يدهشنا البيان القرآني المعجز بدقة اختياره للمفردات القرآنية في إيحاءاتها الصوتية، ومحاكاة الصوت فيها للمعنى، وهذا ما لايستطيعه البيان البشري القاصر ولا يتجاسر عليه أو يرتقي إليه؛ لأن هذا إحكام مدهش عجيب! لايحكمه إلا من خلق الإنسان، وأنزل البيان، فأحكمه غاية الإحكام.
عندما عبر البيان المحكم عن حال النار وأصواتها- والعياذ بالله منها- ذكر ذلك في موضعين متشابهين، بوصفين مختلفين من أوصاف الأصوات، لكن دقة اختيار كل صوت؛ ناسب موضعه المحكم في السياق، وذلك ماتنحني دون مطمع بلوغه الأعناق!
فأرخ السمع، وأمعن النظر، وأنعم الفكر في محكم البيان.
يقول المولى – عز وجل- في الفرقان : (إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ سَمِعُوا۟ لَهَا تَغَیُّظࣰا وَزَفِیرࣰا) [سورة الفرقان 12]
ويقول- عز شأنه- في الملك: (إِذَاۤ أُلۡقُوا۟ فِیهَا سَمِعُوا۟ لَهَا شَهِیقࣰا وَهِیَ تَفُورُ) [سورة الملك 7]
فوصف صوتها في الفرقان بالزفير، وفي الملك بالشهيق!
وهنا تنحني ناصية البيان، وتندهش الأذهان.
ذلك أن الزفير صوت إلى جهة الخارج، فهم لم يدخلوها بعد ” إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ”
وأما الشهيق فهو صوت إلى جهة الداخل، ناسب دخولهم في جوفها- والعياذ بالله- ” إِذَاۤ أُلۡقُوا۟ فِیهَا”.
فأتى النظم المحكم البديع لكل حال بالصوت الذي يناسبه في المقام، وهذا – ورب البيان- الغاية في الدقة والإحكام!