مما لا شك فيه أن الأسرة اليوم لا تربي أبناءها وحدها، بل يعتبر الأصدقاء والمدرسة والشارع وما يقدم على القنوات الفضائية وعلى شبكة الإنترنت شركاء في تشكيل شخصياتهم، ورسم خطوط مستقبلهم واختياراتهم –إن لم نقل المؤثر الأول.ومن أخطر المشاكل التي يعاني منها الأولياء عناد الأبناء خاصة في مرحلة المراهقة.
وفي ظل هذه الظروف، تزداد العلاقة بين الآباء والمراهقين سوءا لأسباب تتعلق بالأمية التربوية التي يعاني منها عالمنا العربي والإسلامي، والتربية اليوم علم وفن وللأسف غائبة عن برامجنا في كل المراحل التعليمية.
ولنرجع إلى مسألة عناد الأبناء بعد هذه الإضاءات حول الظروف التي نربي فيها أبناءنا. فمن الأبناء مثلا من يظهر عليه العديد من السلوكات التي يبدي فيها عناده، فتجده أو تجدها ترفض أداء الصلاة، والمساعدة في أعمال المنزل، وتصاحب أطفالا لا يوافق عليهم الآباء، وقد استخدمت الأم أو الاب مثلا كل الأساليب ومنها الضرب ولم تجد نفعا، فما الحل؟
العناد المزمن والعناد المفاجئ
لكي نفكر في الحل لابد من فهم الأسباب، فقد تكون البنت مثلا عنيدة بطبعها منذ الصغر، ومن الطبيعي أن يزداد عنادها في هذه السن، وقد تكون فتاة مدللة تعودت الحصول على ما تريد عن طريق الابتزاز العاطفي، أو أعفيت من مسئولية خدمة الذات، وبالتالي لا يمكن مطالبتها بأعمال البيت مرة واحدة ولا ننتظر منها الاستجابة فورا، والأمر الثالث أن يكون العناد قد ظهر بصورة مفاجئة مع مرحلة البلوغ، وهذه المسألة طبيعية في فترة المراهقة نتيجة الأزمات أو النمو الانفعالي الفسيولوجي بالنسبة للجسم وما صاحبه من إفرازات هرمونية، ولكن إذا بقيت الحالة مستمرة أو زادت عن حدها أو رافقتها مظاهر سلوكية غير صحيحة مثل الغضب أو الانفعال أو السلوك العدواني أو التوتر الدائم فهنا تتحول إلى مشكلة يجب علاجها بواسطة متخصصين.
الحقيقة أن مصدر العناد قد يكون أحد الأبوين، الأم أو الأب، للأسباب التي ذكرناها في البداية:
فإذا كانت الأم تنظر إلى ابنتها على أنها جزء منها، وأنهما كيان واحد وبالتالي تنتظر منها أن تفكر مثلها، وتتصرف كما تتصرف، فلا شك أنها ستغضب وستعتبر رفضها لأوامرها عنادا، والأم في هذه الحالة لديك صورة في ذهنها لما يجب أن تكون عليه ابنتها وكيف تتصرف – وكل الأمهات يفعلن ذلك تقريبا- وتضغط عليها لتكون بالضبط كما تريد هي، وهذا ما يجعل العلاقة بينهما متوترة ويدفعها للعناد باستمرار لتقول لها: أنا موجودة ولي كيان مستقل، وقد يكون هذا العناد وسيلة نصحتها بها صديقتها لتحصل على ما تريد وتتخلص من المسئولية.
خطوات مقترحة لتعامل الأم مع ابنتها العنيدة
هذه بعض الخطوات المقترحة نرجو أن تجد فيها الأم الفائدة المرجوة لمعالجة عناد ابنتها:
- فكري في كل الأسباب والظروف التي ذكرتها وانظري أيها أقرب إلى حالتك.
- اقرئي عن خصائص المراهقة واحتياجات المراهقين قبل البدء في أية خطة، و سترتاحين عندما تفهمين سبب تصرفات ابنتك.
