يعتبر الشيخ وحيد الدين خان، الذي وافته المنية أمس الأربعاء، علامة الهند ومفكرها وفيلسوفها الإسلامي الكبير، وهو أحد أعلام الفكر الإسلامي في الهند والعالم الإسلامي، جمع بين منهجي الإسلام المعرفي والمنهج العلمي والفلسفي في منظومته الفكرية الجديدة والتي كان كتاب “الإسلام يتحدى” أبرز معالمها، نفع الله به أجيالا من شباب المسلمين في القرن العشرين، بالإضافة إلى ما يقارب مئتي كتاب ترجمت لمختلف اللغات.

تميز وحيد الدين خان في مقارعة الإلحاد، ودراسة العلاقة بين العلم والإيمان. حيث جمع بين المنهج الإسلامي والمنهج العلمي والفلسفي، وبهذا المنهج كان يحاور الملحدين واللادينيين في العديد من مؤلفاته، التي تتميز بأنها تجمع بين البساطة والعمق وبالتالي تناسب مختلف أنواع القراء. فعندما رأى خان أن آفة العصر هي الإلحاد كتب:(القضية الكبرى) و(الإسلام يتحدى) بالإضافة إلى أحد أهم كتبه “من نحن”؟

توفي المفكر الإسلامي وحيد الدين خان في العاصمة الهندية نيودلهي، الأربعاء 21 أبريل 2021، عن 96 عاما، تاركا خلفه مكتبة علمية كبيرة، بعد أن وهب حياته كلَها لنشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، والفكر الإسلامي الصحيح، وبعد أن خلف ثروة فكرية علمية هائلة باللغة الأردية والهندية والإنكليزية. فمن هو هذا المفكر الفذ؟

مولده و منهجه العلمي

ولد وحيد الدين خان في أول يناير سنة 1925 في مدينة أعظم كره بالهند وتعلم في جامعة الإصلاح العربية الإسلامية، وبدأ وحيد الدين يقدم حصيلة فكره بعد دراسات عميقة، وفي البدء انتظم في سلك لجنة التآلف التابعة للجماعة الإسلامية بالهند وعمل سنوات معدودة، ثم أمضى ثلاث سنوات مكبًا على التآلف في المجمع الإسلامي العلمي التابع لندوة العلماء بلكناؤ، ثم شغل رئيس تحرير الجمعية الأسبوعية في دلهي 1967 لمدة سبع سنوات حتى أغلقت المجلة من قبل السلطات، وفي أكتوبر سنة 1976 أصدر لأول مرة ومستقلاً عن كل الهيئات مجلة الرسالة، ودأبت هذه المجلة الشهرية على الصدور حتى الآن ونالت حظًا كبيرًا من النجاح والقبول.

يقول الدكتور محمد عمارة عن خان: “لقد وهب حياته كلها للدعوة الإسلامية، وتخصص في إقامة الأدلة العلمية على الإيمان الديني، فبلور علم كلام جديدًا مناسبًا لعصر العلم، خاليًا من جدل الفرق الإسلامية القديمة، ومتجردًا من محاكاة الفلسفة الإغريقية القديمة، ولقد أعانته ثقافته العلمية الواسعة على أن يقدم في هذا الميدان أعمالاً فذة غير مسبوقة، وكانت باكورة أعماله الفكرية سنة 1950 كتابه (على باب قرن جديد)”.

الإسلام يتحدى

للراحل وحيد الدين خان عشرات الكتب، وكتب بعضها باللغة العربية وبعضها الآخر بالإنجليزية، فضلا عن مؤلفاته التي تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات. ويعد كتاب “الإسلام يتحدى” أشهر ما ألفه .

