أثناء عقد المؤتمر الصحفي الخاص بجائزة الدوحة للكتاب العربي، والذي احتضنه المركز القطري للصحافة، قدم السيد عبدالرحمن المري المستشار الإعلامي للجائزة والدكتور عبدالواحد العلمي ، جملة من التفاصيل والمعلومات المتعلقة بهذه الجائزة، خاصة موعد حفل تكريم الفائزين بالدورة الثانية للجائزة التي تتخذ من العاصمة القطرية مقرا لها.

وعلى هامش المؤتمر الصحفي، التقى “إسلام أون لاين” بالمدير التنفيذي لجائزة الدوحة للكتاب العربي الدكتور عبدالواحد العلمي فكان هذا الحوار الماتع، حيث ألقى الدكتور عبد الواحد مزيدا من الضوء على هذه الجائزة الثقافية المرموقة، فكرة إنشائها وتأسيسها وأهدافها ومميزاتها عن غيرها من الجوائز العلمية والثقافية في قطر وخارج قطر.

في البداية هل لك أن تعيطنا نبذة بسيطة عن “جائزة الدوحة للكتاب العربي” التي تم استحداثها مؤخرا، وهي بصدد عقد دورتها الثانية؟

كما تعرفون جائزة الدوحة للكتاب العربي مؤسسة فتية انطلقت قبل عام فقط. وفكرة جائزة الدوحة للكتاب العربي فكرة نبيلة في أصلها. فهي محاولة للرقي بالإنتاج العلمي والفكري والرقي بمستوى واقع الكتاب العربي. فعندما يفتح باب المنافسة بين الباحثين في حقل معين يتعود الباحثون على التباري بهذا الشكل، وبالتالي يرتفع المستوى بعض الأحيان، فربما تحجب جوائز، وربما تعلي شأن من شؤون المعايير والشروط.

هذا من شأنه أن يجعل المؤسسة والجائزة قبلة للجودة، وقبلة للكتاب الجيد والإنتاج العلمي الجيد. هذه هي فلسفة الجوائز بصفة عامة، وجائزة الدوحة للكتاب العربي لا تشذ عن هذا المنحى. مراد الجائزة ليس فقط إعطاء الجوائز. فالهدف ليس أن نخرج ميزانية كل سنة ونوزعها وينتهي الأمر.

الفكر العربي الإسلامي لا يمكن أن يرتقي إلا بأجنحته المعروفة في التراث

جائزة الدوحة للكتاب العربي ظهرت منذ سنة فقط.  في الدورة التأسيسية الأولى لجائزة الدوحة للكتاب العربي لم نفتح باب الترشح بل اللجنة العلمية المسيرة للجائزة هي التي قامت باختيار ثلة من العلماء والمفكرين، طبعا وفق معايير علمية صارمة ومنضبطة. فتم تكريم عشرة شخصيات في حقول معرفية متعددة، في التاريخ والفلسفة والتحقيق والدراسات القرآنية والبلاغة العربية.

هذه الدورة كانت تأسيسية واستثنائية في آن واحد. فيما بعد بدأ الترشح للجائزة بصورة طبيعية، وتوقفت اللجنة عن اختيار أو ترشيح أسماء بنفسها. وبدأت الترشيحات تأتي من ذوات الفاعلين الثقافيين أنفسهم. فتحنا باب الترشيح، فجاءت الترشيحات، والحمد لله، بأعداد ضخمة لم نكن نتوقعها في العديد من التخصصات والمجالات العلمية.

في المجالات الخمسة التي تشتغل عليها جائزة الدوحة للكتاب العربي قمنا بعملية التحكيم مع أرقي المحكمين المرموقين الذين تفاعلوا مع طلباتنا، خاصة من جانب احترام الشروط الصارمة التي وضعناها وكنا نطلبها منهم. وانتهت عملية التحكيم والحمد لله وقمنا بالفرز وإن شاء الله سيتم الإعلان عن قائمة الفائزين.

