أتوقع أن يكون من ضمن الأسئلة التي ستوجه إليك أثناء قطعك تذكرة سفر الطائرة “من أي طائفة أنت؟”، وأن يكون هناك تشاريع خاصة تختص بكل طائفة، وأخيرا أتوقع أن يكون هناك تطبيقات في المتاجر الالكترونية تخص كل طائفة بعينها! كل هذا مجرد نكت أخفف بها عن نفسي بعد سيل من الأحداث التي تشي بكثير من الخوف من مستتقبل المنطقة…
“التّطيُّف” هو عملة العصر الرائجة؛ فيكفي أن تكثر قليلا من دموعك، وتضع قليلا من مساحيق آلام التهميش والإقصاء، وتظهر آلام حرمانك التاريخية والحالية، حتى ترى سياسي العالم قد حثوا السير وأسرعوا الخطى في نجدتك ومساعدتك، ونذرت صحف العالم نفسها من أجل خدمة قضيتك، وإظهارك كضحية “أصولية” و”تعصب” الأكثرية وتهميشهم، بل ومحاولة إعدام وجودك ثقافيا ومعنويا وأخيرا ماديا، وما قيام إسرائيل في منطقتنا إلا دليل على منطق التطيف في تعامله مع العالم الشرقي.
بلغة أخرى أنت “أقلّوي” يعني أنت مستحق للحرية، وكل معاني الليبرالية، ولا بد للقيم الغربية من التعاطف معك، بمثل هذا المنطق يفكر الغرب ويقيم علاقاته ويؤسس سياساته، فالعالم الغربي مهووس بقضية الحرية الفردية، ويُقَيِّم كل أشيائه وقوانينه بناء على هذه القيمة التي تعد محورا لثقافته وأجنداته، وإذا ما فقدت هذه القيمة في أي إنتاج سياسي أو معنوي فهو غير صالح للاستهلاك الغربي، والعالم العربي مهووس بقضية القداسة وقضية الانتصار للتاريخ الموروث، بحيث يقيم كل أموره بناء على هذين الأمرين، – ولو لم يكن لهما وزن في منطق الحق – وبين تقديس الحرية الشخصية، وإضفاء القداسة على كل موروث، ينشأ السلوك الطائفي في مجتمعاتنا مدعوما من قبل الفكرين، وتغدو اللعبة الطائفية هي اللعبة الرابحة والرائجة في كثير من الأروقة السياسية، وأصبحت وسيلة ضغط لتمرير الصفقات والاتفاقيات، وأخيرا السقوط بحجة الانتصار لطائفة ما، لكن انتصار هذه فئة ما لا يعني إلا أمرا واحد، وهو استمرار الصراعات الطائفية والاحتقان المذهبي تحت أشكال متعددة، إلى حين إيجاد مجتمعات طائفية ومذهبية ” نقية “!
وقبل أن أنهي كلامي وحروفي أطرح على أمراء الطوائف هذه الأسئلة: هل تريد أن تكون وحدك في عالم لا يوجد فيه إلا أنت وطائفتك؟ أم هل تبغي وجودا إنسانيا محصورا في ذاتك؟ ومن يدري.. ربما ستبكي في نهاية صراعك على ما ضاع من الأخوّة الإنسانية التي ينافق بها كل من اعتلى ظهر المنصات السياسية..