شهر رمضان هو أفضل الشهور عند الله فيه نزل القرآن، وفيه نصر الله المسلمين على عدوهم في بدر والقادسية وعين جالوت وفتحت فيه مكة ومن بعدها الأندلس، ولهذا الشهر من الفضائل والأحكام والمقاصد ما جعل علماء المسلمين يتجهون إلى إفراده بالتأليف والتصنيف إما جمعا للأحاديث والآثار الواردة فيه، أو بيانا لفضله أو مقاصده، أو توضيحا لمسائله المختلف فيها من مثل: كيفية ثبوت الهلال، وعدد ركعات القيام، وكيفية تحديد ليلة القدر، وجواز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وما إلى ذلك من مسائل. وقد تكونت من هذه المؤلفات مكتبة تراثية ضخمة يتعذر إحصاؤها إما لأن بعضها يندرج في عداد المفقود وخصوصا ما كتب خلال عصر التدوين، وإما لأن شهر رمضان ومسائله مبثوثة في الكتب الإسلامية الأخرى ككتب الفقه والرقائق والهيئة والمواقيت إلى جوار المصنفات المفردة في ذلك.
وفي السطور التالية نحاول التعريف بطائفة من المصنفات المتعلقة بالشهر الكريم وفق المعايير الآتية:
- أن تكون ذات تعلق مباشر برمضان؛ وهو ما يعني استبعاد الكتب العامة رغم أهميتها.
- الاقتصار على الكتب التراثية، حيث نرصد الكتابات الإسلامية منذ عصر التدوين حتى القرن الثالث عشر الهجري تقريبا.
- الالتزام بالتقسيم الموضوعي، ذلك أنه بالنظر في المصنفات وجدناها تندرج ضمن موضوعات بعينها هي: رؤية الهلال، والصيام، وفضائل شهر رمضان، والقيام والتراويح، وليلة القدر، والاعتكاف، وسنعرض لكل منها على حدة، مع مراعاة الترتيب التاريخي حيث نبدأ من المصنفات الأقدم إلى الأحدث.
أولا: رؤية الهلال
وهي مصنفات تتناول كيفية رؤية الهلال وأحكامه وما يتعلق به، ومن بينها (إيجاب الصيام ليلة الإغمام) للقاضي أبي يعلى الفراء (ت: 458ه) ذكره ولده أبو الحسين في الطبقات، و(حكم إغمام هلال رمضان) لابن القيم (ت: 751ه) ذكره ابن رجب في “الذيل”، و(خلاصة الأقوال في معرفة الوقت ورؤية الهلال) و(المنهل العذب الزلال في حل التقويم ورؤية الهلال) وكلاهما لأحمد بن رجب بن طيبغا المجدي (ت: 850ه)، وهو فلكي من أهل القاهرة له مساهمات فلكية قيمة، ومنظومة (رصف اللآل، في وصف الهلال) للإمام جلال الدين السيوطي (ت: 911ه) وهي قصيدة شعرية من وضع صلاح الدين الصفدي ضم إليها السيوطي بضعة أشعار أخرى، ورسالة (براعة الاستهلال) لواضعها عبد الرحمن بن عيسى بن مرشد العمري (ت: 1037) وهو مخطوط اخترع فيه طريقة يستخرج منها غرة الهلال من سني الهجرة على مر العصور، ورتبه على: ثلاثة أبواب، وخاتمة، ومنها (مُلحة لطيفة ومنحة شريفة في كيفية إثبات شهر الصيام) لابن الجوهري (ت: 1215ه).
