قال الله سبحانه وتعالى { إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أيُّها الذينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسليمًا  } (سورة الأحزاب : 56 ). فما هو فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

يقول العلماء : الصلاة على النبي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين دعاء، فالمطلوب منا أن ندعوَ الله أن يَزيد من تعظيمه وإكرامه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم .

وإذا كانت النصوص قد أكّدت أن الله سبحانه أعطى لنبيِّه صلّى الله عليه وسلم من المكرُمات ما لا يمكن حصره إلا أنَّ طلبَنا هذا من الله لنبيِّه يُعَدُّ تعبيرًا عن مدى حُبِّنا له، وحبنا للرسول علامة من علامات صدق الإيمان، فقد ورد في الحديث ” لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكون أحَبَّ إليه من والدِه وولدِه ومن النّاسِ أجمعينَ ” كما جاءت روايات أخرى في هذا المعنى . قال ابن عبد السلام : ليست صلاتُنا على النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ شفاعة له، فإن مثلَنا لا يَشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بمكافأة مَن أحسن إلينا، فإنْ عجزنا عنها كافأْناه بالدعاء، فأرشدنا الله، لمّا علم عجزنا عن مكافأة نبيِّنا، إلى الصّلاة عليه .

وفي مدى مشروعيّة هذه الصلاة أقوال : أحدها أنّها تجب في الجملة بغير حصر ، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة، والثاني أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد، والثالث تجب كلما ذُكر، والرابع تجب في مجلس، والخامس تَجِب في كل دعاء، والسادس تجب في العمر مرة، في الصلاة أو في غيرها، ككلمة التوحيد، والسابع تجب في الصلاة من غير تعيين المحلّ، والثامن تجب بعد التشهد، إلى غير ذلك من الأقوال.

وقال جماعة : إنها مستحَبّة وليست واجبة. والبحث في أدلّة هذه الأقوال وترجيحها يمكن الرجوع إليه في كتب السيرة والحديث .

وهذه الصلاة تؤدَّى بأية صيغة كانت، وأفضلها ـ كما قال كثير من العلماء هي الصلاة الإبراهيميّة التي تُقال بعد التشهد الأخير في الصلاة، لأن الأحاديث الصحيحة وردت في أنها هي التي علَّمها النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لأصحابه عندما سألوه عقِب نزول الآية المذكورة، وفي ألفاظ هذه الصلاة الإبراهيميّة خلاف يسير جاءت به الروايات .

والفوائد التي نَجنيها من فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها فوائد دينيّة تتعلق بمضاعفة الأجر والثواب، والأحاديث المرغبة فيها كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم ” من صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ” رواه مسلم ، وقوله ” ما من أحد يُسلِّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ رُوحي حتى أردّ عليه السلام ” رواه أبو داود ، وقوله ” أولى الناس بي يوم القيامة أكثرُهم عليَّ صلاة ” رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وقوله ” البخيل مَن ذُكِرْتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ ” رواه الترمذي وقال : حسن صحيح .

هذا وقد قال النووي ” الأذكار ص120 ” : إذا صلّى أحد على النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: صلّى الله عليه فقط ولا عليه السّلام فقط.

ويُسَنُّ عند الدعاء أن يبدأ بالحمد لله أو بتمجيده والثناء عليه ثم يصلِّي على النبي ثم يدعو ثم يختم بالصلاة عليه، والآثار في ذلك كثيرة .

ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فسرت بثنائه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة عليه فسرت بدعائهم له فسرها بذلك أبو العالية كما ذكره عنه البخاري في صحيحه في مطلع باب {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} وقال البخاري في تفسير صلاة الملائكة عليه بعد ذكر تفسير أبي العالية قال ابن عباس: يصلون يبركون أي يدعون له بالبركة.

وفسرت صلاة الله عليه بالمغفرة وبالرحمة كما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماعة وتعقب تفسيرها بذلك ثم قال:  (وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقال الحافظ: وقال الحليمي في الشعب: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا ” اللهم صلى على محمد ” عظم محمداً والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} ادعوا ربكم بالصلاة عليه) .

وقال العلامة ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام في معرض الكلام على صلاة الله وملائكته على رسوله صلى الله عليه وسلم: ” وأمر عباده المؤمنين بأن يصلوا عليه بعد أن رد أن يكون المعنى الرحمة والاستغفار قال: بل الصلاة المأمور بها فيها – يعني  الآية الواردة في سورة الأحزاب  }إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } – هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاةً عليه لوجهين أحدهما أنه يتضمن ثناء المصلى عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله فقد تضمنت الخبر والطلب والوجه الثاني أن ذلك سمى صلاة منا لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله ثناؤه لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به “.

وأما معنى التسليم على النبي صلى الله لعيه وسلم فقد قال فيه المجد الفيروزآبادي في كتابه:  ” الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر. ومعناه: السلام الذي هو اسم من أسماء الله تالى عليك وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات وسلمت من المكاره والآفات إذ كان اسم الله تعالى إنما يذكر على الأمور توقعا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها وانتفاء عوارض الخلل والفساد عنها ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة أي ليكن قضاء الله تعالى عليك السلامة أي سلمت من الملام والنقائص فإذا قلت اللهم سلم على محمد فإنما تريد منه اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على ممر الأيام علواً وأمته تكثراً وذكره ارتفاعا” .

كيف نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

أما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين سألوه عن ذلك ، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, أذكر منها هنا ما كان في الصحيحين أو في أحدهما،

روى البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ” ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فأهدها إلي فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأخرج أيضا حديث كعب بن عجرة في كتاب التفسير من صحيحه في تفسير سورة الأحزاب ولفظه: ” قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد”. وأخرجه أيضا في كتاب الدعوات من صحيحه وقد أخرج هذا الحديث مسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه من طرق متعددة عنه.

وأخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه عن أبي سعيد الخدري “قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم” وأخرجه عنه أيضا في تفسير سورة الأحزاب.

وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء من صحيحه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأخرج عنه أيضا في كتاب الدعوات بمثل هذا اللفظ، وأخرج هذا الحديث عن أبي حميد رضي الله عنه مسلم في صحيحه.

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال. ” أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم” .

ما هي أفضل وأكمل صيغة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وهذه الكيفية التي علم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هي أفضل كيفيات الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله والصلاة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله

وممن استدل بتفصيل الكيفية التي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقد قال فيه (11/166) : ” قلت واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل ويترتب على ذلك لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن يأتي بذلك ثم ذكر أن النووي صوب ذلك في الروضة وذكر كيفيات أخرى يحصل بها بر الحلف ثم قال والذي يرشد إليه الدليل أن البر يحصل بما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه لقوله من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا فليقل: اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم.. الحديث والله أعلم “.

وقد درج السلف الصالح ومنهم المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بصيغتين مختصرتين إحداهما (صلى الله عليه وسلم) والثانية (عليه الصلاة والسلام) وهاتان الصيغتان قد امتلأت بهما ولله الحمد كتب الحديث بل إنهم يدونون في مؤلفاتهم الوصايا بالمحافظة على ذلك على الوجه الأكمل من الجمع بين الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم.

يقول الإمام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث: ينبغي له – يعني كاتب الحديث – أن يحافظ على كتبة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما – إلى أن قال -: وليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب (وسلم) وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين انتهى محل الغرض منه.