تعد نيجيريا من كبريات الدول التي بها عدد كبير من المسلمين في العالم حيث يتجاوز 120 مليون، وقد دخلها الإسلام في وقت مبكر جدا. ولشهر رمضان في نيجيريا مذاق خاص، كما أن تقاليدها متميزة وفيها خصوصية عن غيرها من الدول.. وقد التقت “إسلام أون لاين” مجموعة من طلاب نيجيريا المبتعثين للدراسة بالأزهر الشريف لتتعرف منهم على رمضان بالنكهة النيجيرية.
يذكر أن عدد سكان نيجيريا يبلغ حوالي 180 مليون نسمة ويشكل المسلمون ما يزيد عن نصف سكان نيجيريا ويتمركزون في ولايات الجزء الشمالي من البلاد ويمثلون حوالي 90% منه أما في الجنوب فيمثلون حوالي 50% ، وهناك محاولات لتقليل عدد المسلمين عن طريق النشاط التنصيري.
احتفالات القدوم
في البداية يوضح آدم عبد الله ، الطالب بجامعة الأزهر ، والذي كرمته الرابطة العالمية لخريجي الأزهر لحفظه القرآن كاملا بالقراءات كيفية استقبال المسلمين في نيجيريا لرمضان فيقول : بمجرد ثبوت الهلال تتجمع أعداد كبيرة من المسلمين في احتفالات كبيرة تطوف شوارع المدن الرئيسة يحملون الطبول ويقومون بترديد الأغاني ابتهاجًا بقدوم شهر الصيام ، ونعتمد في ثبوت رؤية هلال رمضان على رؤيتنا الخاصة فلا نتبع أو نقلد أي دولة أخرى بل لابد من رؤيته بالعين المجردة من الجهات الموثوق بها.
عن وجود موائد رمضانية في المساجد كما هو الحال في كثير من الدول العربية والإسلامية يشير آدم عبد الله، إلي أن الموائد الرمضانية موجودة ولكن ليست داخل المساجد إنما أمامها أو بجوارها حيث تتناول الأسر المتجاورة وجبات الإفطار معًا بعد أن يتم تجميع كل أواني الطعام من البيوت وبعد أن يؤدي الجميع صلاة المغرب جماعة يتوجهون إليها وهناك موائد للرجال وأخري للنساء والأطفال ، كما ينتشر لدينا عادة تبادل أطباق الطعام بين الأسر المتجاورة
يستعرض عبد الله آدم ، أشهر الأكلات الرمضانية في بلاده قائلا : لدينا أكلات عديدة أشهرها ما يشبه ” العصيدة ” التي يتناولها العرب وتحمل نفس الاسم وتصنع من اللحم وكذلك ” الدويا ” وهي تحضر من اللحم والأرز والقمح وإلى جانبها السلطة وتسمي ” أذنجي” ومن الأكلات المشهورة في وجبة السحور ” التو ” وهي عبارة عن صلصة الأرز والخضار وكذلك وجبة ” ساري ” وبعدها يتم تناول اللبن والشاي..
ويتابع: بوجه عام نكثر من الأطباق المحتوية على البقول والنشويات واللحم بكل أنواعه وخاصة الأسماك ، وفي جنوب نيجيريا لا يفطرون عادة خارج المنزل، ولديهم أكلات مفضلة أهمها “إيكومومو ” وهى مصنوعة من الذرة المطحونة وكذلك وجبة “أولي لي ” والطريف أنهم يفطرون أمام البيت حتى يستضيفوا عابر الطريق وابن السبيل أو المسافرين كنوع من تأكيد هويتهم الإسلامية، أما أشهر المشروبات الرمضانية فهو شراب (كوكو) وهو مصنوع من الذرة ويضاف إليه السكر وغالبا يكون هو شراب الإفطار ، كما أن هناك عصائر الفواكه بكل أنواعها.
وعن طقوس ما بعد الإفطار يقول عبد الله آدم ، إن مسلمي نيجيريا بعد تناولهم وجبة الإفطار يذهب الرجال والنساء إلى المساجد لتأدية صلاة العشاء والتراويح، والاستماع لدروس الوعظ ثم يعودون إلى بيوتهم في وقت متأخر من الليل بعد الاجتهاد الكبير في العبادة..
ويستدرك: لكن الطريف أنه بعد صلاة التراويح يتم تخصيص كل ليلة رمضانية بأذكار معينة ثم الاجتماع لقراءة الأذكار بشكل جماعي والتعرف على فضائل كل ليلة من الليالي على حده وخاصة الليالي الشهيرة بأحداث تاريخية أو لها مكانة دينية معينة مثل ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يكثر فيها الاعتكاف وتكون المساجد الكبرى عامرة وكل يتسابق في فعل الخير في كل أيام وليالي رمضان لنيل الثواب العظيم من الله
فرق المسحراتية
وعن كيفية تنبيه الناس للاستيقاظ للسحور وكذلك الترفيه المباح في الليالي الرمضانية ينهي عبد الله آدم كلامه قائلا : لدينا ما يشبه فرق المسحراتية التي تتولى إيقاظ الناس للسحور وتضم شبانا يتجولون في الشوارع وهم يضربون الطبول والمعازف وعندما يسمعها النائم يعرف أن وقت السحور قد حان وغالبا ما يكون ذلك قبل الفجر بساعة أو أكثر قليلا..