كيف تقيمون الدورة الأولى من حيث فئات جائزة الدوحة للكتاب العربي وأيضا من حيث الزخم الاعلامي وطبيعة المشاركات والكتابات؟

كما أسلفت القول. كانت المشاركات أكبر بكثير من توقعاتنا وصلتنا مشاركات من أسماء كبيرة ولامعة في الأوساط العلمية والثقافية. وفي واقع الأمر، نحن في عملية التحكيم لا تعنينا الأسماء اللامعة، بقدر ما تعنينا طبيعة وجودة المشاركات، المعايير الصارمة تطبق على الجميع دون استثناء. وسوف ترون ذلك في قائمة الجوائز. هناك باحثون شباب فاقوا أساتذة كبار في مجالاتهم. هناك أيضا أساتذة كبار فازوا باستحقاق. وأسماء كبيرة ترشحت. الحمد لله في كل المجالات، ومن ألمع الأسماء وهذا كان من فضل الله سبحانه وتعالى.

ماهي المجالات التي تفوقت عن غيرها مثلا في جائزة الدوحة للكتاب العربي؟

من الناحية الكمية كان مجال الفلسفة والدراسات الاجتماعية هو الذي كانت فيه النسبة الأعلى من المشاركات.

لماذا تولي جائزة الدوحة للكتاب العربي اهتماما بالفلسفة والدراسات الاجتماعية؟

الاهتمام غير مخصص فقط للفلسفة والدراسات الاجتماعية لكن نحن فتحنا باب المشاركات في هذا المجال. رؤيتنا هي أن الفكر العربي الإسلامي لا يمكن أن يذهب بعيدا إلا بأجنحته المعروفة في التراث العربي الإسلامي.. هناك تكاملية. خذ أي شخصية علمية من التراث الإسلامي مثل الغزالي ترى فيه هذا البعد الفلسفي وهذا البعد الفقهي وهذا البعد الصوفي وهذا البعد العلمي.

خذ أي مثال آخر، فأي فقيه أو فيلسوف يمكن أن ترى فيه هذه الأبعاد. ورؤيتنا ليست بعيدة عن هذا المنطق؛ فاذا أردنا النهوض والإسهام في الرقي بالمشاركات العلمية في هذا المجال، لا بد من أن يكون هناك حضور لجميع القطاعات المعرفية التي كانت معروفة في التراث العربي. لا يجب أن نسقط في الإقصاء. كأن نقصي مثلا العلوم الشرعية أو الفلسفة، بأي حجة كانت، إيديولوجية أو غيرها.

مؤتمر صحفي حول جائزة الكتاب العربي، يظهر فيه شخصان يجلسان خلف طاولة مع زهور. خلفية تحمل شعار مركز قطر للصحافة وتفاصيل الحدث.
السيد عبدالرحمن المري المستشار الإعلامي للجائزة (يمين) والدكتور عبدالواحد العلمي (يسار) في المؤتمر الصحفي لجائزة الكتاب العربي

هذه الرؤية التكاملية كانت لها الغلبة والكلمة العليا داخل اللجنة، وفسحت المجال للفلسفة والدراسات الاجتماعية (أي العلوم الإنسانية)، كما فتحت المجال أيضا للعلوم الشرعية والتاريخ والتحقيق والدراسات اللغوية.

سؤالك يجرنا للقول: صحيح هناك اهتمام قليل جدا وهناك ندرة في الجوائز التي تجمع بين البعدين، نادرا جدا أن ترى بين الجوائز من يجمع باحثين في الفلسفة وباحثين في العلوم الشرعية. واسمح لي أن أقول هنا: في الحفل التأسيسي اندهش الناس، فالباحثون في مجال الفلسفة التقوا بالباحين في العلوم الشرعية، فحدث مزيج عجيب لاحظه وشعر به جميع الحضور، ودارت نقاشات في أجواء صحية ثقافية وعلمية ميزها تبادل الآراء والأفكار، وتلكم كانت رؤيتنا التي التي تسند هذا الاختيار.

