يناقش كتاب “سيكولوجية الإرهاب” للباحثة شيخة آل ثاني موضوعا مهما وحساسا في نفس الوقت، حيث تتسع دائرة الإرهاب في العالم يوما بعد يوم رغم إجماع كل الدول والمنظمات على حربه وانخراطها فعليا في ذلك، وهذا الاتساع المطرد للإرهاب مع شراسة الحرب المعلنة عليه يستدعي تعميق التفكير في دوافع هذا السلوك، فما هي سيكولوجية الإرهاب؟

تعلن الكاتبة منذ البداية أن مفهوم الإرهاب شديد السيولة مما جعل تعريفه يصبح إشكالا مركزيا، وتبرز التعريفات العديدة التي أوردتها الكاتبة لفلاسفة وفقهاء قانون غربيين وعرب أن العالم يتباين تباينا يصل حد التناقض أحيانا في تعريف هذه الظاهرة، فقد عرفته الموسوعة السياسية بأنه: “استخدام العنف الغير قانوني أو التهديد به بغية تحقيق هدف سياسي معين”.

كما سعت الكاتبة في سبيل تجلية مفهوم الإرهاب إلى الحفر في جنباته من خلال تعريف مصطلح (التطرف) الذي يتعالق مع الإرهاب في رباط المقدمة ومتن النص، ويعتبر غياب التعريف المحدد للإرهاب إحدى أهم عوامل ضعف القدرة على كبح جماع العنف في العالم، لأن ضبابية المفهوم ستؤدي لا محالة إلى ضبابية أي خطة للمواجهة والمحاصرة وبالتالي قد تنتج عكس المقصود منها كما يحصل دائما.

الشخصية الإرهابية

لكن إذا كان هناك عجز عن وضع تعريف جامع وإجماعي للإرهاب فإن ذلك لا ينبغي أن يحبطنا عن محاولة كشف الشخصية الإرهابية ذاتها، لذلك قدمت الكاتبة فصلا مهما عن مفهوم الشخصية الإرهابية.

وقد اختارت تعريفا لها هو: “الشخصية التي تتسم بالسلوك العدواني التسلطي الدموي فضلا عن القسوة الزائدة، كما أنها تتصف في جوانب منها بالغش والخداع والاندفاع والتهور دون مبالاة أو تقدير للمسؤولية”.

كما هي –حسب الكاتبة- في جانب من جوانبها شخصية سيكوباتية، وتشير الشخصية السكوباتية إلى اعتلال نفسي أو عقلي يتسم بالنشاط المعادي للمجتمع، ولها عدة أنماط منها الانحراف السيكوباتي العدواني، ويتميز مرضاه بالهياج والعنف والقسوة وكثرة الشجار، وفيهم أيضا مدمني المخدرات وغير المستقرين وأصحاب الميول السادية والمجرمين المحترفين (معتادو الإجرام).

الطريق إلى العنف

تقرر الباحثة أن الطريق إلى الإرهاب تدفع إليه جملة عوامل، أهمها ما سمته (الانتقال عبر الأجيال) والذي “يبدأ من مرحلة مبكرة من العمر، ويظهر في شعور قوي بـ(الاغتراب) وشعور الشخص بأنه (ضحية)”، كما يمكن أن يظهر هذا العامل من خلال إيمان الشخص الإرهابي بأن الجماعة التي ينتمي إليها عرقيا أو دينيا أو قوميا هي جماعة مميزة، وأنها معرضة لخطر محدق قد يؤدي لاندثارها، وأن تلك الجماعة ليس لديها من القوة السياسية ما يؤهلها لمواجهة الأخطار دون اللجوء لاستخدام العنف”.

