نعتني كثيرا بزيادة الدخل لكن الثروات تتكون من الفارق بين الإنفاق والدخل، هذا الفارق يتكون بالتقتير والإمساك ويتكون بالتوسط في الإنفاق ، قال تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } (الفرقان : 67) جعل الله لنا ميزانا بين الإسراف والتقتير؛ ثم نسأل الله عن البركة .
كم رأينا من أصحاب الدخول المنخفضة الذين عاشوا حياة مستورة لم تظهر عليهم الحاجة يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لو وزعت دخلهم على حاجاتهم لظهر عجز كبير لكن هذه البركة نعمة يمنحها الله تعالى للصالحين من عباده.
البركة بيد الله تعالى يضعها حيث يشاء يضعها في جزء من الوقت أو في مكان من الأرض قال تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } ( الإسراء : 1) وإذا بارك الله تعالى حول المسجد الأقصى فكيف تكون البركة فيه أو يضعها سبحانه وتعالى في أحد بني آدم أو في مخلوق من المخلوقات كماء زمزم البركة ليست شيئا ذاتيا بل هي منحة إلهية وضعها سبحانه في ليلة القدر فكانت خيرا من ألف شهر ، والبركة تعني فيما تعني الزيادة والنماء في الوقت والمال والجهد والأهل والولد.
من بركات الحسنة
الحسنة بعدها وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أنه يوفق المسلم الصالح لعمل صالح بعد أن ينتهي مما بين يديه من عمل الخير ولاتزال كل حسنة تهيء للتي تليها حتى يقدم المسلم على ربه تعالى وقد ثقلت موازينه
ومن بركة الحسنة أن الله تعالى يجزي عليها بالكثير فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، بل من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة.
من بركة الحسنة أن الله تعالى يعطى بها أجرا في الدنيا وثوابا في الآخرة مثل حسنة الاستغفار من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيقا مخرجا وما يترتب على الاستغفار من نعم دنيوية كذلك قال تعالى : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10، 11، 12] ومثل حسنة التيسير على المسلمين وسترهم قال ﷺ وَمن يسر عَليّ مُعسر يسر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَمن ستر مُسلما ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة [الجمع بين الصحيحين]
لا تتوقف بركة الحسنة عند صاحبها بل تمتد للأجيال التالية ففي الزمن الأول توفي أحد الصالحين ممن تكاثرت حسناته ونفعه الله تعالى بها وكان من ذريته أيتام صغار لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ترك هذا الرجل الصالح لهم كنزا حماه الله تعالى من أيدي اللصوص حتى يكبر الأيتام ويدافعوا عن حقهم وقد قص الله تعالى خبرهم في سورة الكهف فانظر إلى هذه البركة التي امتدت عبر الأجيال تحمي المال والعيال.
من بركة العمل الصالح أن تجد من يدعو لك في الحياة وبعد الممات موقف تساعد فيه شخص إحسان تقدمه لمن تعرف أو لمن لا تعرف يتذكر هؤلاء ما قدمته لهم فيدعون لك بظهر الغيب تصلك ثمرة هذا الدعاء أينما كنت فوق الأرض أو تحتها فما أجمل العمل الصالح الذي ينفع صاحبه حيا وميتا.
وللذكر بركة تجدها في الجهد والطاقة فقد جاءت السيدة فاطمة رضي الله عنها تطلب من النبي ﷺ أن يعطيها خادم لكي يساعدها في أعمال البيت فدلها النبي ﷺ على ذكر تقوله إذا استعدت للنوم وهو أن تسبح الله ثلاثا وثلاثين وتحمده ثلاثا وثلاثين وتكبره أربعا وثلاثين وقال لها فذلك خير لك من خادم فهذا الذكر يعطي المسلم طاقة يتمكن بها من إنجاز أعماله.
بركة القرآن لمن يحفظه ويتدبره ويعمل به وكلما اقترب الإنسان من القرآن كلما تزود من زاده وارتوى، للقارئ نصيب وللمتدبر نصيب أكبر ولمن يعمل بما يقرأ نصيب أكبر وأكبر فقد وصف الله تعالى هذا الكتاب العزيز بقوله وهذا ذكر مبارك.