ويرى الكثير من المثقفين أن كتبه عمومًا وكتابه “الإسلام يتحدى” خصوصًا، كان له أكبر الأثر على الملايين الذين اطلعوا عليه، فهو نجح بأسلوب ساحر في أن يثبت وجود الله سبحانه وتعالى عبر قوانين الإحصاء والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء، والغريب أن وحيد الدين خان استند إلى بعض أبحاث ونظريات اللادينيين والملحدين العلمية وقلبها بأسلوب علمي لصالح إثبات وجود الله. فقد جمع وحيد الدين خان بين المنهج الإسلامي والمنهج العلمي والفلسفي، وبرز بمحاورة الملحدين واللادينيين في مؤلفاته.

كتاب “الإسلام يتحدى” يُعتبر من أفضل ما أُلِّفَ في الفِكر الإسلامي في هذا العصر، وقد تمت ترجمته في عدة لغات عالمية، وكان له أكبر الأثر على الملايين الذين اطَّلعوا عليه منذ صدوره، فهو من خلال هذا الكتاب الفذّ نجح بأسلوب ساحر في إثبات وجود الله  – للمُلحدِين – عبر قوانين الإحصاء والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء، كذلك فهو من خلال هذا الكتاب – كما يقول المفكِّر الإسلامي الأستاذ محمَّد عمارة – “قد لفت الأنظار إلى إسهام الإسلام فى النهضة الأوروبية الحديثة، عندما أسقط الكهانةُ والثيوقراطية والحكم بالحقّ الإلهي، ففتح أمام أوروبا الحديثة أبوابَ الديمقراطية الليبرالية، وعندما قدَّم مبدأ تسخير الطبيعة للإنسان، بديلاً عن تقديس الطبيعة، ففتح أمام العقل الأوروبي أبواب العِلم التجريبيّ، الذى كانت تحرِّمه وتجرِّمه الكهانة الكنسية لزعمها أنّ العالم دَنِسٌ، لا يجوز التجريب فيه! كما كان العقل الإغريقي التأمُّلي يترفع عنه لأنه – كالعمل اليدوي – خاصّ بالعبيد”.

مؤلفاته

تتجاوز مؤلفات وحيد الدين خان 200 كتاب بالإنجليزية والأوردية والهندية، وتُرجمت كتبه إلى العديد من اللغات،  وترجم ابنه ظفر الإسلام خان إلى العربية قرابة 40 كتابا من كتبه. ومن بين مؤلفاته ما يلي:

  • الإسلام يتحدى
  • الدين فى مواجهة العلم
  • رسول السلام.. تعاليم النبي محمد
  • الجهاد والسلام والعلاقات المجتمعية في الإسلام
  • أيديولوجيا السلام
  • حاضرنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام
  • قضية البعث الإسلامي
  • حكمة الدين
  • الإنسان القرآني
  • شرح مشكاة المصابيح
  • يوميات الهند وباكستان  

كان وحيد خان من أبرز علماء المسلمين في شبه القارة الهندية، ومن طليعة الكُتاب والمؤلفين والمفكرين الإسلاميين المعاصرين في العالم الإسلامي ، فقد أثرى المكتبة الإسلامية المعاصرةَ بمؤلَّفاته القيّمة النافعة المتميزة في الفكر والدعوة، والتي كلها تُعطي فهما جيدا عميقا للإسلام، وثقة كاملة للاعتماد عليه في جميع الأحوال والأوضاع.لاوكان لمؤلَّفاته دورٌ كبير في تعريف الإسلام وخصائصه للطبقات المثقَّفة من المسلمين وغيرهم في الهند وخارجها.

تأسيس المركز الإسلامي في نيودلهي

عام 1970 أسس وحيد الدين خان المركز الإسلامي في نيودلهي، والذي عمل على إصدار مجلة “الرسالة” بالأردية عام 1976، ثم بالإنجليزية والهندية أعوام 1984 و1990 وذلك لنشر فكره ورؤيته عن روح السلام في الإسلام والمسؤولية الاجتماعية للمسلمين وللترويج للفكر والعمل الإيجابي، وفي عام 1992 وعندما واجه المجتمع الهندي حالة انقسام ديني حادة بسبب أزمة المسجد البابري شعر بضرورة أن يقنع الناس بالحاجة إلى استعادة السلام والوئام من أجل أن تسير البلاد مرة أخرى على طريق التقدم.