ثانيا: الصيام أحكامه وآدابه
وهي مصنفات تتناول كل ما يتعلق بالصوم من أحاديث وآثار وأحكام ومقاصد، ومنها كتاب (الصيام) لأبي يوسف القاضي (ت: 182ه) جمع فيه الأحاديث الواردة في الصيام، وهو مفقود وذكره ابن النديم في الفهرست، وكتاب (الصيام) للحسين المروزي (ت: 246هـ) وهو كتاب حديثي جمع فيه مؤلفه الأحاديث الواردة في الصيام، ذكره حاجي خليفة في (كشف الظنون) وهو مفقود، وكتاب (تحرير أحكام الصيام) لأبي الحسن بن عبد الرحمن البغدادي (ت: 518 ه) وهو مفقود ذكره صاحب هدية العارفين، و( تحصيل المرام، في تفضيل الصلاة على الصيام ) لمحمد بن طلحة النصيبي (ت:652ه) وهو مخطوط وسبب تأليفه أنه جرت في مجلس السلطان الناصر الصلاحي مناقشة بين تفضيل العبادتين صلاة وصوما واستمر الجدل فترة واحتاج إلى استشارة عالم ليحسمه، ومنها (مقاصد الصوم) للعز بن عبد السلام (ت:660ه) وهو مطبوع ويقع في عشرة فصول، ومنها (حفظ الصيام عن فوت التمام) للشيخ تقي الدين السبكي (ت:756ه) وهو يدور حول الصائم إذا صدر منه ما يفسد الصوم من شتم أو غيبة هل يزول ما حصل لصومه من النقص، وقد جعله في ثلاث مسائل. ومنها (إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام) لأحمد بن حجر الهيتمي (ت: 974) وهو منشور ويقع في أربعة أبواب، الأول في فضائل الصوم، والثاني في أحكام الصيام ومتعلقاته، والثالث في القضاء والفدية، والرابع في حكم صوم غير رمضان، ومنها (مناهج الكلام على آيات الصيام) للسحيمي (ت: 1178ه) وهو مخطوط ضمن المكتبة الأزهرية.
ثالثا: فضائل رمضان
ويندرج تحتها كتب ورسائل كثيرة إذ أولع المسلمون بذكر فضائل الأيام والشهور والبلدان، وهناك جملة منها ورد في شهر رمضان، ومنها (فضل رمضان) لابن أبي الدنيا 281هـ جمع فيه الأحاديثَ والآثار الواردة في خصائص شهر رمضان وفضائله، وبلغ عددها ثلاثة وستين حديثًا، وهو منشور، وكتاب (فضائل شهر رمضان) لابن شاهين (ت: 385ه) ويقع في أربعة أبواب جمع في كل منها الأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع كل باب، وهو منشور كذلك، و(كتاب الفضائل) أي: فضائل شهر رمضان لأبي مختار بن محمود الزاهدي (ت:658ه) ذكر فيه أنه أحصى فضائل رمضان فوجدها عشرا، ومنظومة في (فضائل رمضان) لأبي الإرشاد الأجهوري (ت: 1066 ه) وتقع في 266 بيتا، ووضع إبراهيم السقا (ت: 1299 ه) حاشية عليها.
رابعا: التراويح والقيام
وهذه الكتب تشكل نسبة يعتد بها من المصنفات حول رمضان، ومن أمثلتها (قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي) وهو من الكتب المفقودة التي صنفت في القرن الثالث ولا يعلم عنها شيء ولم نسمع به إلا من المؤرخ المقريزي، و(الاختلاف والترجيح الواردة في صلاة التراويح) للإمام الصدر الشهيد (ت: 536ه) وهو مخطوط، و(إشراق المصابيح في صلاة التراويح) لتقي الدين السبكي وهي رسالة قصيرة في حكم صلاة التراويح واجتماع الناس لها، وهي في ثلاثة فصول، وقد ألف السبكي في موضوع الرسالة مصنفًا كبيرًا آخر يسمى (ضوء المصابيح في صلاة التراويح) فصل فيه الخلافَ بشأن صلاة التراويح، مع بيان أدلة كل فريق، والترجيح بينها فقهيًّا وكلاهما مطبوع، و(المصابيح في صلاة التراويح) لجلال الدين السيوطي ( ت: 911ه) وهي رسالة قصيرة أجاب فيها عن سؤال “هل صلى النبي التراويح، وهي العشرون ركعة المعهودة الآن”، و (إقامة البرهان على كمية التراويح في رمضان) لأبي الضياء الغيثي الشافعي (ت 975هـ) وهو مخطوط لم يطبع.
