ندوات وورشات عمل وفيضٌ من الاستشارات، كلّ ذلك تحت عنوان تطوير مفهوم “التعليم”. معظم هذه الجلسات تصبّ في إطار دراسة سلبيات وإيجابيات النظام التعليمي دون تشخيص المُشكلة الحقيقية وهي: هشاشة الفلسفة التعليمية في الوطن العربي أو ربّما فساد هذه الفلسفة إذا ثبتت الفرضيات، فما هي علاقة الفلسفة بالتعليم؟
للإجابة على ذلك، لا بدّ لنا من تعريف الفلسفة بشكل مُبسّط على أنها: فهم ودراسة الأفكار بالمعرفة وصولاً إلى الحقيقة واستنباط الحِكم. ويُمكن تعريف التعليم على أنه أي معرفة أو فعل أو تجربة تؤثر على تكوين العقل وعلى بناء شخصية الفرد. لنستنج بذلك أن فلسفة التعليم هي عبارة عن دراسة: مفهوم التعليم، الأهداف والنماذج، الأساليب والنتائج، وذلك من منطلق فلسفي، يهدف إلى تقييم العملية التربوية ومعرفة آثارها على بناء الإنسان. وقد بحث في ذلك العديد من الفلاسفة: منهم: أفلاطون، كونت، هيغل، سقراط، جون لوك…
أين نحنُ اليوم على مستوى الأفراد ممّا يُعرف بفلسفة التعليم؟
نظرة سريعة إلى داخل بيوتنا، تُظهر لنا ضعف رؤيتنا التعليمية تجاه أبنائنا، إذ تنحصر تطلعاتنا بنجاح الأبناء في سنتهم الدراسية وفي بلوغ المعدّل المطلوب لاختيار التخصص بشتى الأساليب بغض النظر عن التبعات، والنتائج، والتأثير على العقول، ومن بين هذه الأساليب: المُدّرس الخصوصي، الاعتماد على التعليم في المدرسة بشكل كامل، وعلى الثقافة الموروثة في تحديد مستقبل الأبناء بناء على التصنيف التقليدي للمهن، وانطلاقاً من العادات دون الإرتكاز إلى سؤال محوري هو: ما هي الغاية من تدريس أبناءنا هذه المواد دون تلك، ولماذا اخترنا هذا النموذج التعليمي في المدرسة الفلانية دون تلك؟
الإجابة على ذلك غالباً ما تندرج في إطار القدرة المادية والبُعد الجغرافي والمعارف الشخصية.. وعليه لا بدّ من التسلّق إلى اعلى الهرم لرؤية استراتيجية الحكومات في هذا الشأن. وفي درء مخاطر العملية التعليمية على عقول الأجيال المقبلة.0920_US-education
المشهد الرسمي التعليمي في العالم العربي بشكل عام يُشير إلى أن الفلسفة التعليمية تدور حول تطويع الإنسان العربي وترويض العقول من خلال المناهج الدراسية فقط، حيث نادراً ما يبني الأبناء معارفهم خارج حصون المقاعد الدراسية- اللهم إلا بعض الرحلات إلى حديقة الحيوان، والمتاحف، والمسرحيات الرويتينة والبعثات الخارجية الممُنهجة-.
للأسف، غالباً ما تجهل المجتمعات العربية الفلسفة التعليمية التي تتبناها الحكومات، وعلى أية أُسس: فما هي الأهداف الاستراتيجية من تطبيق هذا النظام التعليمي دون سواه؟ وما هي الوسائل التعليمية التي تتناسب مع القدرات والإمكانات الموروثة في هذا الشعب عن غيره من الشعوب، وماذا عن المراحل التنموية التي مرّ ت بها الأجيال السابقة؟
وما مدى الحاجة إلى تعزيز العلوم المهنية على حساب العلوم النظرية؟ وكيف يمكن تصنيف العوامل التي يمكن أن تؤثر أو تتلاعب في تطبيق النظام التعليمي المنشود؟ وهل نستهدف من النظام التربوي تنمية الفرد بصفته الشخصية أو تنمية الفرد بصفته المواطنية؟ ماذا عن العلاقة ببين التربية و البنية الطبقية للمجتمع؟ وإلى أي مدى يتعلّم أبنائنا احترام الخصوصية الثقافية والاختلاف بين الأديان والأعراق والأجناس؟ وهل نُعلّمهم مبدأ المساواة بين الناس أم أننا نُكرّس في مناهجنا التفرقة والتقوقع؟
لكلّ أُمّة أولوياتها.. فمنها من يضع التنمية الإقتصادية أولوية وبالتالي تتمحور الفلسفة التعليمية حول أهمية الإستقرار الإقتصادي والإنتاجية، مثل: ألمانيا واليابان. ومنها من يعتبر أن التنمية الثقافية تأتي في المقدّمة، فتولي الإهتمام في فلسفتها التعليمية إلى معالجة الإشكاليات الثقافية التي تُفجر نزاعات وحروب أيديولوجية وطائفية وإثنية كما حصل في البيت الأوروبي قديماً. وكما يحدث في الشرق الأوسط حالياً، حيث لم يعد الفرد في الوطن العربي يعرف من هو العدّو ومن هو الصديق؟ أو لماذا يكره هذه الطائفة أو تلك.. ولماذا يقتل أو يُقتل؟ كل ذلك يأتي ضمن الفلسفة التعليمية.
وهنا نسأل: هل فعلاً يغفل القيّمون على الأنظمة التعليمية العربية دور وأهمية الفلسفة التعليمية، ما سببّ اندلاع الحروب والأزمات الإقتصادية والأمراض الثقافية.. أم أن تلك الحكومات تعمدّت تطبيق فلسفة تعليمية تنسف القيم والروح الإنسانية -الإسلامية الحقيقية، من أجل تكريس السيطرة على الشعوب وفق أجندات تعليمية مُعدّة مسبقاً لشعوب المنطقة؟