هل هذا يعني أن اهتمام جائزة الدوحة للكتاب العربي بأصول الفقه وعلم المقاصد والعلوم الشرعية هو التأكيد على عدم الفصل بين التراث العربي الإسلامي وهذه العلوم؟

طبعا هذا الذي قصدناه. وهناك أمثلة كثيرة في تاريخنا العربي والإسلامي. خذ أي رمز من رموز الإصلاح العربي الإسلامي قديما أو حديثا، لا يمكن إحداث نهوض وإصلاح في الفكر العربي الإسلامي إلا بالجمع، ومحاولة -لا أقول التوفيق- لكن محاولة منسجمة للاشتغال داخل هذه القطاعات المعرفية.

وصلتنا مشاركات بأعداد ضخمة لم نكن نتوقعها في كل التخصصات ومن أسماء لامعة

لا يمكن النهوض بالفقه فقط ونقول هي نهضة للفكر العربي، أو النهوض بالفلسفة ونقول إنها نهضة بالفكر العربي! لا يجب أن تكون هذه القطاعات معزولة عن بعضها البعض، بل يجب أن تكون منسجمة في بوتقة منظومة فكرية لكي يكون التجديد مجديا.

هناك مجال مهم في قطاع الثقافة العربية هو الترجمة، لكن يبدو أنه قد تم استبعاده من جائزة الدوحة للكتاب العربي. هل لك أن تفسر لنا لماذا؟

ليس استبعادا، بل هي طبيعة الأشياء. نحن قلنا إن للترجمة جائزتها المستقلةوهي جائزة الشيخ حمد للترجمة التي تفتح كل سنة باب الترشح لمن يترجم إلى العربية ومن العربية إلى لغات أخرى. هذه الجائزة كما تعرفون أمضت عشر سنوات في هذا المجال، وهي طبعا لها مسارها وقوانينها وتخصصها.

تخصصنا نحن هو الكتاب، الكتاب الذي يكتب باللغة العربية ويؤلف للقارئ العربي أصالة. لا نقصد أن الموضوع يجب أن يكون عربيا أو موضوعا. لكن نحن نقصد الكتاب الذي يستهدف القارئ العربي بالدرجة الأولى.

ألا ترون أن استحداث جائزة الدوحة للكتاب العربي في ظل هذه الثورة الرقمية يعتبر مغامرة غير مضمونة النتائج؟

أنا من الذين يرون أن هذا الكلام غير صحيح، وأن مسألة التنبؤ باختفاء الكتاب الورقي كلام سمعناه منذ أكثر من قرن، يعنى قبل الثورة الرقمية التي يتحدثون عنها. وبالمناسبة اتضح أن هذا الأمر ليس له أي تأثير يذكر على الكتاب، وأن هذا الكلام غير واقعي ولن يحصل أبدا. الكتاب محافظ إلى يومنا هذا على أولويته.

27 مؤسسة و89 فردا تقدموا بإنجازاتهم ومجمل مشاركاتهم وأعمالهم

أنا شخصيًا لا أعرف أناسًا لم يكونوا يقرؤون عندما لم يكن هناك كتاب رقمي، ثم أصبحوا يقرؤون الكتاب الرقمي. من كانوا يقرؤون الكتاب الورقي، يقرؤون الآن الكتاب الورقي والرقمي. الكتاب الرقمي لم يحدث ازديادًا في القراءة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الكتاب الورقي ما زال محافظًا على أولويته، خاصة في دراسة الأبحاث العلمية والأكاديمية.

