تميزت الفنون الإسلامية بميزات الإسلام، وانطبعت بطابعه؛ بحيث انعكست القيم الإسلامية على جمالياتها ودقائقها، وصار الفكر والفنون في رحاب الإسلام وجهين لحقيقة واحدة.. حتى أصبحت “الفنون الإسلامية” أحد المداخل المهمة لعالَم الإسلام الفكري والحضاري، كما نلمس في تجارب جارودي وهوفمان وغيرهما..

في هذا الحوار نتوقف بتأمل وتدبر مع واحد من أهم الفنون الإسلامية- أو “أبوها”، بتعبير ضيفنا- وهو الخط العربي؛ وذلك مع الخطاط الشيخ عبد السلام البسيوني؛ الذي جمع في مسيرته بين الاهتمام بالخط العربي وبين الدعوة إلى الله تعالى كتابة وخطابة وفقهًا، مضيفًا إليهما اهتمامًا بديعًا بالأدب والشعر والمسرح.. فإلى الحوار:

 

– كيف كانت بدايات رحلتكم مع “الخط العربي“؟

في البداية أقول: الخط العربي هو حقًّا أبو الفنون الإسلامية؛ منه انبثقت، ولخدمته أسست، وبه كُتبت المصاحف (حفظ السطر، بجانب حفظ الصدر) ودونت دواوين السنة، واللغة، والشعر، والفقه والتفسير، وميراث الأمة كله!

وكان الخطاطون يتعبدون بالكتابة- قبل المطابع- يرون أنهم يحرسون ثغرًا كبيرًا من ثغور الأمة، وكانوا يُقَدَّرون في المجتمع تقديرًا عظيمًا؛ خصوصًا النوابه من أهله كابن البواب وابن مقلة وياقوت المستعصمي، والمحدثة الفقيهة شُهدة الكاتبة، وغيرهم!

وكان من تقدير الحكام لهم أن قربوهم، ومنحوهم الألقاب، وكان من السلاطين خطاطون مجازون، يُشهد لهم بالتألق، ولا تزال أعمال بعضهم محفوظة إلا اليوم؛ شاهدة على مكانة هذا الفن الجميل، الذي تؤومر عليه، واغتيل مع النحو وعلوم اللغة، لولا بعض الغُيُر الذين يعدون أنفسهم جندًا من جند الله تعالى لحماية لغة القرآن، والحرف القرآني الشريف!

كان الأزهر القديم محضنًا عريقًا للعلم الشرعي، واللغة العربية– لا شك في هذا- وكنا ندرس الكتب التقليدية الكبيرة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، كما كنا ندرس أول علوم اللغة العربية ووعاءها: الخط العربي، وكان يدرِّسنا أساتذة خطاطون، عندهم معرفة تامة بالخط، وأزعم أن جل أساتذتنا آنذاك كانوا حسني الخط جدًّا، وإن لم يكونوا خطاطين بالمعنى الدقيق!

وكنا ندرس خطوطًا ثلاثة (الرقعة والنسخ والثلث) في المرحلة الإعدادية، نُمتحن فيها كما نمتحن في الفقه والحديث والنحو والجغرافيا!

وكنت محظوظًا حين درَّسني الخط في السنين الأربع بالمرحلة الإعدادية الأزهرية أستاذ خطاط متمكن، كان يدرِّس أيضًا لطلبة التخصص في مدرسة تحسين الخطوط بطنطا، هو الأستاذ الفاضل محفوظ الجمل عليه رحمات الله ورضوانه! وهو الذي لفت نظري إلى الجانب المنهجي في الكتابة؛ من سن مبكرة!

لكن قبل الأستاذ الجمل رحمه الله تعالى كان في حارتنا- في طفولتي الباكرة– خطاط مهم، انتقل بسرعة للقاهرة؛ ليعمل خطاطًا بالتلفزيون، ومذيعًا بالإذاعة، وارتقى حتى صار شيئًا كبيرًا في الإعلام المصري المسموع منذ الستينيات، وكان يملأ الحارة كتابات- وأنا في نحو الخامسة أو السادسة من عمري- فأقف خلفه منبهرًا، أتأمل حروفه، وتكويناته، وقد تأثرت به تأثرًا جمًّا، وكان هو أول وأهم مؤثر في حياتي!

