“زواج المعاقين ذهنيا” واحدة من القضايا التي فرضت نفسها بقوة على أجندة المهتمين بهذه الفئة داخل كل المجتمعات في الفترة الأخيرة؛ وهو ما ترتب عليه جملة من الأسئلة منها: هل يتزوج المعاقون ذهنيا من معاقين مثلهم أم من أصحاء؟ وكيف يمارس المعاق حياته الزوجية ومسئوليته مع زوجته وأولاده؟ وما هي الضوابط الشرعية لهذا الزواج؟ كلها أسئلة حاولنا أن نعرض لإجابات عدد من المهتمين حولها.
مشكلة موجودة
“محمد” معاق في الخامسة والعشرين من عمره، أصرت أمه على تزويجه وكانت مهمة ليست باليسيرة تقول عنها: بعد أن تخطى ابني العشرين وجدت أن عملية تزويجه أمرا في غاية الأهمية، وكنت أعرف مسبقا أن رفض الفتيات له أمر متوقع، غير أني ذهبت إلى “إقليم ريفي” واخترت فتاة أمية، وتعيش في مستوى مادي واجتماعي منخفض نسبيا، وشرحت لها ظروف ابني، وأنني سوف أقوم بتأمين مستقبلها المادي، وسوف تعيش في مستوى اجتماعي ومادي أفضل بكثير مما هي فيه، فوافقت بالفعل بعد التقائها بابني، وتم الزواج.
وتابعت: كنت معهما منذ اللحظة الأولى في حياتهما الزوجية، ودخلت مع ابني وزوجته “غرفة النوم” في ليلة الزفاف، وساعدتهما بتوجيهي إلى أن قام ابني بواجباته كزوج، ولم أتركهما في أي استشارة يريدانها في حياتهما، وحملت زوجة ابني، وأنجبت ولدا سليما وجميلا، وأرى أن هذا الزواج ناجح، ولكنه بالفعل يحتاج إلى تكاتف الأهل حول طرفيه.
أما “عبير” فرغم إعاقتها فإنها فنانة موهوبة في “الرسم”، وتستخدم الكمبيوتر، وحصلت على الميداليات الذهبية في “الألعاب الأوليمبية” الخاصة بمتحدي الإعاقة، وتجيد الطهي مثل أي فتاة عادية، هكذا بدأت والدتها حديثها معي والدموع تملأ عينيها.
وأضافت: حلم حياتي يكمن في رؤيتي لها وهي في منزل الزوجية، ولها أولاد، هي معاقة ذهنيا، لكنها تمارس حياتها “البيولوجية” مثل أي فتاة طبيعية، وأنا كأم أريد الاطمئنان عليها.
وتتمنى “حورية” أن ترى ابنها “محمد” المعاق “ذهنيا” متزوجا، وفي هذا تقول: إنه يطلب الزواج الآن مثل كل أقرانه، لا أدري ماذا أصنع؟ أعرف مسبقا أن الأمر صعب جدا على أي فتاة أن تقبل بالزواج ممن في مثل ظروفه، تقابلت مع الكثير من المهتمين بمثل حالة ابني، ولم يعطني أحد منهم إجابة معقولة حول إمكانية هذا الأمر أو عدمه.
يتعرضون للاستغلال
عرضنا مسألة “إمكانية أن يتزوج المعاق ذهنيا، ويكوّن أسرة طبيعية” على بعض الخبراء في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة فبدأنا “سيد جمعة” -مستشار التأهيل الاجتماعي، بالقول: أغلب زيجات المعاقين غير ناجحة، ويكون الهدف منها منذ البداية الاستغلال والمنفعة؛ فالمعاقون لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. وأشار إلى أنه عاين بنفسه بعضا من هذه الحالات غير الناجحة؛ ففي إحدى هذه الحالات تزوجت فتاة معاقة من شخص شاذ جنسيا، وهذه ليست حالة واحدة، فأغلب الزيجات تقع تحت مظلة استغلال الشخص المعاق ولا سيما إذا كان ثريا.