وكما يمنح الله تعالى البركة للزمان والمكان و الأعمال يمنحها تعالى للأشخاص قال عيسى عليه السلام :”وجعلني مباركا أينما كنت” قال المفسرون نفّاعا معلما للخير البركة تصاحبه في عسره ويسره أينما حل صحب الخير معه فإذا دخل مكانا فيه نزاع سعى إلى تحقيق التوافق وإذا دخل مكانا فيه يأس نشر فيه الرجاء في الله تعالى وإذا دخل مكانا فيه العبوس ملأه بالبسمة وإذا دخل مكانا فيه البؤس جلب معه الرخاء والسعادة وكان أحدهم يصف شيخه بأنه نافورة خير مركز إشعاع يبث الخير والرحمة معه أينما وجد.
هناك من أنجز إنجازات عظيمة في سنوات قليلة فقد بارك الله له في وقته وجهده تجد هذه البركة يمنحها الله تعالى للصالحين من بني آدم في كل زمان ومكان وقد صاحبت البركة المسلمين أينما تواجدوا فأسسوا حضارة كبيرة كريمة تقوم على الأخلاق وتنشر العمران ومعه العدل والتسامح.
من أسباب البركة
الإيمان والتقوى : قال تعالى : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } (الأعراف :96) لو جمع الناس بين الإيمان بالله تعالى وتقواه التي تدعوهم إلى أن يتركوا الفساد فلا يظلم بعضهم بعضا ولا يقعون في الفواحش ولا يأكلوا أموال بعضهم بالباطل ويقفون عند حدود الحلال بماذا يكافأهم الله تعالى على ذلك لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يصب الله تعالى عليهم الخير صبا .
خير لم يعهدوه من قبل لا مجتمعا ولا متفرقا لقد تركوا المحرمات لله فعوضهم الله تعالى ما هو خيرا منها .
ومن وصايا النبيﷺ لأنس بن مالك اذا دخلت على أهلك فسلم على أهلك يكن بركة عليك وعلى أهلك [الطبراني في الصغير ]
من أسباب البركة الاجتماع على الطعام وذكر الله تعالى قبل البدأ بتناوله عَنْ وَحْشِيٍّ، أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ، وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» [سنن ابن ماجه]
وقد فهمت بعض ربات البيوت أن ذكر الله تعالى سبب من أسباب البركة فكانت تذكر الله تعالى قبل أن تفتح كيس الطعام أو قاروة الزيت .
الدعاء: فالخير بيد الله تعالى قُدم للنبي ﷺ طعام وقالوا له :”ادْعُ الله لنا، فقال: اللهم باركْ لهم فيما رَزَقْتهم، واغْفِر لهم وارْحَمْهم»[ جامع الأصول]
صلة الرحم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) [صحيح البخاري] ومعنى ينسأ له في أثره تحصل البركة في عمره فلا يضيع شيء منه في غير فائدة أو يزيد الله تعالى في عمره زيادة حقيقية والله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت أو يبقى ذكره بعد وفاته .
الصدقة : قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261]
البركة مرتبطة بالصبر والرضا : توفي طفل صغير غسلته أمه وكفنته ووضعته في جانب حجرتها كم تحتاج هذه الأم إلى مقادير من الصبر لتتحمل آلام الفقد ثم تغسله وتكفنه بيدها ثم تضعه في حجرتها يأتي زوجها فتتهيأ له فيصيب منها يستيقظان لصلاة الفجر فتخبره بأن الله تعالى استرد أمانته وأن الطفل قد مات يخبر النبي ﷺ بما حدث فيدعو له النبي ﷺ :”بارك الله لكما في ليلتكما” وكان من ثمار هذه الليلة أن رزقهم الله تعالى بولد أنجب سبعة أولاد كلهم يحفظون القرآن لقد رضيت المرأة بقضاء الله وصبرت على آلام الفراق فأعطاها الله تعالى ما يعطي عباده الصابرين .
قراءة سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة كما قال النبي ﷺ .
نصيب الإنسان من البركة يدل على نصيبه من الإيمان فكلما ازدادت حصة القلب من الإيمان كلما ازداد نصيبه من البركة وكلما قل نصيبه من الإيمان قل نصيبه من البركة .
الحسود لن يشعر بالنعمة ولن يشعر بالبركة لإن نفسه الخبيثة تحول بينه وبين هذه المشاعر الطيبة فإذا تخلص من أدران القلب هذه بدأت تنزل عليه نعم الله تعالى .
إن الدعاء بالبركة من خير الأدعية التي نوجهها لمن أحسن إلينا وقد فعل ذلك عبدالرحمن بن عوف عندما عرض عليه أخوه من الأنصار أن يتقاسما المال امتن عبد الرحمن بن عوف لهذا السلوك النبيل ودعا هذه الدعوة الطيبة بارك الله لك في أهلك ومالك .