قال المحاضر بجامعة الكويت الدكتور مسعود صبري إن ” علوم الشريعة مازالت هي أقل العلوم تطورا، سواء على مستوى تطوير المحتوى التدريسي، أو تطوير الشكل، أو تطوير وسائل التعليم وأدواته، وإذا أردنا أن نسعى لتطوير تدريس علوم الشريعة والعربية من باب أنها تبع لها، فيجب أن تتضافر الجهود لوضع منهج تجديدي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، يحافظ على القديم الصالح، والجديد النافع”.
انطلق مسعود من هذه المشكلة خلال مداخلته في إحدى جلسات المؤتمر العالمي “للتعليم الشرعي وسبل ترقيته”، والذي نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر، من 15 لغاية 17 أبريل 2016م للبحث عن سبل نجاح المنهاج التعليمي للمدراس الشرعية ومعاهدها، وذلك من خلال تناول جوانب التعليم الشرعي، من حيث العناية بالمؤسسات التعليمية، وتأهيل جمهور الطلاب، وإعادة النظر إلى مضمون المقررات التعليمية، بما يتناسب مع روح العلم والعصر، والعناية بطريقة تدريس علوم الشريعة، وتأهيل المعلمين والأساتذة القائمين على تعليم علوم الشريعة، ووضع مقاييس لمدى كفاءة العملية التعليمية في علوم الشريعة.
وقد ارتأى مسعود فكرة وضع المعايير المناسبة التي بها تقاس جودة التعليم الشرعي كإجابة للمشكلة السابقة، لهذا قسم معايير جودة التعليم الشرعي إلى عدة محاور: المحور الأول- معايير الجودة في المحتوى، والثاني – معايير الجودة في طرق التدريس، والثالث – معايير الجودة في المعلم، والمحور الرابع – معايير الجودة في المتعلم. وأشار إلى ضرورة دراسة جودة التعليم الشرعي حين اعتبر نجاح المؤسسات التعليمية الشرعية قائما على معرفة مقاصد العلوم، إذ إن الدارس لا يتحصل العلم إلا بثلاثة أمور وهي: معرفة التصور العام للعلم، وإدراك مقاصد العلم، وتحصيل مسائل العلم.. فكل علم لا يستولي الطالب في ابتداء نظره على مجامعه ولا مبانيه فلا مطمع له في الظفر بأسراره ومباغيه.
واختار المقصود من جودة المنهج والمحتوى – وهو المحور الأول – من حيث مفهومه الأوسع، ويشمل أهداف المادة، ومحتواها وطرق تدريسها والتقييم، ويعرف المنهج بانه النخطيط الجيد للموقف التعليمي وتوزيعه على المجالات: المعرفي والمهاري والوجداني، وتحقيق الاهداف التعليمية وبناء جوانب الشخصية كالتعليم التعاوني والحوار، وتنمية النشاطا خارج الموقف التعليمي كالبحث والكتابة، واستعمال التقنيات الحديثة للتعليم.
كما يرى مسعود ضرورة تبسيط محتوى كتب علوم الشرعية بلغة سهلة قريبة للطلاب، متزامنا مع تقوية محتواها العلمي، ورجح العناية بالكيف قبل الكم، واستدل بما نقله عن الذهبي – رحمه الله- أن الإكثار من العلوم الشرعية المستحبة يوقع فيما لا استحباب فيه، كما يوقع الإكثار من المباحات في المكروهات. ويجب مراعاة الأهداف من التعليم الشرعي، وسماها المقاصد حيث يحققها المتعلم ويكتسبها وراء الدراسة.
وضمن الحديث عن تجويد المحتوى والمنهج في التعليم الشرعي أشاد الدكتور مسعود بالحاجة إلى تقريب التراث إلى المتعلم، والاحتفاء به كونه حضارة الأمة، ومصادر المعرفة، ودعا إلى النظرة المعتدلة في التراث الإسلامي بين التقديش والتبخيس، ويقرب محتواه إلى المتعلم بطريقة معاصرة، ولغة مفهومة لغاية الفهم والتفقه.
وتطرق مسعود للمحور الثاني من معايير الجودة المختارة، وهو معايير جودة طرق التدريس، فاعترض على طريقة التلقين التقليدية التي انتشرت في المدارس الشرعية حيث يغيب التفاعل الحقيقي بين الطلبة والمدرس، وهذا يؤثر على مستوى الاستيعاب لدى المتعلم، واقترح من أجل التجويد في طرق التدريس للعلوم الشرعية أمورا منها: الحرص على الفهم وتقديمه على الحفظ، والجمع بين المشافهة والمطالعة وعدم الاختصار على أحدهما دون الآخر، ومراعاة مبدأ التدرج في الشرح والتعليم، وذكر التكرار .. ومشاركة الطلاب في عملية التعليم، والحرص على تدريب الطالب لامتلاكهم مهارات العلوم الشرعية.
وفي المحور الثالث وهو معايير الجودة في المعلم، يرى مسعود الحاجة إلى إيثار المنهاج النبوي ﷺ في التعليم فإنه كان خير معلم، وإنما بعث عليه السلام ليكون معلم الناس الخير، وبناء على هذا يعتبر حسن اختيار المعلم أاو المدرس أحد عوامل نجاح التعليم الشرعي الأولية، واقترح مسعود عددا من الأوصاف يجب مراعاتها في المعلم من ذلك: حسن السيرة ، والكفاءة والمكنة من المادة، والقدرة على معايشة الطلاب.
وأنهى مسعود صبري هذا العرض العلمي بالمحور الرابع الذي أسماه بمعايير الجودة في طالب العلم، واعتبر المتعلم هو الحلقة الأضعف في منظومة التعليم والأهم في الوقت نفسه، لذلك أضحى ضرورة حسن اختيار الطالب المتلقي للعلوم الشرعية بناء على حصيلة الدرجات، وتقسيم الطلاب على التخصصات حسب القدرات الفردية المختلفة، وإسهامات المخرجات في المجتمع، فلا يصح أن نضع تخصصا لا ينتفع منه المجتمع، فإن ذلك يؤدي إلى الإسراف في الموارد العلمية والبشرية، كما أشار إلى بعض وسائل التي تساعد على تحسين مستوى الطالب في العلوم الشرعية المتخصصة، منها: مصاحبة التعليم الإضغاء والكتابة الجيدة للمادة، والمداومة على طلب العلم والتحصيل، وتنمية الذاتية والجهد الفردي إلى جانب التلقي عند المتعلم. وفي صدد هذا أوصى الدكتور مسعود بإنشاء مركز مناهج التعليم الشرعي الذي يعنى بتطوير مناهج المدارس الشرعية.