في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين وصلت نسبة الطلاق في ماليزيا نحو 32%، وهو ما اعتبرته الحكومة الماليزية آنذاك مؤشر خطر على خطط النهضة والتنمية في البلاد، فقررت تطبيق فكرة “رخصة الزواج” كحل لتكوين ثقافة زوجية علمية لدى الشباب والفتيات المقبلين على الزواج.
الفكرة قامت على أن كل متقدم للزواج لابد أن يقدم للقاضي الشرعي شهادة من وزارة الشئون الاجتماعية تفيد بأنه حصل على دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محددة مثل: أهداف الأسرة، والتخطيط للحياة الزوجية، وفهم نفسية الزوج أو الزوجة، وطرق زيادة حب كل طرف للطرف الآخر، وإدارة المشكلات الأسرية، والمسئوليات، والميزانية… إلخ.
بعد عشرة أعوام من تطبيق التجربة انخفضت نسبة الطلاق إلى نحو 7% فقط، ولعل هذا ما دفع دوائر شرعية واجتماعية في بعض الدول العربية إلى التفكير جديا في تطبيق نفس التجربة في ظل ارتفاع حاد في نسبة الطلاق وخصوصا بين المتزوجين حديثا.
نية حسنة + ثقافة أسرية = أسرة سعيدة
وقد زادت أعداد مراكز الإرشاد الأسري ولجان التوعية التابعة للجمعيات النسائية التي أطلقت عددا من البرامج والدورات لإنقاذ الزيجات من الوقوع في هاوية الطلاق والتصدع الأسري تهدف إلى تمكين الفتيات والشباب المقبلين على الزواج وحديثي الزواج من التعامل مع الحياة الزوجية بمهارات عالية.
عدة مراكز البحرينية برزت بشكل واضح في مجال تقديم دورات التوعية للأزواج أو المقبلين على الزواج، من خلال تقديم دورات عديدة إحداها حملت عنوان: “7 خطوات لأسرة سعيدة”، تم تقديمها في مدن عديدة سعيا إلى التأكيد على المعادلة التالية: نية حسنة + ثقافة أسرية = أسرة سعيدة، وعكسها: نية سيئة + أمية أسرية = بيت العنكبوت.
طرحت هذه الدورات على المشاركين والمشاركات فكرة (رخصة الزواج) كخيار مضمون للأسرة السعيدة، وكحل في الوقت نفسه لوقف نسبة الطلاق المتزايدة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية.
7 خطوات لأسرة سعيدة
وفي إطار من الحوار والتمارين والقصص المؤثرة تذكر الدورة خطوات سبع للأسرة السعيدة، وهي:
الخطوة الأولى: لماذا سأتزوج؟
وشددت على أن الزواج وتكوين أسرة بمثابة حاجة إنسانية، ويحقق الاستقرار والسعادة إذا نبع القرار به من الزوج أو الزوجة، وأن تكون الصفات المطلوبة متحققة في الطرف الآخر.
الخطوة الثانية: التثقيف الأسري
من خلال تعلم الحب والتواصل والواجبات والمسئوليات؛ على اعتبار أن الزواج ليس أقل من عقد العمل الذي يستفسر صاحبه عن كل صغيرة وكبيرة فيه.
الخطوة الثالثة: المسئولية
وتتم في أجواء يكون فيها الشريكان متفاهمين ومتحابين، وليست في إطار علاقة الضابط والجندي.
الخطوة الرابعة: الفهم المتبادل
ويكون بفهم صفات طرف للطرف الآخر، والتعرف على سمات الرجل والمرأة عموما حيث يميل الرجل إلى الحديث عن عمله، والتعبير عن عواطفه عمليا، بينما تميل المرأة إلى العاطفة وكلمات الحب.
الخطوة الخامسة: الكرم في الزواج
هل أنت كريم في العاطفة والإنفاق وقضاء الوقت مع الزوج أو الزوجة؟
الخطوة السادسة: حاور ولا تصادر
حيث تؤكد الإحصاءات أن 92% من المشكلات الأسرية تعود لغياب الحوار وإلغاء طرف للآخر، مشيرة إلى أن البيوت السعيدة لا تخلو من المشكلات مثل البيوت المتصدعة، ولكن الفارق بينهما هو اكتمال شروط الحوار الناجح.
الخطوة السابعة: كن مستقيما
لأنه ما فرق الله بين اثنين متحابين إلا لذنب اقترفه أحدهما أو كلاهما، وكلما زادت الاستقامة الزوجية زاد الحب، وتعمقت السعادة الأسرية للأبوين والأبناء.
الإلزام ليس ترفا
لكن يظل السؤال المطروح على هذه الجمعيات النسائية هو: هل يمكن التقدم بمشروع قانون يتضمن إلزام المقبلين والمقبلات على الزواج بالحصول على دورات بالتعاون مع وزارات الشئون الاجتماعية حول الأسرة والحياة الزوجية وتربية الأولاد مثلا، بحيث يجب التقدم بشهادة الحصول عليها كرخصة للزواج؟ وهل توافق تلك الجمعيات على إدخال تعديل في وثيقة الزواج بإلزامية الحصول على تلك الدورات وتقديمها للقضاء الشرعي، أسوة بما حدث مع الكشف الطبي على سبيل المثال؟
الحقيقة أن إلزامية الحصول على دورات أو دبلومات معتمدة يعد جزءا من التأهيل للشباب قبل الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الحياة، فنحن نرى كثيرا من البرامج تعد لتأهيل طلبة المدارس لدخول الجامعة، أو الإعداد لمرحلة العمل والوظيفة، لكن الزواج يعتبر تحصيل حاصل عند الأهل والشباب أنفسهم لأنه أمر لابد منه!”.