صحيح أن الكتاب الرقمي يسهل التواصل ويسهل انتشار الكتاب، لكن هذا لا يعني أن الكتاب الورقي سيختفي. إذا كان قصدك قضية انخفاض مستوى القراءة، فهذا حتما ليس بسبب ظهور الكتاب الرقمي أو الثورة الرقمية. لا أظن ذلك. فانخفاض القراءة له عوامل عديدة أخرى كثيرة ظهرت قبل هذه الثورة الرقمية.

وضعنا شروطا صارمة ونتعامل مع 30 من أرقى المحكمين المشهود لهم بالكفاءة والتخصص في العالم العربي

عموما، أنا من المتفائلين أنه بخلاف ما يمكن أن نتصور للكتاب المتخصص مثلا في مجالات دقيقة معينة مثل هذه المجالات التي نشتغل عليها له قراؤه، وله شعبيته، بعيدا عن هذه النخبوية التي نتهم بها الكتاب بصفة عامة.

فمثلا نحن متأكدون أن الكتاب الذي سيفوز في هذا المجال أو ذاك، مثلا في اللسانيات أو في الفلسفة أو في التاريخ أو في أصول الفقه سيكون له اهتمام من قبل الطلبة والباحثين والأساتذة، هذا مما لا شك فيه، وإلا فأنا لا أعرف أي اختفاء لمعارض الكتب في العالم العربي، ولا أعرف أيضا، ولم أسمع بإغلاق أي مكاتب، والمكتبات الحمد لله ما زالت موجودة. في مدينتي بالمغرب التي كنت أقطن فيها، ورغم كل التغييرات التي نشهدها، لا أعرف مكتبة قد أغلقت أبوابها، بل تجدها قد طورت من عملها لكن لم تغلق أبوابها.

في نفس إطار المجال الرقمي، هناك عامل آخر من شأنه أن يؤثر على مجالات النشر والكتب وهو الذكاء الاصطناعي، هل توظفون هذا العامل في مسابقة جائزة الدوحة للكتاب العربي؟

لا. إذا قصدت في قضية الترويج والإعلام ربما. ربما أنا لست متخصصا في هذا المجال، لكن في قضية التعامل مع محتوى الكتاب والتحكيم و ما إلى ذلك، فأنا لا أرى ضرورة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، وهذا يذكرني بإحدى الأستاذات الكريمات التي كانت قد سألتنا في أحد المؤتمرات بإمكانية فتح الباب أمام الكتاب المكتوب عن طريق الذكاء الاصطناعي، وقالت هذا هو المستقبل.

أنا شخصيا استهجنت الفكرة وقلت أن هذه مساهمة في قتل المؤلف، قتل الإنسان. أنا لست ضد استعمال الذكاء الاصطناعي في بعض المقالب السريعة والمجالات المساعدة في البحث، لكن أن نخلي الساحة تماما من المؤلف الإنسان لنعطي الآلة حتى تكتب لنا في هذا المجال، أو تقدم لنا تقريرا معينا في مجال من المجالات العلمية، فهذا سيكون في رأيي الشخصي إعدام للإنسان وإساءة للإنسانية وإسهام في إضعافه وفي قتله بوسائل تكنولوجية.

من النادر جدا وجود جائزة تجمع بين الفلسفة والعلوم الشرعية

ليست هذه المرة الأولى التي يحتفي فيها الناس بدور التكنولوجيا وتقليص دور الإنسان، الأمر يحدث منذ الخمسينات، عندما تم اختراع الحاسوب وظهر أول لأول مرة، كم من تنبؤات ظهرت وأبرزت اختفاء الذكاء الإنساني وبأنه سيفسح المجال إلى الآلة .. الآن نحن تقريبا على بعد قرن من هذا الكلام، وها نحن في لحظة معينة ما زلنا موجودين.

