أصبح وجود الكراسي في المساجد – بمعنى آخر الصلاة على الكراسي – ظاهرة يلاحظها كل من يصلي الجماعة، وتتنوع أماكن هذه الكراسي من مسجد لآخر، فهناك مساجد توضع فيها الكراسي آخر المسجد، فيصلي كبار السن بعيدا عن الصفوف، وهناك مساجد تجعل الكراسي في الصف الأول، أو تتوزع الكراسي حسب حاجة من يصلي على الكرسي.
وهناك وظيفة أخرى للكراسي في المساجد، وهي الجلوس عليها أثناء خطبة الجمعة، بل العجب أن الوالد الكبير الذي يصطحب معه بعض الأطفال الصغار، يجلس هو على كرسي، ويأتي لأولاده الصغار، كل طفل يجلس هو الآخر على كرسي، في مشهد كأننا خارج المسجد، بل في كافتيريا أو حديقة عامة، أو كأننا في مكان مشاهدة، وليس في بيت من بيوت الله تعالى.
ويلاحظ أيضا أن بعض من يصلي يبقى جالسا على الكرسي في جميع حركاته، حتى وإن كان قادرا على القيام وأداء بعض حركات الصلاة، وإن كان يعجز عن أداء حركة أو بعض الحركات الأخرى.
والحق أن الناس تساهلوا كثيرا في استعمال الكراسي في الصلاة، مما قد يبطل صلاة البعض، لغياب فقه استعمال الكراسي في الصلاة والمسجد.
واستعمال الكرسي في الصلاة يكون لأغراض صحيحة، من ذلك :
1- عدم القدرة على القيام والوقوف في الصلاة.
2- أو عدم القدرة على الركوع.
3- أو عدم القدرة على السجود.
4- أو عدم القدرة على الجلوس للتشهد الأوسط أو الأخير.
مشروعية الصلاة على الكرسي
واستعمال الكرسي لمن لم يكن قادرا على فعل واحدة من هذا أو أكثر جائز شرعا.
ودليله ما أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ﷺ عن الصلاة فقال : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ).
فالأصل أن يأتي المصلي بالأركان كلها ما استطاع، فإن عجز عن الإتيان بها، أداها قدر استطاعته، ولو بالإيماء، ولو يسقط شيء من أركان الصلاة، بل يأتيه قدر ما يستطيع.
والمصلي الذي لا يقدر على القيام فيجلس لا ينقص من أجر صلاته شيء.
وقال النووي – رحمه الله- في المجموع: ( 4 / 226 )
” أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه ، قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام ؛ لأنه معذور ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله ﷺ قال : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا ) .
كيفية الصلاة على الكرسي
وهذا التيسير مبني على عدم القدرة والعجز، لأن من عجز عن فعل شيء في الصلاة سقط عنه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: في مجموع الفتاوى (8/ 438):” والشريعة طافحة بأن الأفعال المأمور بها مشروطة بالاستطاعة والقدرة كما {قال النبي ﷺ لعمران بن حصين: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب} .
وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها: كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك سقط عنه ما عجز عنه.
على أن الاستمرار في الصلاة على الكرسي بدون داع ليس من الشريعة في شيء، وأن القول بإباحة الصلاة على الكرسي إنما هو مرتهن بالعجز وعدم القدرة في الحركة التي لا يقدر على الإتيان بها بالهيئة المشروعة دون غيرها، فمن عجز عن القيام فله الجلوس على الكرسي أثناء القيام، لكن يجب عليه أن يأتي بالركوع والسجود على هيئتهما دون الجلوس على الكرسي مادام قادرا على هذا، وكذلك إن كان عاجزا عن الركوع أو السجود فلا بأس أن يجلس على الكرسي وقتها ويومئ قدر استطاعته، على أن يجعل إيماءه في السجود أخفض من ركوعه ليبين الفرق بين الركوع والسجود في الإيماء.
لكن يجب عليه القيام إن كان قادرا عليه، إلا أن لا يكون قادرا على شيء من ذلك فلا بأس وقتها.
فإن جلس في موضع القدرة؛ بطلت ركعته، فإن لم يأت بالركعة؛ بطلت صلاته.
والقاعدة الفقهية الضابطة لهذا هي: أن ما استطاع المصلي أن يفعله على الهيئة المشروعة أصلا؛ وجب عليه أن يأتي بها على تلك الهيئة، وما عجز عن فعله؛ سقط عنه.
محاذاة الصف لمن يصلي على الكرسي
ومما يتعلق بفقه الصلاة على الكرسي أن يحاذي المصلي الصف، ولا يجوز له أن يتقدم أو يتأخر عن الصف؛ لأن تسوية الصفوف مما يجب في الصلاة.
فإن صلى على الكرسي ساوى الصفوف، والعبرة فيها بالمساواة في القيام، وعلى هذا، يكون الكرسي خلف الصف، وعليه أن يكون في موضع لا يتأذى به المصلون من خلفه.
كما أنه لا يجوز أن يضع الكرسي في طرف الصف يمنة أو يسرة ويترك الصلاة في الصف، لأن النهي وارد عن الصلاة منفردا.
الجلوس على الكرسي في غير الصلاة
أما الجلوس على الكرسي في المسجد في غير الصلاة، فالأصل أنه لا يحرم، لكنه يكون مباحا إن كان لضرورة أو نحوها، أما من غير ضرورة، فيكون مكروها؛ لأنه أبعد عن الخشوع والتواضع في المسجد، هذا في أوقات الصلاة ووجود المصلين، أما إن لم يكن هناك مصلون، فلا حرج في الجلوس عليه أثناء قراءة القرآن أو الذكر.
على أن هناك من المصلين من يحلو له ترك الجلوس في الصفوف بعد الصلاة مباشرة ويجلس على الكراسي من غير ضرورة، فهذا مما يكره ولكن لا يحرم..
أما الجلوس على الكراسي في وقت صلاة الجمعة فهو مباح لمن عجز عن الجلوس على الأرض، أو كان الجلوس على الأرض يؤذيه ويتعبه، لكن ليس من المشروع أن يأتي بعض المصلين بالكرسي ويجلسون عليه لسماع الخطبة دون عذر، لأن فيه تعاليا على المسلمين في موضع مطلوب فيه التواضع مع إخوانه، وحتى لا يوغر صدور الآخرين، فإن المساجد مطلوب فيها التواضع والسكينة والخشية، وجلوسه وحده على الكرسي دون غيره من مئات الناس لسماع الخطبة يبعده عن روح الخشوع والخشية.
وهناك ما يمكن أن نطلق عليه ( النظام في المسجد)، فهذا يجب الحفاظ عليه، وأن التغيير فيه يجب أن يكون خاضعا للمصلحة المشروعة، لا خاضعا لأهواء الناس.
ومما يجب التنبيه عليه؛ أن ما أبيح للحاجة أو الضرورة؛ وجب الاقتصار فيه على الحاجة والضرورة، أن لا يتوسع الناس من غير حاجة أو ضرورة، بل قد يبطل أعمالهم في بعض الأحيان.