وأضاف: يجب أن نضع في اعتبارنا عدة أشياء تتضح من خلال الأسئلة التالية: كيف يمكن للمعاقين أن يكوّنوا أسرة وكيف سيستطيعون تربية أولادهم؟ وهل يمكن لوالد المعاق ووالدته أن يعيشا معه مدى الحياة لكي يتابعاه؟ وفي حالة ما إذا كان الزوج والزوجة معاقين فكيف يمكن لهما ممارسة حياتهما الزوجية كما أمرنا الله؟ وكيف يمكن أن تحمي المعاقة نفسها إذا وقعت ضحية استغلال زوجها الصحيح بأي شكل من الأشكال؟.
أعتقد أن هذه الأسئلة توضح إلى أي مدى صعوبة زواج المعاقين الذين نُكنُّ لهم مزيدا من الاحترام والتعاطف، لكن لا نريد أن نزيد من معاناتهم من خلال زواج محكوم عليه بالفشل.
زواج ممكن جدا
أما الدكتورة “منى عمران” -أستاذة الإعلام بقسم ثقافة الطفل فترى أنه لا مانع مطلقا من زواج المعاقين حتى لو كان ذلك بغرض الحصول على مصلحة أو منفعة مشروعة. وعلى عكس ما أشار “سيد جمعة” أقرت بأن لها تجارب ناجحة مع المتزوجين من المعاقين، سواء داخل مصر أو خارجها قالت عنها: في ألمانيا تم بالفعل زواج المعاقين في معسكر تحت إشراف مختصين ينظمون لهم كل شيء، وفي مصر شاهدت ثلاث زيجات ناجحة، أسفرت عن إنجاب أطفال.
وتابعت: من المهم جدا أن نضع بعض الضوابط التي تحكم حياة المتزوجين من المعاقين، فيحرم “التعقيم” الذي نقصد به عدم الإنجاب مخافة أن يأتي الأولاد حاملين نفس الإعاقة، كما تحتاج الحياة الزوجية بين الزوجين إلى ضبط شرعي في توجيه الممارسة الجنسية بينهما؛ ولذلك لا بد أن يكون هناك تأهيل مبدئي للمعاق حول مفهوم الزواج والأسرة ومسئوليته، وعلى الأسرة دور مهم جدا فيجب ألا تتركهم وتخلي مسئوليتها بعد الزواج، ولكن لا بد من المتابعة المستمرة لهم؛ فالمعاق ذهنيا إنسان ليس مجنونا، ولكن لديه نقص في الذكاء والقدرة على التكيف في الحياة والعمل، ولكن التدريب والتأهيل المهني له مهم جدا لكي يستطيع أن يتفاعل داخل المجتمع.
وأنهت الدكتورة منى بالقول: إنه يجب ألا نتجاهل دور الإعلام في تحسين أداء المعاقين في مختلف أدوارهم الاجتماعية، وتكوين صورة إيجابية عنهم؛ لأن الإعلام المصري يعرضهم بشكل “ساخر” يهين كرامتهم؛ ولذا ينبغي على وسائل الإعلام أن تمارس دورا إيجابيا، خاصة وأن المعاق ذهنيا يتفاعل مع هذه الوسائل؛ فعلى سبيل المثال قد يكون المعاق محبا للموسيقى والغناء، ومن هنا ينبغي استثمار هذه الوسائل في تقويم سلوك المعاق وتحسين أدائه اللغوي مثلا.
الإعاقة والإنجاب
وحول علاقة الإعاقة بالإنجاب تقول الدكتورة نجوى عبد المجيد، أستاذة علم الوراثة البشرية : يوجد ثلاثة أنواع للإعاقة، وهي الإعاقة الشديدة، والمتوسطة، والبسيطة. ففي بعض الإعاقات الشديدة كما في حالات “المنغوليين” مثلا لا يتم الإنجاب إلا في حالات نادرة جدا، وبقية الإعاقات المتوسطة والبسيطة قادرة على الإنجاب ما لم يكن هناك موانع معينة شأنهم شأن الأصحاء.
وتابعت: إذا تزوج المعاقون سواء من أصحاء، أو من معاقين مثلهم فليس شرطا أن أولادهم سيولدون وهم معاقون مثلهم، فهذا الأمر تتدخل فيه عوامل وراثية وأشياء أخرى كثيرة، وأؤكد على أنه لا يجوز أخلاقيا ودينيا أن يتم “تعقيم” الأنثى المعاقة حتى لا تنجب. وأكدت على أنها تعرف حالات من المعاقين تزوجوا وأنجبوا أولادا أصحاء.