الإنسان هو الأساس والإنسان هو الذي يفكر، الانسان هو الذي يوجه الآلة وليس العكس. صحيح أن بعض الأبحاث دلت على أن اللغة العربية ما زالت غير مخدومة أو غير موظفة توظيفا سليما في قضية الذكاء الاصطناعي. الأمر يدعو إلى الضحك في بعض الأحيان عندما يتعلق الأمر باللغة العربية، وهذا لا يحدث في الإنجليزية أو الفرنسية، لأن المادة الشبكية موجودة.

في بعض فروع جائزة الدوحة للكتاب العربي لاحظنا تخصيص جائزة خاصة بالمحققين لأعمال التحقيق في النصوص والتراث. ما سبب اختيار هذا الحقل المعرفي؟

على خلاف ما يعتقده البعض بأن التحقيق العلمي في مجال الكتب هو عملية سهلة ومجرد عملية تجميعية أكل الدهر عليها وشرب، وأنه ممكن أن نكتفي ببعض الكتب المطبوعة التي تخدم الغرض وانتهى الأمر. هذا طبعا رأي خاطئ وتبسيطي، التحقيق العلمي للنصوص هو اشتغال طويل الأمد على محاولة لنشر كتاب كما كتبه مؤلفه، وهذا (دونه خرط القتاد) كما يقال.

التحقيق العلمي ضروري وهناك آلاف المخطوطات تنتظر التحقيق

في بعض الأحيان التحقيق العلمي عملية صعبة تتطلب اطلاع على قطاع واسع من المخطوطات، التي قد تصل إلى العشرات أو إلى المئات في بعض الأحيان، مخطوطات عزيزة ونادرة تقارن بينها وتشتغل في مضامينها لغويا ونحويا وأسلوبيا إلى آخره. وهذا يتطلب كفاءة لغوية وبحثية ومنهجية. لماذا هذا كله؟

الجواب لكي يخرج النص في حلة علمية مقبولة ومستقيمة ينتفع بها الباحثون. فكم من الكوارث قد حدثت بسبب كتاب قد حقق بشكل سيء علميا، ففهم الناس منه عكس ما أراد المؤلف. وهذا حصل في كثير من القطاعات المعرفية. لهذا نحن نعتقد أن التحقيق يعني قطاعا علميا راسخا وخاصة في العالم العربي، حيث ما زال هناك آلاف مؤلفة من المخطوطات التي تنتظر التحقيق. وبالتالي فإن تشجيع التحقيق وتكريم أصحابه أمر رأيناه مناسبا بل وضروري. لهذا فتحنا هذا الباب.

هل لك أن تطلع القراء على آلية لجنة جائزة الدوحة للكتاب العربي لاختيار الفائزين سواء فئة الكتاب المفرد أو فئة الإنجاز. وكيف تتم عملية الاختيار وماهي المعايير؟ وهل هناك أسماء معروفة سيتم تكريمها مثلا في الدورة؟

عندما تم إغلاق باب الترشح وتلقينا تلك الأعداد الكبيرة من الكتب والمشاركات التي استقبلتها اللجنة، تم فرز الكتب التي تحترم الشروط سواء الصورية منها أو الشكلية، بالإضافة إلى قضية رقم الإيداع، فالكتاب الذي لا يحمل رقم إيداع يقصى مباشرة، كتاب لا يحترم الحجم المطلوب وهو 30 ألف كلمة يتم إقصاؤه أيضا.

هناك أيضا بعض الشروط الشكلية التي لا تقبل فيها المشاركات مثل الكتاب الصادر منذ أكثر من ثلاث سنوات، والكتاب غير المطبوع أو المصور .. هذه الحالات من المشاركات لا يتم فبولها، وهذه شروط أساسية لا تنازل عنها.

أصدقك القول، رغم الأعداد الضخمة من الكتب التي نتلقاها، هناك الكثير من الكتب التي تُقصى لأن أصحابها -للأسف -لم يقرأوا جيدا الشروط والقوانين المعلن عنها في الموقع الرسمي لجائزة الدوحة للكتاب العربي.