العامل الثاني هو (الخوف من الموت)، ويبدو هذا العامل غريبا حيث إن الإرهابي يذهب إلى الموت راضيا فكيف نتهمه بأنه يتحر بدافع (الخوف من الموت)، وقد انتبهت الكاتبة لهذا الاستغراب الذي قد يحدث للقارئ فبينت أن “القلق من الموت يلعب دورا محوريا في سلوك الإرهابيين والانتحاريين، فخوفهم غير الواعي من الموت ومن عدم ترك أي أثر أو إرث في الحياة من بعدهم، يدفعهم لتفجير أنفسهم باعتقادهم أنهم بذلك يصنعون فارقا”.

أما العامل الثالث الذي يدفع لاعتناق أفكار إرهابية فهو (ظهور عامل محفز) مثل موت صديق أو قريب أو صدمة نتيجة حدث سياسي عنيف، وبعض الإرهابيين يكون صاحب عقلية إجرامية واكبت طفولته ومراهقته في غياب التوجيه والترشيد، بمعنى أن بعض الإرهابيين عاشوا فترات من حياتهم كـ”مجرمين” فعليا.

نظرية إيليس العلاجية

حاولت الباحثة الإفادة من نظرية علم العلاج السلوكي، وقامت بتحليل نظرية عالم النفس إلبرت إيليس الذي يرى أنه من أجل فهم السلوك الذاتي للفرد لابد من تصور تحليلي كامل حول كيف يتكون شعور الناس وتفكيرهم وإدراكهم للمواقف اليومية ثم تصرفاتهم، ويرى إليس في ضوء هذه النظرية أن الإنسان يتأثر بأفكاره العقلانية وغير العقلانية، فكل تفكير أو تصرف عقلاني يؤدي إلى الشعور بالأهمية والسعادة والكفاءة، وتلك سمة الأصحاء والمعتدلين في سلوكهم ومواقفهم، بينما ترجع أغلب الاضطرابات النفسية إلى التفكير أو السلوك غير العقلاني للشخص.

والإنسان يولد ولديه استعداد فطري ليكون عقلانيا ومنطقيا ولكن البيئة والمحيط يؤثران في نمو تلك الخاصية البيولوجية أو في إماتتها لتنمو على أنقاضها أفكار متطرفة وغير عقلانية، وقد قدم إليس قواعد أساسية لفهم الشخصية الإنسانية هي:

  • الاستعداد البيولوجي: يولد الناس ولديهم استعداد فطري لأن يكونا عقلانيين.
  • التأثير الاجتماعي: ويمثل الأسرة وما يتأثر به الفرد في الطفولة من استقبال السلوكيات، المدرسة، الأبوين، الإخوة.
  • التفاعل والتشابك بين الأفكار والمشاعر تجاه المجتمع والدين والعادات والتقاليد.
  • التفكير غير المنطقي وعلاقته بظهور الأفكار الإرهابية.
  • أهمية العمليات المعرفية فهي تسهم في إحداث تغييرات في السلوكيات.

ويلزم أن يقوم المشرفون على العلاج السلوكي بإقناع المجرمين بأنهم غير منطقيين وغير عقلانيين، وأن عليهم أن يكونوا أكثر عقلانية ومنطقية.

الحرية تحارب الإرهاب

وتؤكد الكاتبة على أن الإرهاب لا دين له ولا قومية ولا عرق بل هو انحراف سلوكي نفسي اجتماعي يمكن أن يصاب به معتنقو كل الأديان والمنحدرون من كل القوميات، كما تتساءل إذا كان الإرهاب مختلفا عن التطرف فهل يمكن أن نعتبر التطرف هو المقدمة الحتمية للإرهاب؟ أم أنه يمكن لشخص أن يتطرف في فكره دون اللجوء إلى أعمال عنيفة؟

وترى الكاتبة أن إتاحة الحرية وتعزيزهاخصوصا الحرية الدينية وترك الشباب يتعرف على الدين الحق دون إكراه معنوي أو إلزام بفهوم لا يقتنع بها هي أنجع وسيلة لمحاصرة التطرف ومن ثم محاصرة الإرهاب والعنف.