وتنبع أهمية الدورات أو الدبلومات من الأسباب التالية:
أولا: أن الشباب في الغالب يستمدون ثقافتهم من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وهي بعيدة عن ثقافتنا المجتمعية أو غير واقعية فلا تصبح ملائمة لأن تكون معيارا.
ثانيا: يعتمد الآباء في تثقيف أبنائهم على أن تكون الأسرة نفسها هي المعيار فقط، وهذا أيضا لا يناسب الأبناء، لأنهم خلقوا لزمان غير زمان الآباء، واهتماماتهم وطريقة تفكيرهم مختلفة.
ثالثا: التحديات التي يواجهها الشباب كثيرة مثل ثقافة الاستهلاك، والجري خلف الكسب المادي السريع، والاختلاط بالأجناس المختلفة في المجتمع؛ مما يعني أن الأسرة لم تعد النواة ويتأخر ترتيبها في سلم الأولويات.
رابعا: ضعف الالتزام الديني، فلم يعد تراعى توجيهات الدين في تأسيس أسرة سليمة ومتماسكة.
خامسا: ضعف الثقافة الدينية التي تختلط فيها الموروثات الاجتماعية مع الأمور الدينية؛ فتصبح الأعراف المجتمعية هي مقياس الحلال والحرام وليس القرآن الكريم.
أما فيما يتعلق بإدخال تعديل في وثيقة الزواج بإلزامية الحصول على هذه الدورات وتقديمها للقضاء الشرعي، أسوة بما حدث مع الكشف الطبي مثلا، فهذا الأمر من شأنه أن يجبر الشباب على الاطلاع والوعي، وعلى أقل تقدير فهو جزء من المسئولية المجتمعية، فمثلا الفحص الطبي إجباري ولكنه غير ملزم ولكنه يطلع حديثي الزواج بتبعات الاختيار؛ فلا أحد يقول: (لم أكن أعلم!)، وكذلك دورات الإرشاد الأسري والزوجي فهي تساهم في غرس المعرفة في بداية الأمر، ثم تتطور إلى ضرورة العمل بها، ونعتقد أن هذه الدورات تساهم في تعزيز مبدأ الوقاية خير من العلاج”.
مهمة جماعية
إن التقدم بمشروع قانون أو إجراء تعديل برخصة الزواج يتضمن الحصول على دورات أو دبلومات معتمدة هو مسئولية الجمعيات والاتحادات النسائية بالدرجة الأولى، نظرا لأن دور معظم هذه الجمعيات يركز على التوعية، وتقديم الدعم النفسي للنساء المتزوجات، ولم يتطور حتى الآن لكي يتقدم بمشروعات قوانين حول الأسرة، خاصة في مرحلة قبل الزواج.
إذا قامت الاتحادات النسائية، بعرض مرئياتها بهذا الشأن على مجلس النواب مثلا أو الجهات المختصة، فإن الأمر سيتطور أكثر ليس فقط في إطار إعطاء المقبلين والمقبلات على الزواج دورات مكثفة، لأن الدبلومات تتطلب وقتا أطول وامتحانات… إلخ، وإنما أيضا هذه الدورات لا تتوقف حتى بعد الزواج، حيث نقوم بتوعية النساء بأسس الحياة الزوجية وتربية الأبناء، وتعالج بعض حالات العنف الأسري، وتوعي الزوجة التي تتعرض للعنف بجميع الطرق التي تلجأ إليها لحماية نفسها وأبنائها.
رخصة الزواج أولوية مستقبلية
تؤكد العديد من المختصات في مجالات الأسرة أن مسألة الحصول على دورات أو تعديل وثيقة الزواج، يجب أن يظل أولوية للجمعيات النسائية في على اعتبار أن مشروع قانون كهذا سيكون دوره وقائيا على عكس القوانين الموجودة والتي تعالج المشكلات بعد وقوعها.
وقد ناضلت الكثير من السيدات منذ الثمانينيات من أجل إصدار قوانين لأحكام الأسرة على اعتبار أنها تمثل جانبا هاما فيما يتعلق بحل مشكلات الأسرة العربية، سواء من خلال تقديم الاستشارات القانونية للمتضررات ورفع قضايا للحالات التي تحتاج لذلك، أو بزيادة دورات التوعية للمقبلين على الزواج أو المتزوجين بالفعل، خصوصا بعد ملاحظة أن نسبة الطلاق قد زادت بين المتزوجين حديثا، كما تقوم بتنظيم ورش تدريبية تهدف إلى إعداد مدربين يتولون التدريب على نصوص ومواد قانون أحكام الأسرة الذي يتضمن حقوق كل طرف وعقد الزواج وشروطه والطلاق والحضانة والنفقة… إلخ.
ويبدو أن فكرة رخصة الزواج أصبحت فكرة ملحة في الوقت الراهن في ظل تزايد نسب الطلاق والمشكلات الأسرية، ومن الضروري دراسة مثل هذه الأفكار سواء من خلال التقدم بمشروع قانون، أو تعديل وثيقة الزواج، بالتزامن مع إدخال مقررات تعليمية لختام المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية عن الزواج والأسرة.
حمدي عبد العزيز5>