تخصصنا هو الكتاب الذي يكتب باللغة العربية ويؤلف للقارئ العربي أصالة

كما هناك أمر آخر، هذه السنة مثلا لم نأخذ كل العلوم الشرعية، حيث خصصنا فقط أصول الفقه والمقاصد والقواعد الفقهية، وبالتالي كل المشاركات في علوم الحديث لم يتم اعتمادها، ومع ذلك بعض الكتاب أرسلوا إلينا مشاركاتهم في علم الحديث أو علوم القران، وطبعا في هذه الحالة تقوم اللجنة التي تضم كفاءات علمية مشهود لها باستبعاد هذه المشاركات. ثم نمضي إلى المرحلة الثانية وهي الثقل العلمي للكتاب بعد قراءته وقراءة المقدمات ولائحة المراجع، ثم تتم المقارنة ثم تقول اللجنة هذا الكتاب يُحكم أو لا يُحكم.

وبعد اختيار الكتاب نتصل بالمحكمين وهم أساتذة فضلاء متخصصين في مجالات معينة اختصاصا دقيقا، فعندما يتعلق الأمر مثلا بكتاب في المقاصد، نظرية التعليل مثلا، أو في أصول الفقه الإسلامي، هذا الأمر يتطلب شخصا متخصصا في أصول الفقه أولا وعارفا جيدا بقضية التعليل والمقاصد. عندما يتعلق الأمر بكتاب مثلا في نظرية المناسبة أو في اللسانيات التداولية، من الضروري الاعتماد على أستاذ متخصص ليس فقط في اللسانيات لكن في قطاع التداوليات بالضبط.

العملية دقيقة وليست سهلة ونحن نختار لها محكمين ونتعامل مع أكثر من 30 محكم من العالم العربي وأيضا خارج العالم العربي، مشهود لهم بالكفاءة وأصحاب إنتاج غزير وراق في تخصصاتهم.

هذا يضعنا ربما أمام مسألة التجديد التي تطرحها وتشترطها جائزة الدوحة للكتاب العربي. ما نوع التجديد المطلوب أو الإطار العام لهذا التجديد خاصة في قضايا مثل التراث والفلسفة؟

نحن لم نستعمل مصطلح “التجديد”. استعملنا مصطلح “الإضافة المعرفية”. والإضافة المعرفية قد تكون تجديدا طبعا، وقد تكون تجديدا منهجيا في مثلا مقاربة منهجية جديدة يأتي بها صاحب الكتاب في مجال معين ولها وجاهتها وكفاءتها. قد يتعلق الأمر بتجديد في الرؤية إلى بعض الأفكار والمضامين في بعض العلوم، مثلا في التاريخ باكتشاف وثائق جديدة في قضية ما، كما قد يكون التجديد على مستوى المنهج، والتجديد على مستوى المحتوى والمضمون، وقد يكون على مستوى الأساس المعرفي للعلم كله مثلا. وطبعا من النادر جدا العثور على من يجدد العلم كله من خلال الأسس، هذا صعب جدا.

الإضافة المعرفية أيضا تتحقق أيضا بطرق موضوع لم يتم التطرق له من قبل في مجال معين، سواء في حقل اللسانيات مثلا أو في حقل العلوم الشرعية أو غير ذلك. إضافة إلى العمق التناول. للأسف الشديد يتم استبعاد المشاركات التي لم تقدم أي إضافات معرفية، وكانت عبارة عن تجميع لمقالات كتبت في أزمنة متناثرة، أو كتب هي بمثابة دروس جامعية موجهة للطلبة، حتى وإن تضمنت على ناظم واحد، لكن في النهاية هي مجرد دروس ذات هدف تربوي بيداغوجي تبسيطي الى اخره.

