخرية من جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا (2010).
  • جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم (شخصية العام الإسلامية – 2006).

كان الدكتور زغلول النجار رحمه الله عضوا في مؤسسات دولية، وممثلا للعالم الإسلامي في مؤتمرات أوروبية وآسيوية وأمريكية، وعضوا في الأكاديمية الإسلامية للعلوم، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، ولجنة الإعجاز في الأزهر الشريف.

خاتمة

ترك الدكتور زغلول النجار خلفه إرثا شامخا من المعرفة المؤصلة، وأجيالا من الباحثين الذين نهلوا من علمه ودقته ومنهجه الإيماني. بقي حتى أيامه الأخيرة رائدا للإعجاز العلمي، وداعيا إلى أن يكون العلم عبادة والسعي فيه مسؤولية حضارية.