لماذا لم يعصم الله نبيه في مسألة الإذن لهم بالقعود عن الجهاد؟

قال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم:

(عفا الله عنك لِمَ أذِنتَ لهم حتى يتبينَ لك الذين صدقوا وتعلمَ الكاذبين) التوبة 43.

عفا الله عنك:

عفا الله تعالى عن رسوله قبل العتاب تكريمًا له (ابن عطية، والرازي، والقرطبي).

لمَ أذنت لهم: في القعود والتخلف؟

لا يفهم من الآية أن الله تعالى أراد خروجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد معه، بدليل ما قاله بعد آيتين: (كره الله انبعاثهم فثبّطهم (…) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم) التوبة 46-47.

حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين:

التقدير: ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك (الطبري) حتى يتبين لك …

(وانظر أيضًا: ابن عاشور)

قال الطبري:

“قالوا: استأذِنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنْ أذِن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا”!

معناه: لو لم يأذن لهم لقعدوا واستبان نفاقهم وكذبهم، كما ذكر الله في الآية!

لماذا لم يعصمه الله بالوحي هنا؟

لا أدري، لكن بيّن له بعد الوقوع. والبيان هنا لا يتعلق بالإذن للمنافقين بالقعود، لأنهم قاعدون على كل حال، والله لا يريد خروجهم. البيان يتعلق بكذب المنافقين.

قال القرطبي:

“قال قتادة وعمرو بن ميمون: ثنتان فعلهما النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يُؤمر بهما: إذنُه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه، ولم يكن له أن يمضي شيئًا إلا بوحي، وأخذُه من الأسارىٰ الفِدية، فعاتبه الله كما تسمعون” (وانظر أيضًا: ابن عطية، والزمخشري).

أقول:

أي الثانية قوله تعالى: (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يُثخِنَ في الأرض) الأنفال67.

هل يستفاد من الآية أن النبي يجوز له الاجتهاد من غير وحي؟

قال الرازي:

“مِن الناس مَن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحكم بمقتضى الاجتهاد في بعض الوقائع. واحتج عليه بأن قوله: (فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَـٰر) الحشر 2، أمرٌ لأولي الأبصار بالاعتبار والاجتهاد، والرسول كان سيدًا لهم، فكان داخلاً تحت هذا الأمر، ثم أكدوا ذلك بهذه الآية”.

أقول:

لا أظن أن هذه الآية يمكن أن يستفاد منها جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه في هذه الآية عوتب، ولم يقرّه الله على اجتهاده. لكن قد يقال: اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد، والله أعلم.