تخصصنا هو الكتاب الذي يكتب باللغة العربية ويؤلف للقارئ العربي أصالة

كما هناك بعض الكتب التي تقوم على التكرار بشكل واضح. يقوم الكاتب بسرد تاريخي ثم يأتي ويكرر نفس المباحث. مثلا هناك كتب كثيرة في أصول الفقه أو في تاريخ اللغة العربية بهذا الشكل، يكتب المشارك أو الكاتب مقدمة في أصول الفقه ويضع بابا في مصادر الفقه والسنة والإجماع والقياس. ويذكر المصادر المجمع عليها وغير المجمع عليها.. الاستصحاب والاستحسان. ويكرر نفس الكلام الذي هو في الأصل موجود في كل الكتب. قد يكون هذا الكتاب مكتوب بشكل جيد من الناحية البيداغوجية، لكن ليست هذه هي الإضافة المعرفية التي نريدها.

وهناك نوع من الكتب يدعي صاحبه أنه جاء بما لم تأت به الأوائل. وعندما تغوص في عمق الكتاب، تكتشف بين طياته كلاما غير معقول غير مؤسس وغير منطقي.

في موضوع تقسيم الجائزة بين الأفراد والمؤسسات. ألا تعتقدون أن هذا الأمر قد يكون له تأثير سلبي على جانب واحد خاصة بالنسبة للأفراد؟

لا الحمد لله الأفراد كثيرون، وهم الغالبون في المشاركات، أما المؤسسات فلدينا في العالم العربي مؤسسات، لكن المؤسسات ذات الوزن الثقيل، وذات التاريخ الطويل والعطاء العلمي والثقافي والمنهجي للأسف ليست كثيرة، والحمد لله لدينا تقريبا 27 مؤسسة على ما أذكر تقدمت بملفاتها في مجمل إنجازاتها، بينما بلغ عدد الأفراد تقريبا 89 فردا قدموا مجمل أعمالهم.

فتح الباب أمام الكتاب المكتوب عن طريق الذكاء الاصطناعي إعدام للإنسان وإساءة للإنسانية

هناك مسألة مهمة أيضا في التقييم هي التواصل أو الاستمرارية، فمن بين شروط جائزة الدوحة للكتاب العربي سواء للأفراد أو المؤسسات أن يكون هناك تواصل في العطاء. مثلا عندما يعمل أحدهم 30 سنة في مجال واحد، وقدم فيه كل ما استطاع من وقت وجهد وعلم وإنتاج وانسجام داخل العطاء، فهذا يحسب له، ويزيد من ثقل موقفه في مشاركته في جائزة الدوحة للكتاب العربي.

وهذا عكس مشارك آخر كتب في الصحافة والمسرح والثقافة وغيرها في مواضيع متناثرة لا رابط بينها. العبرة ليست في كثرة الكتابات أو عدد الكتب بل في تواصل العطاء. هناك من يعتقد أنه كتب 30 أو 40 كتابا وبالتالي وصل إلى قمة العطاء. هذا غير صحيح. العطاء يجب ان يكون منهجيا. ونحن نفضل أصحاب الكتب الذين كان لهم أثر علمي أو مدرسة في مجال معين عن الذين كان يكتب لنفسه فقط، أو يكتب بدون أن يكون لكتاباته أي أثر، حتى وإن كان فيها عمق معين. هذه بعض المعايير التي تحدد طبعا اختيارات اللجنة.

كيف كانت التأثيرات بالنسبة للكتابات المشاركة؟ هل كانت كتابات في مجال التربية والتعليم مثلا أو في مواضيع مثل الشريعة والثقافة الإسلامية والفقه؟

تقصد ما هي المواضيع التي كانت غالبة؟

لا، التي كانت مؤثرة أكثر.

بالنسبة للتربية والتعليم. هذا الموضوع أغلبه يدخل إما في علم التربية أو في علم النفس التربوي، وهذا مجال لم نأخذه هذه السنة. في العلوم الإنسانية أخذنا علم الاجتماع فقط، أخذنا الفلسفة وعلم الاجتماع. في شروط الترشح التي أعلنا عنها لدينا مجالات معينة، مجالات خمسة ثابتة، لكن كل سنة نعدد ونفتح مجالات معينة.