ويتابع: وللعلم فإنا نحتفظ بخصوصيتنا الموسيقية التي تعتمد بشكل كبير على الطبل وآلة الزيلفون وآلات النفخ وكذلك الآلات الوترية المختلفة غالبا ما تكون هذه الآلات مصاحبة لفرق التسلية والترويح التي تقدم الأناشيد الدينية والوطنية وكذلك العروض التمثيلية والمسرحية التي تنشط في رمضان وتكون لها صبغة دينية أو صوفية.
ويوضح أن غالبية الآداب والفنون النيجيرية تعتمد على المشافهة في التناقل عبر الأجيال أكثر من الكتابة والتدوين وتنشط أكثر هذه الفنون في رمضان وخاصة أن التراث الديني عندنا ثري جدا ، وأشهرها الأناشيد والقصص الشعبية وكذلك الأمثال وغيرها ، ومع هذا فإن الأدباء النيجيريين لهم مكانة عالمية ولعل من أشهرهم الشاعر والكاتب المسرحي والروائي وولي سوينكا الحاصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1986 م وهو أول إفريقي يفوز بهذه الجائزة.
موائد الوحدة
وعن طبيعة العلاقة بين أتباع المسيحية في نيجيريا باعتبارها الديانة الثانية مع المسلمين في رمضان رغم التوترات الطارئة من وقت لآخر في بعض المناطق النيجيرية يقول عبد الرحمن نور، الطالب بجامعة الأزهر: يقوم المسيحيون وخاصة عن طريق اتحاد الأساقفة بعمل موائد وتتم دعوتنا إليها فيما يشبه ما يطلق عليه في الوطن العربي ” موائد الوحدة الوطنية ” وتستخدم كوسيلة لإخماد أي فتنة طائفية نظرا لكثرة المواجهات التي قد تنشب بين المتعصبين من المسلمين والمسيحيين في بعض الولايات، ولهذا نحرص على تقديم روح التسامح في رمضان حيث يستغل علماء المسلمين ذلك بإلقاء الدروس التي تدعو على التعايش بين المسلمين وغيرهم في كل المساجد.
ويصف عبد الرحمن نور ، الأحوال المعيشية للمسلمين في بعض مناطق نيجيريا، في رمضان وغيره من الشهور، فيوضح أنهم يقطنون في منازل قروية مصنوعة من الطين المجفف أو الخشب، حيث تصنع الأسقف من الأسبستوس أو الألواح المعدنية أو القش، وبالتالي فإن الحياة بدائية بسيطة حيث تعيش في كل حي مجموعة من الأسر الذين ترتبط بصلة القرابة أو المصاهرة أو العلاقات التجارية ، وتكون غالبية الزيجات في هذه المناطق القروية في سن مبكر تتم في محيط الأقارب والجيران ولهذا تكون العلاقات بين أهالي القرى في رمضان قوية حيث تسهر العائلات والأقارب ما بين العبادة والترفيه.
موز الجنة
وعن حكاية ما يطلق عليه “موز الجنة” الذي يعشقه النيجيريون ويكثرون منه في رمضان يشير عبد الرحمن نور ، إلى أن موز الجنة من أجود أنواع الموز وله مذاق أكثر من رائع حتى ظن أجدادنا انه موز من الجنة فأطلقوا عليه هذه التسمية منذ القدم مازالت مستمرة حتى اليوم وهو الفاكهة المفضلة لدى غالبية الشعب ويكون ضيفا عزيزا على مائدة الإفطار الرمضانية.
وعن كيفية دخول الإسلام نيجيريا يوضح شداد أمين، الطالب بكلية أصول الدين، جامعة الأزهر، أن كتب التاريخ تؤكد أن الإسلام دخل في نيجيريا في القرن الأول الهجري على يد التجار واتسع انتشاره على يد علماء الصوفية وأسهم الإسلام في تحرير الناس من العبودية والظلم حتى وصل الأمر بعد ذلك أن أقاموا ممالك إسلامية على يد ملوك قبائل الهوسا والفولاني، ومن نيجيريا انتشر الإسلام في الدول المجاورة، وهناك روايات تاريخية أخرى تؤكد أن الإسلام وصل أفريقيا عبر جنوب الصحراء الكبرى بعد فتح عقبة بن نافع لشمال أفريقيا أيام الدولة الأموية.
ويشير شداد أمين، إلى أن الغالبية العظمي من المسلمين يتبعون المذهب المالكي والذي يعد أساسيا في سن التشريعات والقوانين، وهناك قلة من المسلمين يتبعون مذاهب أخرى إلا أن أعدادهم أقل بكثير من أتباع المذهب المالكي..
وعن تأثرهم بالعربية يقول أمين: توجد لدينا بعض الكلمات العربية التي تستخدم في اللغات النيجيرية وخاصة في لغات يوربا والهاوسا كما أن غالبية الأعراف الاجتماعية والثقافية وخاصة لدي قبائل الهاوسا والفولاني مستمدة من التراث الإسلامي من عدد كبير من الكلمات العربية وكذلك أسماء الأشخاص غالبيتها عربية، يمثل اختلاف اللغة عائقا في التواصل بين مسلمي الشمال والجنوب إلى حد ما.