نتيجة لحيوية السوق المالية الآسيوية وحاجة حكومات الدول بشكل دائم إلى استثمارات كبيرة في مجال البنية التحية والمشاريع الاقتصادية الضخمة فإن هناك دائما عمل جاد وجهود متواصلة علمية وأكاديمية لاكتشاف أدوات مالية جديدة تسهم في تحقيق الأهداف وتذليل العقبات وفي طليعة هذه الأهداف توفير السيولة النقدية.
في مجال المالية الإسلامية تم الإعلان عن إطلاق صكوك التجزئة في كل من ماليزيا، اندنوسيا، وباكستان، الصكوك الجديدة ستمنح هذه الدول فرصة الحصول على السيولة النقدية لتحقيق الأهداف الاقتصادية لهذه الدول ومساعدتها على التغلب على بعض الاختلالات في منظومتها المالية مثل المساعدة في تغطية العجز فى الميزانية كما حدث في أندنوسيا.
ماهي صكوك التجزئة؟
يقصد بصكوك التجزئة الصكوك التى يتم إطلاقها وعرضها لمستثمري التجزئة، حيث توجه الدعوة إلى مستثمري التجزئة للتسجيل وشراء أسهم من خلال البنوك والمؤسسات المعتمدة لهذا الغرض، وتعتبر صكوك التجزئة جزء من سوق الصكوك بشكل عام إلا أنها لفتت الأنظار وحققت نجاحات باهرة خلال الفترة الأخيرة خاصة في السوق المالية الآسيوية ودول مجلس التعاون الخليجي. هيكلة الصكوك الجديدة تسمح للجهات المصدرة باختيار جهة عرض وطريقة تداول هذه الصكوك إما من خلال مكان محدد ومعروف مثل:ew York Stock Exchange (NYSE) أو بورصة ماليزيا أوLondon Metal Exchange ، وإما أن يتم التداول من خلال مجموعة وسطاء ماليين يعملون على نظام إلكتروني ويقدمون الخدمات للزبناء أو ما يعرف بـ Over-The-Counter .
خلال العام الماضى تم إطلاق صكوك التجزئة في ماليزيا، وقد تم توجيه هذه الصكوك الجديدة إلى مستثمري التجزئة “مستثمرين أفراد” عكس ماهو معروف في الصكوك العامة التى يتم بيعها للبنوك والشركات المالية الأخرى، بعد شهر من إعلان ماليزيا اعتمادها لصكوك التجزئة أعلنت شركة كهرباء كراتشي في باكستان تبنيها لهذا الصكوك الجديدة أيضا، أما أندنوسيا فإن تجربتها في مجال صكوك التجزئة تعود إلى بداية 2009 حين أعلن البنك المركزي الأندنوسي عن طريق وكالات مالية تابعة له وضع هذه الصكوك الخاصة بالمستثمرين الأفراد في السوق المالية.
تسعى حكومات هذه الدول الثلاث: ماليزيا، اندنوسيا وباكستان للحصول على تمويلات ضخمة لمشاريع اقتصادية من خلال استهداف مستثمري التجزئة وخلق سوق استثماري لهذه الصكوك الجديدة، ومن خلال توقعات البنوك المركزية المشرفة على صكوك التجزئة من المحتمل أن يصل حجم سوق الصكوك الجديدة 400 مليون مسلم في الدول الثلاث. ويقول خبراء المالية الإسلامية إن هذه الصكوك ستحقق استثمارات مالية كبيرة ستساعد حكومات هذه البلدان على خلق مصدر للسيولة لتحقيق أهدافها الاقتصادية، كما سيسهم هذا النوع من التمويل في زيادة الوعي بخصوص وسائل التمويل الإسلامية ويفتح آفاقا جديدة للمستثمرين الطامحين إلى الإستثمار وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.
صكوك التجزئة في ماليزيا
في 12 ديسمبر 2012 تم اعتماد صكوك التجزئة في ماليزيا كإحدى الخيارات الإسترايجية الجديدة في سوق استثمارات المالية الإسلامية، حيث قامت الهيئة المالية الماليزية التابعة للبنك المركزي الماليزي بإطلاق صكوك التجزئية لمنح فرص استثمارية للمستثمرين في سوق التجزئة، إضافة إلى ما توفره هذه الصكوك من أرباح للمستثمرين فإنها أيضا تشكل مصدر من مصادر السيولة للحكومة الماليزية. في سنة 2014 أصدرت شركة Malaysia’s DanaInfra National Bhd بالتعاون مع وزارة المالية الماليزية صكوك تجزئة بقيمة 100 مليون رينغت لخدمة مشاريع بنية تحتية ضخمة لصالح الحكومة، ومدة هذا الصكوك 15 سنة، وفي سنة 2013 أصدرت نفس الشركة صكوك بقيمة 300 مليون رينغت لنفس الأهداف السابقة.
في أندنوسيا يرى الخبراء الماليون أن صكوك التجزئة يمكن أن تلعب دورا مهما في زيادة الادخار المحلي، فقد حققت اندنوسيا نسبة ادخار 31% وهي النسبة الأعلى ضمن الدول المجاورة، سوق صكوك التجزئة حققت سنة 2012 ما يقارب 15 مليار دولار ساعدت الحكومة على حل بعض مشاكلها الاقتصادية خاصة ما يتعلق منها بالبنية التحية والعجز في الميزانية. وحققت اندنوسيا أكبر مبيعات في تاريخ سوق صكوك التجزئة حيث أعلنت وزارة المالية أن خطة صكوك التجزئة DR008 كانت ناجة بشكل كبير حيث استطاعت الحكومة توفير 30 مليار دولار عن طريق بيع هذا الصكوك وهو ما يشكل 2.15 من الدخل القومي الإندنوسي.
تحديات تواجه صكوك التجزئة
رغم أهمية صكوك التجزئة في تحقيق المنافع الإقتصادية للجهات المصدرة لها وتلك المستثمرة فيها إلا أنها تواجه تحديات كبيرة تستدعي تضافر جهود الباحثين والعاملين في مجال المالية الإسلامية، لإيجاد حلول لهذه التحديات وتذليلها دعما لمسار المالية الإسلامية وحرصا على تقديم وتقريب منتجات المالية الإسلامية إلى السوق بشكل أكبر كفاءة وأكثر إقناعا للمستثمرين.
لا تختلف التحديات التى تواجه صكوك التجزئة عن تلك التى تواجه الصكوك العامة، وفي مقدمتها محاكاة هذه الصكوك بالسندات الربوية من حيث منح الربح اعتمادا على سعر الفائدة وليس على مقدار نشاط المشروع، ويشكل هذا التحدي ثنائية نقص السيولة والمصداقية الشرعية، ضعف البنية التشريعية لهذه الصكوك وحاجتها إلى مزيد من الدراسة والتمحيص لمعالجة الإشكالات الفقهية حيث تحتاج هذه الصكوك لتحسين الإطار الشرعي حتى تكون بعيدة عن الشبهة.
من بين التحديات التى تواجه صكوك التجزئة أيضا أنها منتوج جديد غير مألوف لدى مستخدمي منتجات المالية الإسلامية وقد تسبب ذالك في زيادة تكلفة هذه الصكوك، إلا أن خبراء السوق المالية الأندنوسية أوضحوا أن هذه التكلفة ستنخفض حال ما ثبتت أهمية وفاعلية هذه الصكوك في توفير السيولة اللازمة لتمويل المشاريع التنموية.