وأوضحت الدكتورة نجوى أنه يمكن التعرف على “الإعاقة” في وقت مبكر من عمر الإنسان، وأن لها علامات ظاهرة مثل “صلبة الرأس” إذا تخطى المعاق 3 سنوات، وكذلك ارتفاع الحرارة مع حدوث تشنجات و”زوغان بالعين”، فهذا الاكتشاف المبكر له أهمية في تحسن الحالات، ولكن إذا لم يتم ذلك فمراكز التدريب والتأهيل بمساعدة الأسرة لها دور كبير في تحسين قدرتهم على التفاعل في المجتمع، وممارسة حياتهم كأي شخص طبيعي.
الرأي الشرعي
وحول موقف الشريعة الإسلامية من مسألة زواج الأصحاء من المعاقين يقول الدكتور محمد عثمان، أستاذ الفقه المقارن: يجوز للفتاة أو الفتى السليم أن يتزوج معاقا إذا رضي أحد الطرفين بذلك، وكان كل منهما عالما بعيب الآخر؛ لأن الرضا بين الزوجين من أهم الضوابط الشرعية، فضلا عن توافر شرط القدرة على الإنفاق للزوج المعاق، سواء من خلال عمل يعمل به أو من خلال ولي أمره؛ لأنه لا يعقل أن يتزوج وهو لا يستطيع الإنفاق على أسرته، وهذا الشرط ينطبق على الأصحاء أيضا.
وعن إجازة تعقيم الأنثى المعاقة يقول الدكتور عثمان: “يجوز التعقيم إذا أثبتت الأبحاث أو الاختبارات الوراثية أن الأولاد سيكونون معاقين بطريقة يقينية؛ ففي هذه الحالة يباح التعقيم؛ لأن الموازنة تكون بين أمرين هما إنجاب أطفال معاقين، أو عدم إنجاب أطفال من الأساس ولكل منهما ضرره، والقاعدة الشرعية تقول إنه إذا تعرض الإنسان لأمرين في كليهما ضرر، يتم الأخذ بأخفهما ضررا؛ لدفع الضرر الأعظم منه، والأعظم في هذه الحالة إنجاب أطفال معاقين؛ لأنه يسبب آلاما شديدة لأهله طوال حياته، فضلا عن تعرض الأطفال أنفسهم لآلام نفسية شديدة جراء إعاقتهم”.
واستكمل حديثه قائلا: وهذا إذا ثبت أن الأولاد من هذين الزوجين سيكونون متسمين بالإعاقة كما في حالة الطفل “متلازم الدون”.
وقد ثبت علميا أنه لو وجد في أحد الزوجين -أو كليهما- مرض وراثي فإن الأولاد يكونون معرضين لانتقال هذا المرض إليهم.
أما عن شرعية الإجهاض للمرأة المعاقة فقال الدكتور عثمان: إذا ثبت بصورة قاطعة أن الجنين الذي تحمله المرأة سيكون معاقا يجوز إجهاضها قبل أن يصل إلى 120 يوما، أما إذا وصل في رحم أمه إلى 120 فلا يجوز إجهاضها؛ لأن الروح الإنسانية تكون قد دبت فيه كما ورد في الحديث المروي عن رسول الله ﷺ والذي ما معناه “أن أحدكم يمكث في بطن أمه 40 يوما نطفة، ثم 40 يوما علقة، ثم 40 يوما مضغة، ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح”، فبعد وصول الجنين إلى 120 يوما يكون إنسانا عاديا مثله مثل أي إنسان، غاية ما هنالك أنه صغير الحجم لم يكتمل نموه بعد، فلا فرق بينه وبين أي إنسان مولود.
ولو تصورنا أن المرأة التي ولدت إنسانا معاقا فهل يجوز قتله؟ لا يجوز قتله فهذا مثل هذا، هذا أيضا ينطبق على المعاقة التي حملت سفاحا أنه لا يجوز إجهاضها بعد 4 أشهر.
مروة مجدي5>