وفي طفولتي الباكرة كانت الكتب المدرسية من الصف الأول للثالث الابتدائي مكتوبة بيد خطاط معروف آنذاك، هو الأستاذ عبد الرزاق محمد سالم؛ ثم- من الصف الرابع للسادس- كنا نُسلَّم كراسات لخطي الرقعة والنسخ، كتبها ثلاثة من كبار الخطاطين آنذاك: محمد حسني البابا (وهو أبو سعاد حسني، وعفت حسني، ونجاة الصغيرة) ومحمد محمود رضوان، وسيد إبراهيم- على ما أذكر- تعلمنا منها الكثير!

وأهم من هذا كله أننا كنا نحفظ القرآن الكريم من مصاحف بخطوط شتى، كان من أهمها مصحف بخط الحافظ عثمان، وآخر بخط محمد مصطفى نظيف– قدره أوغلي– وهذا يعني أننا فتحنا عيوننا على الخطوط الجميلة من وقت مبكر، والإنسان ابن بيئته ولا شك!

 – ما الذي جذبكم للخط العربي؟ وما جماليات هذا الفن؟

الأمر بيد الله أولًا، الذي يخص عباده بمواهب- وأعتقد أن كل إنسان يمكن أن يكون موهوبًا بشيء ما؛ علم من علم، وجهل من جهل- فإذا نماه وتدرب عليه، ودرس، وتعمق، برع، ونبغ، وتألق! فالأمر أولًا هبة من الوهاب سبحانه، ثم تأتي البيئة المعِينة المهيِّئة، ثم الدرس والتخصص، ثم التدرب والمواصلة!

وأنا- إن شغلني العلم والأدب كثيرًا– لكنني أزعم أن البيئة الأولى تهيأت، والموهبة، والدرس، ولقاءات كبار الخطاطين، ومتابعة الأعمال الكبيرة، كل ذلك مما كان له فضل- بعد ربي المنان سبحانه- في بلورة هذا الأمر، وتأكيده في النفس، والحرص على المتابعة فيه؛ قدر الوسع والوقت!

– هل شاركتم ببعض المعارض في الخط العربي؟ وما أشهر لوحاتكم أو أحبِّها لكم؟

بعد تخرجي في الجامعة، وبعد أن أغلقت دوني أبواب العمل الحكومي، اضطررت للعمل مع صديق لي، في محل للخط والرسم، نتكسب منه، ونحل مشكلة الوظيفة، حتى أذن الله تعالى، وفتح لنا باب خير، فتركت الخط- إلا هاويًا- لأتفرغ للعلم والعمل والدراسة،  وكان ذلك فضلًا كبيرًا من الله تعالى، الذي دعوته ذات يوم ألا يجعل رزقي من الخط! وكنت قد استدعيت عام 1984 لقطر لأعمل خطاطًا لمجلة “الأمة”، وحين كانت الطائرة- قبل هبوطها- فوق الدوحة، دعوت ربي ألا يكون هذا مجالي؛ فأنا في الأساس طالب علم، ويشاء ربك أن أدخل المجلة– بعدها بقليل- محررًا لغويًّا لها حتى توقفت؛ فسبحان الذي يقدر الأقدار!

لكنني أيضًا- في السنين الأخيرة- أصبحت أكتب أكثر، بعد ركود طويل، وقد ساهمت في إقامة معارض حضرها كبار الخطاطين في الدنيا: محمد وعثمان أوزجاي، وداود بكتاش، وحسن شلبي، وأحمد فارس، وفؤاد باشار، وآيتن ترياكي، ونورية جارسيا، وتاج السر حسن، ووسام شوكت، وصباح الأربيلي، وعبيدة البنكي، وغيرهم، وكتبت كتبًا عديدة في الخط، وفي فنون أخرى؛ كما تجولت في متاحف العالم، والمعارض التي تحوي كنوز الخط العربي التاريخية والمعاصرة، خصوصًا في إستانبول!

أما عن لوحاتي فإنك يمكن أن تجد مئات منها على صفحتي بالفيسبوك بخطوط شتى، وأكثر اهتمامي فيها بالبعد القيمي والأخلاقي!

 

– لكم ثمانية كتب حول “الخط العربي”.. فما الجديد الذي حاولتم رصده فيها؟

في كتبي في الفن بشكل عام أحاول أن أسد فراغًا، وأكتب في شيء جديد، قلَّ تناوله، أو لم يتناوله باحث من قبل!

