منع انتشار فيروس كورونا (COVID 19) في عدد من الدول العربية والإسلامية بما فيها السعودية بأعداد محدودة، أصدرت السلطات السعودية قرارا بتعليق العمرة بمكة المكرمة وزيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وذلك احترازا من آثار فيروس كورونا. حسب بيان صادر من وزارة السياحة السعودية، مع تعليق إصدار تأشيرات مواطني سبع دول مطلقا، سواء للعمرة أو لغيرها، والدول السبع هي: الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وسنغافورة وماليزيا وكازاخستان.
وقد بادرت بعض جهات الإفتاء والمؤسسات الفقهية بمشروعية منع السلطات السعودية الراغبين في أداء العمرة بمكة المكرمة من السفر، وإيقاف أداء الشعيرة وزيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة.
وعلى رأس تلك الجهات مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، وهيئة كبار العلماء بالمملكة، وكذلك دار الإفتاء المصرية وعدد من العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي.
أولا- فتوى مجمع الفقه الدولي بجدة:
حيث أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي ومقره بجدة بالمملكة العربية السعودية بيانا يوم السبت، التاسع والعشرين من فبراير 2020م يجيز فيه إيقاف أداء مناسك العمرة بمكة المكرمة وزيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، ويشيد بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها سلطات المملكة العربية السعودية في هذا.
وقد بنى مجمع الفقه الإسلامي الدولي حكمه بجواز إيقاف أداء العمرة بمكة المكرمة على ما يلي:
مقصد حفظ النفس:
حيث رأى مجمع الفقه الدولي أن منع أداء العمرة فيه ” حماية لأبناء الوطن والمقيمين والمسلمين جميعا”، وهو مما حث عليه الشارع من حماية النفس، وعدم تعريضها للأذى.
قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب:
كما استند المجمع على القاعدة الفقهية : ” ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، وهو: ” الواجب الشرعي الذي يحرص عليه القائمون على الأمر في المملكة العربية السعودية حماية لحياتهم وأمنهم واستقرارهم وما يؤيده ما اسْتقرَّ في شرع الله سبحانه وتعالى من اتخاذ كل ما يمكن اتخاذه لتحقيق هذا الغرض”.
تحقيق مقاصد الشريعة:
فالشريعة تدعو إلى منع كل ما يؤدي إلى أذى الإنسان، فالقول بمنع أداء العمرة وزيارة المسجد النبوي يمثل: ” قياماً بالواجب الذي تدعو إليه مقاصد الشريعة التي تحرص على منع كل ما يؤدي إلى العدوى بالأمراض السارية والإضرار بالناس”.
الإرشاد النبوي من السنة النبوية:
كما استندت الفتوى إلى نصوص من السنة النبوية التي ترشد إلى (الحجر الصحي) والوقاية من الوقوع في الأمراض، ” فقد ورد عن رسول الله ﷺ قوله: (فِرَّ من المَجْذومِ كما تفرُّ من الأسدِ)، والحديث الصحيح الآخر الوارد عن النبي ﷺ قوله: (إذا سمعتم بالطاعونِ بأرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتم فيها فلا تَخرجوا)، وأكد هذا المعنى أيضاً ما ورد في الحديث الصحيح من قول النبي ﷺ: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ).
وجوب طاعة ولاة الأمور:
كما بنى المجمع فتواه على طاعة ولاة الأمور فيما فيه مصلحة الناس، و” لذلك يدعو مجمع الفقه الإسلامي الدولي إلى الالتزام بكل التعليمات التي يصدرها أولو الأمر المعنيون بهذه الشؤون الملحة، وأن يلتزموا بها، ويحرصوا عليها حرصاً شديداً، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(التغابن الآية ١٦)، وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج الآية ٧٨).
ثانيا- هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية:
أشادت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية، أمس، بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة ضد فيروس كورونا الجديد. وأكدت هيئة كبار العلماء في بيان، أن ذلك يأتي “انطلاقاً من مسؤولية السعودية التي شرّفها الله عز وجل بخدمة الحرمين الشريفين، والعمل على كل ما من شأنه المحافظة على أمن وسلامة قاصدي الحرمين الشريفين.
ثالثا- دار الإفتاء المصرية:
أكّدت ” دار الإفتاء المصرية” أن “قرار سلطات المملكة العربية السعودية بالتعليق المؤقت لمنح تأشيرات العمرة وزيارة الحرم النبوي الشريف لمواجهة انتشار فيروس (كورونا) يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، للحفاظ على أرواح وسلامة المعتمرين وضيوف الرحمن.
وأنها تؤيد وتدعم بكل قوة مواقف المملكة وحرصها الشديد على أمن واستقرار المشاعر الدينية وكل ما تتخذه من إجراءات لضمان تحقيق ذلك، وسعيها الدؤوب للحفاظ على أرواح المعتمرين”.
وقد بنت دار الإفتاء المصرية فتواها على مايلي:
1– حفظ النفس البشرية من آثار ذلك الفيروس الذي قد يفتك بحياة المعتمرين.
2– إعمالا لقاعدة سد الذرائع، وأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
3– الحفاظ على أمن واستقرار المشاعر المقدسة، لما لها من أهمية كبرى في حياة المسلمين.
رابعا- فتوى مفتي الجمهورية التونسية:
كما أصدر مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ فتوى بجواز إيقاف أداء العمرة مؤقتا، وبنى فتواه بالجواز على وجوب حماية أرواح آلاف الناس المهددين بالإصابة بفيروس كورونا الذي يجتاح العالم حاليا، وو وجوب اتخاذ تدابير سريعة ووقتية لحماية أرواح الناس وأجسادهم من الإصابات التي قد ينجر عنها الموت. ومن هذه التدابير السريعة التعليق الوقتي لموسم العمرة إلى أن تزول كل المخاوف من هذا الوباء الجديد الذي حصد أرواح الآلاف من البشر”.
وتكاد تتفق الفتاوى المعاصرة على جواز منع استقبال المعتمرين وقاصدي زيارة المسجد النبوي في مثل هذه الظروف، ولم ترصد فتاوى تخالف ذلك الرأي.