ومن ثم شرع في “مسيرة سلام” مع قيادات الطوائف الهندية جابت 35 منطقة هندية، كما دعا إلى لقاءات تجمع القادة الدينيين في البلاد من أجل نشر السلام والمحبة والانسجام، كما عمل على إعداد تلاميذ كسفراء للسلام ليس في الهند وحدها ولكن في العالم أجمع.

يقول الدكتور محمد عمارة: “ولقد لفت وحيد الدين خان الأنظار إلى إسهام الإسلام فى النهضة الأوروبية الحديثة، عندما أسقط الكهانة والثيوقراطية والحكم بالحق الإلهي، ففتح أمام أوروبا الحديثة أبواب الديمقراطية الليبرالية، وعندما قدم مبدأ تسخير الطبيعة للإنسان، بديلاً عن تقديس الطبيعة، ففتح أمام العقل الأوروبى أبواب العلم التجريبي، الذى كانت تحرِّمه وتجرِّمه الكهانة الكنسية لزعمها أن العالم دنس، لا يجوز التجريب فيه! كما كان العقل الإغريقى التأملى يترفع عنه لأنه – كالعمل اليدوي – خاص بالعبيد”.

وحيد الدين خان والمودودي

تأثر وحيد الدين خان كثيرا بأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي في أول نشأته ثم خالفهما و ناقش علميا وفكريا إيديولوجيات المودودي في العديد من كتبه. ولعل من الأسئلة المحيرة: لماذا اهتمت الساحة الفكرية العربية اهتماما كبيرا بإنتاج المفكر الإسلامي الهندي، أبو الأعلى المودودي، بينما تجاهلت فكر وحيد الدين خان، مع أنه أحد أهم رموز الإصلاح والإحياء الديني المعاصرين؟

نجح خان في إحراز إنجازات كبيرة في محاورة الملحدين، وربما كانت مؤلفاته في هذا المجال مثل “الإسلام يتحدى”، و”الماركسية في الميزان”، وغيرهما، عرّفته للقارئ العربي، فاشتهر عربيا بكونه المفكر، الذي يتصدى بالردود العلمية والعقلانية على اللادينيين، علاوة على تصديه لتصحيح أطروحات المودودي وسيد قطب.

وحيد الدين خان سجّل تجاربه في نقد كتابات المودودي، في العام 1961، وأرسلها إليه، لكن المودودي، الذي قال عن نفسه إنه حامل لواء الخلافة وحرية التعبير، بحسب زعمه، بدلا من تشجيعه وشكره، نهره ولم يرد عليه، بل تطاول عليه ووبخه قائلا “إن دراستك ناقصة جدا، وبلية على بلية، وإنك تتكلم من مقام عال، وأنا لا أرد على من تزعم هذا الزعم مع قلة علمه”.

وعلى العموم، فإن المفكر وحيد خان هو أحد المفكرين المسلمين القلائل الذين تمكنوا من استيعاب ثقافة العصر، وربما وصل اطلاعه على الفكر المعاصر درجة لم يصلها مفكر مسلم من قبله. وفي نفس الوقت فهو متمكن من العلوم والدراسات الإسلامية في أدق خفاياها وكما جاء في وصفه في مجلة “الأمة” القطرية (ذو القعدة 1405هـ). :”وحيد الدين خان أحد المفكرين المسلمين القلائل الذين جمعوا بين ثقافة العصر في أعمق ظواهرها وأعقد تشعبانها، وبين ثقافة الإسلام الخالدة في أدق خصائصها وأشمل معطياتها وهي ميزة قلما وجدت بين مثقفي هذا العصر”.