وفي كتبي التسعة عن الخط العربي حاولت أن أسد فراغًا في المكتبة العربية، ولعلي نجحت بفضل الله تعالى في ذلك.

فقد كتبت كتابين عن لافتات شوارع القاهرة، ولافتات شوارع زفتا- مدينتي – المكتوبة أواخر القرن العشرين، وهي من التحف الفنية العظيمة بخط الثلث، كتبها محمود جعفر بك- وقليل منها كتبه العظيم عبد الله بك الزهدي، خطاط الحرم النبوي الشريف قبل 150 سنة- وهي تباع في الخارج كتراث مسروق، القطعة الواحدة بين عشرة وخمسة عشر ألف دولار، رغم أن الناس سكان قاهرة أوائل القرن الماضي لا يعرفون الآن قدرها، ولا يهتم أحد بحفظ ما تبقى منها!

وهذان الكتابان يحويان أكبر مجموعة على الإطلاق من لوحات الشوارع القديمة فيما أعلم!

وكتبت كتابًا مهمًّا عن العظيم عبد الله الزهدي خطاط الحرم النبوي الشريف، ويحوي نحو مائة وخمس قطع صغيرة نادرة، كتبها هذا الفذ رحمه الله تعالى، فاضطلعت بتتبعها، والتأريخ لها، وتجلية قيمتها!

وكتبت كتابًا عن الخطاطات المعاصرات، ولعله الأول من نوعه!

وكتابًا عن لفظ الجلالة (الله تعالى في عيون الخطاطين)!

وسادسًا عن سيدي النبي صلى الله عليه وسلم في عيون الخطاطين!

وسابعًا عن صديقي الخطاط حمدي الشريف رحمه الله تعالى؛ تلميذ محمد حسني، وخطاط تلفزيون قطر، ومصمم شعار قناة الجزيرة، العلامة التجارية رقم 5 في العالم!

وثامنًا عنوانه: اسم واحد وخطاطون شتي، وفيه كتابات عدد من الخطاطين الكبار والمغمورين لاسمي الشخصي، وهو أيضًا مميز؛ لأن فيه ارتجالاتٍ مهمة للتركيين حسن شلبي، وداود بكتاش، والمصري أحمد فارس، والإيراني سبزة، والأفغاني مير صبري، والإسبانية نوريا جارسيا، والسوري عبيدة البنكي، والكردي صباح الأربيلي، والتونسي عمر الجمني، وكثيرين آخرين!

كما أنني جمعت عددًا لا بأس به من لوحاتي في ألبوم! وهذه كلها كتب إلكترونية تبذل بالإيميل لمن يريد؛ مجانًا.

ولي كتب فنية أخرى، هي ألبومات للوحات وأعمال فنية مشروحة.. والحمد لله تعالى..

 

– نود أن نتعرف على تجربتكم في تأمل أكبر لوحة في العالم بخط الثلث الجلي (كيلومترين طولاً)؟

أما هذه اللوحة فقد رأيتها واهتممت وعشقتها منذ كنت بالمدينة المنورة سنة 1974؛ فهي تراث إنساني أرجو له البقاء، موجودة في صدر المسجد النبوي الشريف، وقبابه الصغيرة، وفيها نصوص قرآنية من سور محمد صلى الله عليه وسلم، والتوبة، والفتح، ومن بردة البوصيري، وغيرها، بثلاثة أقلام بالثلث الجلي، في أداء يعجز عن الاقتراب منه خطاط معاصر!

وقد مُحي منها ما كان في القباب، ودمر بعض ما كان على يمين الداخل من باب السلام، وغطي اسم عبد الله الزهدي في آخر اللوحة، في طرف باب النساء، أمام المقصورة النبوية الشريفة، كما شوه بالترميم الرديء جزء الأسماء النبوية، السطر الأسفل من اللوحة!

والعجيب أن خديوي مصر إسماعيل عرف قيمة الزهدي رحمه الله فاستدعاه لمصر، ومنحه لقب بك، واستكتبه خطوط سبيل أم عباس، وجامع الرفاعي، ومصحفًا شريفًا، وأوراق العملة المصرية الأولى، وقليلًا من أسماء الشوارع، وأشياء أخرى يعرفها المهتمون!