خامسا: ليلة القدر
وفيها عدد من الرسائل نذكر منها (شرح الصدر بذكر ليلة القدر) لأبي زرعة (ت: 820ه) وهي رسالة جمعت كل الأقوال التي قيلت في ليلة القدر ودليل كل قول، وأتت على العلامات الدالة عليها، وقد طبعت للمرة الأولى ضمن مجموعة الرسائل المنيرية وطبعت مستقلة بعد ذلك، و(مسألتان في ليلة القدر وكيفية الوحي) وكلاهما للإمام السيوطي (ت: 911 ه)، و(المقصد السامي القدر فيما يدعو به الداعي ليلة القدر) لشمس الدين محمد البكري (ت: 952ه) وهي مخطوطة طويلة تبلغ حوالي 130 صفحة لم تطبع، و(تبيين القدر لليلة القدر) لشمس الدين محمد بن علي بن طولون الصالحي (ت 953 هـ) طبعها الأستاذ محمد خير رمضان يوسف مع رسالتين أخرتين، ومنها (شرف البدر بضياء ليلة القدر) للإمام بدر الدين القرافي ألفها عام 987 ه، جمع فيها أقوال أهل التفسير في سورة القدر ورتبها على سبعة أوجه، كما ذكر صاحب (كشف الظنون)، و(انشراح الصدر في بيان ليلة القدر) لمحمد الأمير الكبير 1232ه، وهي مخطوطة لم تطبع ضمن مخطوطات المكتبة الأزهرية، وهي تفسير وضعه لسورة القدر أشار فيه إلى مكانة هذه الليلة وفضائلها، وهذه الرسائل وغيرها كثير، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عظم ليلة القدر عند علماء المسلمين.
سادسا: الاعتكاف
ومن مصنفاته (قدر الإمكان في حديث الاعتكاف) لتقي الدين السبكي (ت: 756) رد عليه ولده تاج الدين عبد الوهاب وسماه (تشحيذ الأذهان) ذكره حاجي خليفة، ورسالة (القدر المسنون من الاعتكاف) لمحمد بن حمزة الايديني العثماني (ت: 1116ه) وهي مخطوطة، و(تحفة الراكع الساجد في جواز الاعتكاف في فناء المساجد) لعبد الغني النابلسي (ت: 1143ه)، و(الإنصاف في حكم الاعتكاف) لمحمد عبد الحي اللكنوي (ت: 1302 ه)، ورسالة (فضل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان) لمصطفى بن حسين الداغي (ق:13ه) ذكر في “خزانة المخطوطات.
وبالنظر في هذه القائمة من المصنفات يتبين أن علماء المسلمين تناولوا في مصنفاتهم كل ما يتعلق بهذا الشهر وما يتفرع عنه من مسائل فرعية وقضايا فليس هناك قضية لم يطرقوها، كما كانت كتاباتهم منوعة من مداخل واقترابات مختلفة فيها الفقهي والحديثي والمقاصدي وما يدخل ضمن الرقائق، من جانب آخر يسترعي الانتباه كون هذه المصنفات تتراوح بين: المطبوع والمخطوط والمفقود، وأما المطبوع فهو كما نلحظ لم يتجاوز النصف وهو ما يعني أن هناك حاجة لتحقيق ونشر ما هو مخطوط، وأما المفقود فهو كثير وخصوصا من القرون الأولى وهذه الكتب كانت موجودة حتى القرن السابع أو الثامن فذكر الذهبي بعضا منها وكذلك المقريزي، ولعلها فقدت في مرحلة الاضطرابات السياسية التي أعقبت الاجتياح المغولي لبغداد.