“الإضافة المعرفية” هي أحد شروطنا الأساسية ويمكن أن تتحقق بطرق ومجالات عدة

في هذه الدورة مثلا في الدراسات اللسانية والنقدية خصصناها للسانيات وفقه اللغة، الدراسات النقدية لم يكن لها نصيب هذه السنة، وفي التاريخ اخترنا تاريخ ماقبل الإسلام إلى غاية القرن السادس الهجري، بمعنى أن دراسات التاريخ المعاصر لا تدخل ضمن مشاركات هذه السنة؟ وفي الفلسفة لم نحدد المجال واخترنا الفلسفة العربية والأوروبية، وهذا لا يشكل أي عائق لأن المنشورات الفلسفية ضعيفة في الأصل وليست كثيرة. وفي العلوم الإنسانية خصصنا المجال لعلم الاجتماع، لأننا إذا فتحنا المجال لعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاقتصاد وعلوم أخرى فلا قبل للجنة علمية أو مؤسسة علمية أن تفحص كل هذا.

مراسم توزيع جوائز الإبداع العربي، حيث يقف فائزون مختلفون على المسرح holding جوائزهم، مع خلفية مزينة بشعار الجائزة. يضم الحضور رجالاً ونساءً من خلفيات متنوعة، يعكس التعاون الثقافي العربي.
جائزة الدوحة للكتاب العربي.. الدورة التأسيسية

في مجال التحقيق خصصنا الأمر فقط لتحقيق الكتب النقدية الأدبية في التراث. في السنة المقبلة ترقبوا إن شاء الله بعد الحفل سنعلن عن الفئات الخمسة أو الحقول الخمسة. لكن في كل حقل سنخصص علما آخر. مثلا في علوم الشريعة خصصنا كما قلت لكم علم الأصول والمقاصد والقواعد الفقهية، في الدورة القادمة سيكون هناك علم آخر طبعا. نحن نعمل بهذه الطريقة. أولا هذا التخصيص يمكننا من تقليص العدد، كما يمكننا من إشراك أكبر عدد من العلوم كل سنة ان شاء الله وفتح باب مجال لها.

للجائزة خمسة حقول ثابتة وكل سنة نجدد في كل حقل ونخصص علما آخر

هل سيتم خلال هذه الدورة الأولى تكريم بعض الشخصيات العلمية؟

اقتصرنا فقط على تكريم الفائزين الذين ترشحوا هذه السنة. لن يكون هناك أي تكريم لشخصيات معينة، كما أسلفت الذكر نحن لن نختار أو نرشح. فتحنا باب الترشيح، ترشح الناس، حكّمنا كتبهم، وحكمنا انجازاتهم، وهم الفائزون.

هل لديكم إضافة أو كلمة أخيرة ؟

والله أنا أشد على أياديكم في المضي قدما بالصحافة الثقافية والمتابعة العلمية والراشدة للفعل العلمي والثقافي والمعرفي في العالم العربي، لأنه مجالات الصحافة أو المواقع الإخبارية والإعلامية غطت على الساحة، ففي كل ركن وفي كل فرصة أو محل تجد التوجه الصحفي والإعلامي ينتشر وينمو مع انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، لكن المتابعة العلمية والثقافية للأنشطة الرصينة، لما ينشر من كتب وبحوث ودراسات عميقة ومحكمة، ولما يكتب وما يقال في مجال الثقافة لا يحظى بتلك العناية وذلك الاهتمام.. لهذا أشد على أياديكم في المضي قدما إن شاء الله بهذا المجال، وأشكر لكم اهتمامكم بجائزة الدوحة للكتاب العربي. 


أجرى الحوار: عمر عبدالله ونورالدين قلالة