وأتمنى أن يتفرغ لهذه اللوحة في المسجد النبوي بعض الفنانين المثقفين المتقنين الكبار، والمؤسسات المحترمة؛ لعمل أفلام وثائقية- عشرات إن أمكن- للتأريخ لها، وتوثيق أجزائها، وشرح قيمتها، وبيان فنياتها، واستعادة ما محي منها، كما أتمنى أن تهتم بها إدارة الحرمين الشريفين!

– هل يمكن القول إن اهتمام العرب والمسلمين بالخط العربي كان منطلِقًا من تعلقهم بالقرآن الكريم، ومن حرصهم على خدمة كل ما يتعلق به؛ رَسْمًا ونُطقًا وتدبرًا؟

ليس هذا مجرد قول؛ بل حقًّا لا يقبل الإنكار، فمعلوم أنه لم تكن للعرب عند البعثة حضارة مادية لافتة، ولا فنون بصرية ذات بال!

ولما كان القرآن محور حياة الناس آنذاك اهتم به الناس: قراءة وتدبرًا وعمًلا، والحفاظ: جمعًا، وإتقانًا، وتأملًا، واهتم به الخطاطون: ضبطًا وتجويدًا وإتقانًا، وتفريعًا للخطوط، وتشقيقًا منها، فاخترعوا ستة خطوط رئيسة، تفرع عنها ما أوصله بعض الباحثين إلى نحو تسعين خطًّا فرعيًّا!

كما خرجت الفنون الأخرى خادمةً للمصحف والمسجد، فابتدع الفنانون الأوائل الزخرفة (التوحيدية) والتذهيب، والعمارة، والأرابيسك، والبورسلين، وغيرها لتخدم الخط، الذي يخدم بدوره المصحف والمسجد، ثم ليخرج هذا الفن الراقي بعد ذلك في القصر، والسبيل، والتكية، والخانقاه، والبيمارستان، وعلى أغلفة الكتب، بل والثياب، والسيوف، والأعلام وغيرها!

فلا بدع أن أقول إنه أبو الفنون الإسلامية، وباعثها، وهو الذي ملأ الحياة المسلمة تشكيلات وتكوينات وألوانًا أفانين!

فرحمة الله على الخطاطين الرواد، والمتقنين، الذي حفظوا القرآن بالسطر، كما حفظه القراء في الصدر، وحفظه الرعيل الأول بالعمل!

وهذا يوضح لنا مقولة المفكر الفرنسي المسلم جارودي رحمه الله؛ من أن جميع الفنون تؤدي إلى المسجد، والمسجد يحمل على الصلاة! وأنه نقطة الالتقاء لجميع الفنون الإسلامية!

– هل استطاع “الخط العربي” أن يجذب إليه شغوفين من خارج الناطقين باللغة العربية؟

إذا كان قصدك بعض الخطاطين المعاصرين، فألف نعم! فهناك خطاطون مجازون، بلغوا مستويات حسنة بل فائقة، وحسبك كبار المعاصرين من إستانبول كداود بكتاش، ومحمد وعثمان أوزجاي، وفرهاد قورلو، وحسن شلبي، وفؤاد باشار، ومن الأكراد حسبك صباح الأربيلي، وبجار الأربيلي، وأحمد عبد الرحمن الأربيلي، وغيرهم، وحسبك محمد زكريا من أمريكا، ومنيب أوبرادوفيتش من البوسنة، ونوريا جارسيا ماسيب من إسبانيا، وجواد خوران من إيران، ومن اليابان فؤاد هوندا، وكلهم حاصلون على إجازات، وجوائز دولية أولى!

هذا عدا العرب الذين كان الخط قد مات أو كاد في بلادهم منذ أوائل السبعينيات، فخرج منهم الآن مبدعون فائقون يجب أن نقف لهم احترامًا!

ولعلك أيضًا لا تتصور أن في إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، نهضة خطية عجيبة جدًّا، وخطاطون متميزون أصلاء! وأكثرهم لا يزالون في مرحلة الشباب والعطاء الكثير!

– إذا كانت الفنون بنت حضارتها، ووثيقة الصلة بثقافتها.. فما القيم والمعاني التي يعكسها “الخط العربي” ويُفصح عنها؟

أشرت في السطور الماضية إلى أن فنون الإسلام توحيدية، لا تحوي رموزًا مخلة، ولا إيحاءات بذيئة، ولا تعرف التجسيد، ولا عبادة الأشخاص؛ فلم يرسموا صورًا، أو يصنعوا تماثيل لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا للصحابة والعلماء، ولم يرسموا شيئًا مبتذلًا قبيحًا، أو عاريًا مستبيحًا؛ ولا شركيًّا مهلكًا؛ بل لجؤوا للتجريد بدل التجسيد، واخترعوا الزخرفة النباتية، أو الهندسية التي تبدأ من نقطة مركزية واحدة، ثم تمتد في كل الاتجاهات؛ حتى إنها يمكن أن تغطي أي مساحة مفتوحة على الأرض!