- أخرجي نفسك من المشكلة وآثارها، بمعنى اتركي الغضب جانبا والقلق الزائد على ابنتك والتفكير فيما قد يصيبها، فكثيرا ما تدخل الأم في دائرة من الأفكار السلبية التي تتحول أيضا إلى مشاعر سلبية تعبر عنها بالصراخ وكثرة اللوم والانتقاد أو تظهر في تعابير الوجه، وهذا يؤثر على العلاقة بين البنت وأمها ويجعل التفاهم صعبا. وقد يؤدي ذلك إلى تمادي البنت في العناد ليمتد إلى علاقتها بإخوانها وبالآخرين في المدرسة والمجتمع ككل، وفي ذلك خطر على تشكيل شخصيتها.
- اتبعي إستراتيجية الحل، قولي لنفسك: ما الذي أستطيع فعله الآن لتغيير الوضع؟ حددي ما تريدينه من ابنتك وليس ما لا تريدين.
- ضعي أهدافا صغيرة وقابلة للتحقيق، وتأكدي أن الهدف لا يتعارض مع احتياجاتها الأساسية، مثلا قد يكون هدفك أن تترك ابنتك الصديقة التي ترين أنها غير مناسبة، هنا عليك أن تدركي أن الارتباط بصديقات من الاحتياجات الأساسية للمراهقة، وبالتالي فكري في البديل، مثلا تلجأ الكثير من الأمهات إلى تكوين مجموعة من الفتيات –بنات العائلة والصديقات- وتنظم أنشطة مناسبة ورحلات بإشراف الأمهات، ويمكن الاستعانة بمسئولة نشاط، وهذه وسيلة مجربة تعطي نتائج رائعة لتأطير المراهقين في جو آمن وممتع. وفي هذه الأنشطة كوني واثقة أنها ستصلي وستترك الكثير من السلوكيات غير المرغوب فيها لوجود القدوة الحسنة.
- شجعي ثقافة الحوار في بيتك واسمحي بحرية التعبير، ومن الأفكار الناجحة والمفيدة اجتماعات الأسرة -اليومية – في آخر النهار- لتفقد أحوال أفراد الأسرة ولخلق تواصل أسري. -الأسبوعية لمناقشة البرنامج الأسبوعي وأنشطة الأسرة وغيرها من الاهتمامات. وفي هذه الاجتماعات يسمح باختلاف الرأي وعرض الأفكار الشخصية ومناقشة مشاكل العمل والدراسة و…، وعندما يبدأ الصغار بانتقاد سلوك الكبار ويتقبل الكبار ذلك بصدر رحب فذلك علامة على بدء مرحلة من التواصل الفعال وتأسيس إطار صحي رائع لتربية الأبناء.
- ركزي على تحسين علاقتك مع ابنتك قبل كل شيء. وأفضل طريقة أن تتقربي إليها وتشاركيها في أنشطة وخرجات ممتعة.
- تجنبي اللوم والعتاب والانتقاد وكثرة الأوامر، وجربي أن تدربي نفسك على معاملتها كراشدة ومسئولة، وإذا أردت منها شيئا فليكن بطريقة الطلب: ما رأيك أن…. هل يمكن لك أن…. متى يمكنك القيام بالشيء الفلاني..
- تأكدي أنها لا تعرض نفسها للخطر وضعي بمشاركة الأب وإشرافه حدودا لمساحة الحرية المسموح بها للخروج مثلا…
- لتعديل سلوك غير مرغوب فيه من الأفضل ترك ذلك حاليا لشخص آخر غيرك تحبه ابنتك كخالتها أو أبيها أو عمتها أو صديقة لك تثقين فيها بشرط ألا تعرف ابنتك أنك أنت من طلبت ذلك.
- الصبر ثم الصبر ثم الصبر فتربية الأبناء كغرس النباتات منها ما يثمر سريعا ومنها ما يتطلب سنين من العناية قبل جني الثمار.
- وأخيرا تذكري أن تجهزي أبناءك الآخرين لمرحلة المراهقة من الآن وليس بعد حصول المشاكل.