الإعلانات التجارية في الصحف أو في غيرها، تدخل في قسم المعاملات والعادات، والأصل فيها الإباحة والجواز، ما لم يقترن بها محظور شرعي كما هو مقرر عند أهل العلم، أي ما لم ينقل هذا الحكم إلى المنع والتحريم شيء .
ويمكن أن يحافظ الإعلان الإشهاري على حكم الإباحة والحل، إذا ما انضبط بجملة من الشروط نجملها على الوجه التالي وهي مستفادة من كلام أهل العلم :
- الأول : أن يكون الإعلان مباحا في حدّ ذاته ، خاليا من المخالفات الشرعية ، فلا تجوز الدعايات التي تنافي الأحكام الشرعيةَ ، أو الأخلاق والقيم الإسلاميةَ وآدابها ، كتصميم الإعلانات التي تحتوي على الصور المثيرة للغرائز والمهيجة للشهوات ، كعرض جسد المرأة أو بعضه ، ونحوها من الصور العُارية ، أو صور المتبرجات ؟! وكذلك لا يحل الدعاية للأفلام الماجنة والمثيرة ، أو الأقوال الفاحشة والبذيئة . وكذا يحرم نشر الكلام المثير للفتنة بين الناس، أو السب والقذف، أو إثارة العداوات والبغضاء، ونحو ذلك مما هو محرم، قال سبحانه { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يُصلح لكم أعمالكم ويَغفر لكم ذنوبكم ومَن يُطع الله ورسوله فقد فازَ فوزا عظيما } (الأحزاب : 70 – 71) فالقول السديد : هو الموافق للحق والصواب من ذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير ونحوه .
- الثاني : أن يكون الإعلان للشيء مباح أصلا فلا يجوز الدعاية لكتب الكفر والإلحاد والبدع والضلال مثلا أو كتب السحر والشعوذة والأفكار المنحرفة أو كتب أهل الفساد والفجور، وكذلك لا يجوز الترويج والدعاية للخمر ولا المخدرات ولا الدخان وغيرها، ولا الحفلات المنكرة، ولا للنوادي الليلية، ولا لنوادي القمار والميسر والرهان، سواء كان رياضيا أو غير رياضي ولا بطاقات اليانصيب، بل يجب تجنبها والتحذير منها، وتجنب الدعاية لها. لأن كل وسيلة حرمها الشرع وأبطلها وذمها ، لشرها وضررها وفسادها ، وإفسادها للدِّين أو الخُلق ، فهي محرّمة ، والتعاون عليها محرَّمٌ أيضا ، بنصِّ قوله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ واتقوا إن الله شديد العقاب} (المائدة : 2 ) .
- الثالث : أن يتحرّى المعلن الصدق والأمانة في عرض السلع والمنتوجات ومواصفاتها المختلفة ، أو الخدمات التي يقدّمها ، فلا يصور الأمر على غير حقيقته ، بالكذب أو إخفاء العيوب والتدليس ، أو بالمبالغة في حجم السلعة المراد تصميم إعلانها ، ونشرها كذلك في الصحف أو المجلات ، أو تضخيم محاسنها للمستهلك أو الزبون . فالواجب على المسلم أن يتحرى الصدق والأمانة ، في كل أقواله وأفعاله ، فإن التحلي بالصدق سبب للبركة ، وأما الكذب وكتمان العيوب ، فإنه علة الكساد للسلع ، وسبب المحقِ للبركات ، كما قال نبينا صلى اللهُ عليه وسَلم :”المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا ، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيعِهمَا ، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا ، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ” (متفق عليه) .
- الرابع : كذلك لا يجوز إشاعة إعلان يقوم أصلا على الغش والخِداع ، أو التهويل والمكرٌ والتزوير ، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم : ” مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ” رواه مسلم .وقال أيضا : ” مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا ، وَالمَكرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ” (رواه الطبراني وصححه ابن حبان) . وإذا كان بالسلعة عيبٌ أو نقص ، فإنه يجب بيانه للمشتري ، ولا يحل كتمانه ، لأنه خلاف النصح للمسلم ، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : ” المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ، وَلاَ يَحِلُّ لمِسُلْمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا ، فِيهِ عَيْبٌ ، أَلاَ بَيِّنَهُ له ” (رواه أحمد ( 4/157 ) وابن ماجة ( 2246) ).
- الخامس : أن لا يضر بإعلانه غيره من التجار ، أو يتعرّض لمنتوجاتهم وسلعهم بالتحقير ، أوالتهوين لأوصافها ، والذمِّ لها ، من أجل تحقيق مصالحه وربحه ، على حساب مصالح غيره من التجار ؟؟! لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : ” لا ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار ” (رواه أبوداود) . ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : ” لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ، مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ” رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه .
- السادس : أن يتجنب الخداع والتغرير بالمستهلكين ، وذلك باستغلال التشابه في الاسم التجاري ، أو في العلامة التجارية ، سواء وقع التشابه في التسمية موافقة ، أو تعمده بسوء نيته وتدليسه ، يبتغي بذلك إيهام المستهلكين والزبائن بأنها هي البضائع المشهورة في الأسواق ؟! أو المماثلة لها في الجودة والإتقان ، ليقع المستهلك فريسة التضليل والإيهام ؟! فهذا كله مخالف للصدق والبيان كما تقدم ، ومخالف لقوله صَلى اللهُ عليه وسَلم : ” الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : ” للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ” (رواه مسلم) .
- السابع : أن يحرص على شروط عقد االبيع أو الإجارة عند الإعلان عنها ، ومنها : الإعلام بثمن السلعة ، وعددها أو وزنها ، وموعد تسليمها أو بيان مكان الإجارة ، ومُدَّتها بين المتعاقدين . وأن يكون محلّ الإجارة منتفعًا به ، ومقدورا على تسليمه. وخلو العقد من الجهالة والغرر، ونحو ذلك من المحاذير .
هذه تقريبا ضوابط الإعلان التجاري ، والتي بها يحصل المحافظة على سلامة المجتمع المسلم من المخالفات للشرع المطهر ، والبقاء على ما يحب الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عليه وسلم من الاستقامة ، والعمل الصالح ، وسلامة صدور المسلمين من حصول ما يثير العداوات والبغضاء والشحناء .