كما مزجوا بين الخط والزخرفة واللون والشكل- خصوصًا في الخطوط الكوفية – بشكل عجيب جدًّا، يؤكد الهوية النقية للفنون الإسلامية.. في حين أنك تجد العري في الفنون الرومانية والإغريقية من ألفي سنة، حتى إنهم جسدوا الآلهة، والأنبياء، والقديسين، عراة مجردين! كما ترى في أعمال مايكل أنجلو المرسومة والمجسدة في كنيسة سستين!

وحتى في الفنون الفرعونية كانوا أيضًا عراة لا يُستر منهم إلا العورة المغلظة، سواء في ذلك الرجال والنساء!

ويؤسفني أن أقول إن ذخائر الميراث الفني الإسلامي المسروقة، والمهربة، باتت مبعثرة في المتاحف العالمية، أو عند أصحاب المجموعات الخاصة، وبعضها يهدم عمدًا، أو يترك ليهتم دون أن يلقى أي قدر من الاهتمام والرعاية!

وإنك لو دخلت المتحف البريطاني وحده لوجدت في أجنحته عشرات الألوف من القطع الأصلية الثمينة، والنادرة، كبيرة الحجم، وبعضها يساء توصيفه، ويوجه اتجاهات مغرضة منحرفة!

وقد رأيت مجموعة من القطع الفنية في متحف شيكاغو- وهو ضخم- من مصر وسوريا والعراق والمغرب، كتب عليها كلها إنها من الفنون الفارسية؛ فتأمل!

– كيف تأثر “الخط العربي” بالتطور الكبير في عالم الكمبيوتر؟

كان الخط في سبعينيات القرن الفائت في حالة مرضية شديدة، بعد موت كبار الخطاطين، وسيطرة خطاطي (السوق) غير المتقنين، ولا الدارسين.

وفي عام 1985 على التحديد انطلقت المسابقة الدولية الأولى في الخط العربي برعاية مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية- إرسيكا، في إستانبول، ليقبَّل فن الخط قبلة الحياة، ويضخ دماء جديدة في شرايينه، ثم ليخرج منذئذٍ عشرات من كبار المبدعين، الذين أضافوا بصمات عظيمة ورائعة ومنهجية شديدة التقدم، إلى فن الخط العربي!

وحسبك داود بكتاش، ومحمد فاروق حداد، وشيرين صابر، وصباح الأربيلي، وأحمد فارس، وعبد الرزاق قره قاش، ونعمان جمعة، وأحمد أمين شمطة!

وحسبك من التشكيليين المبتكرين (بالحروفية) بالخط العربي الإيرانية ساناز البرزي، والسوري خالد الساعي، والعراقي وسام متى!

الخطاطون من اليمين: أحمد فارس، فاروق حداد الحمصي، محمد أوزجاي، البسيوني

وفي ظل هؤلاء انتفض الخط العربي من رقدة غبية! وهم يثبتون- بامتياز- أن الكمبيوتر أعجز ما يكون عن مجاراة اليد البشرية، والإبداع الإنساني في الخط العربي، وإن كانوا يستعينون به في تنفيذ بعض أعمالهم، لكن أيديهم وفنهم هما الأساس.

وأكثر استعمال الكمبيوتر الآن صار في لافتات الشوارع، وعناوين الصحف والمجلات،  وقد جنى جناية عظيمة على الذوق الفني؛ فإنه بلا روح، ولا تنوع، ولا إبداع، وأكثر من يكتبون حروفه ليسوا من الخطاطين المرموقين المعروفين!

وتخيل أن الصحف والمجلات في الماضي كان يكتب عناوينها نجيب بك هواويني، ومحمد حسني، وسيد إبراهيم، بل حتى لافتات الشوارع، لتدرك مدى انحدار الذوق العام في هذا الباب!

لكننا الآن في عصر ذهبي، لا شك فيه، للخط العربي الأصيل!