هل للوجود معنى؟ وهل صحيح أن العدم هو نفي للوجود؟ فما معنى العدم وما الحيز الذي يحتويه؟ وهل له أصلا معنى؟ فإن كان له معنى فهو وجود بمعاينة محددة، فإن لم يكن كذلك فما وراء العدم؟ فكما نستخدم تعبير ما وراء الطبيعة(الميتافيزيقيا) فهل هناك ميتا عدم(meta-void) أو (meta-nothingness )؟ فما هو؟
لماذا ظهر حوالي (4200) دين أو مذهب ديني أو تأويل فقهي خلال الرحلة البشرية (سواء رحلة آدم ونسله أو رحلة داروين)؟ فكل يعطي للكون معنى، وقد تتلاقى المعاني وقد تتضارب وتتناحر، فكل “يعزز دينه” على رأي شيخ المعرة.
وفي منظومة القيم تعطى المجردات معان ونختلف عليها، فالمطر خير فإذا اشتد أصبح اعصارا، وكأن للخير حدوده تقف عند حدود ما نراه شرا، ولكن لو لم يكن هناك اعصارا، فهل حقا الضدُ يظهر حسنه الضدُ؟ فما معنى الشر والحالة هذه، لكأنه أداة معرفية لتوضيح نقيضه، وقس على الجمال والقبح والقوة والضعف والعدل والظلم والحنان والقسوة…فهل النقيض للجيد ينطوي على مبرر لوجوده؟
متى نقول عن “حركة” كونية او إنسانية بأنها عبث؟ لنقف عند الحرية والسلطة، فأقصى درجات الحرية هي حيث تنعدم السلطة ويكون الخيار للفرد مفتوحا ولا سلطة عليه إلا ذاته، لكن وجود السلطة يضيق على الحرية مساحتها اللانهائية المفترضة، وسواء كانت السلطة مادية أو معنوية فهي قيد على الحركة، فلماذا لا تلغى السلطة كما تخيل الفوضويون (Anarchists)، وما الحكمة من تفاوت النزوع للحرية بين شخص وآخر؟
مهمة الفلسفة في تقديري هي تأجيج القلق الانساني، ومهمة الأديان هي محاولة لجم وظيفة الفلسفة في نطاق الماورائيات؟ غير أن حركة التاريخ لا تشير إلى جدوى من التأجيج ،ولم توصلنا الأديان إلى السكينة التامة وبقي الإنسان “أكثر شيئ جدلا” .
كل فلسفة هي صحيحة من وجهة نظر جمهورها، وكل دين هو القول الفصل من وجهة نظر اتباعه، وهناك من تمزق بين القطبين، وهناك من ألَّف بينهما، وهناك من اختلط عليه الأمر فلم يعد يعرف أهو من يحلم أم الفراشة التي تخيل أنها هو كما أخبرنا الفيلسوف الصيني تشوان تسو في القرن الرابع قبل الميلاد.
هل للكون مفتاح يفتح كل مغاليقه؟ قيل لنا بداية أن الأرض هي مركز الكون، ثم قيل لنا إنها الشمس ،والآن هناك علماء يقولون ليس للكون مركز، أليس هذا جحيم بعينه، فكيف أعطي الأشياء معناها وأنا لا أعرف عنها شيئا؟ هل تمكنت أبعاد العقل الأرسطي من فك اللغز (بالعقل الهيولاني أو العقل بالملكة أو العقل الفعال أو العقل المطلق)؟
عندما غرقت فترة من الزمن في دراسة علم سلوك الحيوان (الإثولوجي)، وجدت تشابها أوسع مما نعتقد بين السلوك البشري والحيواني، ولا أتحدث هنا عن التشابه البيولوجي بل عن التشابه السلوكي الفردي والجمعي، وتنبهت لميزة تعلو فيها أخلاق الحيوان على البشر، إذ يُجمع علماء الإثولوجي على أن نسبة العدوان بين النوع الحيواني الواحد أقل كثيرا جدا من نسبة العدوان بين “النوع البشري”، بمعنى أن قابيل قتل نوعه (هابيل)، والحروب تدور بالقتل بين البشر، لكن الأثولوجيين بعد بحوث ومراقبة مضنية لسنين يقولون لنا أن القطط والكلاب والأسود والقردة وغيرها لا تتصارع إلا في لحظات التزاوج “بشكل رئيسي”، ونسبة العدوان لهذا السبب محدودة، لكن الإنسان يقتل نوعه وغير نوعه في كل الظروف، فهل لذلك من معنى في منظومة القيم؟ وهل هي عقلانية أم غير ذلك، ولكن كيف نحسم أنها تنتمي لأحد أنواع العقل الأرسطي؟
هل لكل هذا من معنى؟ كثيرون سيرون أن سذاجتي لا حدود لها…لكني سعيد وقلق بهذه السذاجة في آن واحد..وهذا يكفي لتعذروني.