تسبب تفشي فيروس كورونا الجديد في ارباك السوق المالية العالمية ، فشهدت الأسهم هبوط شديدا هو الأعلى منذ أزمة الرهن العقاري 2008 ، الصين حيث بدأ الفيروس رحلته ، كانت على موعد مع اتخاذ إجراءات احترازية كي تخفف من تأثيرات الفيروس على سوقها المالية فبادرت منذ الأيام الأولى إلى ضخ مايزيد على تريليون من عملتها لمساعدة السوق ، بينما اجتمع وزراء المالية للدول السبع في واشنطن بحر الأسبوع الماضي لبحث مواجهة آثار الفيروس.
كما أعلن خبراء الاقتصاد في الأمم المتحدة خلال مؤتمر الأونتكاد في جنيف إلى أن قطاع تصدير الصناعات التحويلية حول العالم خسر 50 مليار دولار خلال شهر فبراير الماضي. سنحاول من خلال هذه المقالة دراسة تأثير كورونا فيروس على الاقتصاد العالمي والتحديات التى تواجه العالم في هذا المجال.
توقعات بتراجع النمو العالمي
تشير توقعات الهيآت والمؤسسات المالية الدولية إلى هبوط في نمو الاقتصاد العالمي نتيجة الآثار التي أحدثها انتشار فيروس كوررنا ، حيث حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD من أن النمو العالمي قد ينخفض خلال هذا العام ليصل إلى 1.5 في المائة ، في أسوأ سيناريو ينتظره الاقتصاد العالمي ، واعتبرت تقرير المنظمة أن هذا المعدل يعتبر مؤشر قوي نحو دخول اقتصاد العالم في ركود. وجاء تقرير لبنك التنمية الآسيوي (ADB) ليؤكد مخاوف العالم من هبوط النمو الاقتصادي ، حيث أكد تقرير البنك أن الناتج المحلي العالمي سينخفض بنسبة تتراوح بين 0.1 – 0.4 % ، مع توقعات بخسارة في القطاع المالي العالمي تتراوح بين 77 مليار دولار و 347 مليار دولار.
ويفسر خبراء الاقتصاد هذا التراجع في معدل النمو العالمي إلى آثار تفشي فيروس كورونا في العالم وما ينجم عنه من انخفاض حاد في الطلب المحلي ، على قطاعات الاقتصاد المختلفة كالسياحة والسفر والتبادل التجاري ، وعمليات الانتاج في المصانع ، وتعطل الإمدادات ،وهدا ما يضر بالاقتصاد العالمي الذي أصبح اليوم أكثر ارتباطا من أي وقت مضى ، ولا يبدو هذا التأثير مقتصرا على دول دون أخرى ، فقد أعلنت المصانع في بريطانيا أنها تواجه صعوبات في تسليم البضائع للموردين بسبب توقف الشحن البحري. كما تشير التقارير التجارية إلي أن حوالي 80٪ من حجم التجارة العالمية يتم شحنه عن طريق البحر، وتمتلك الصين سبعة من أكثر عشرة موانئ ازدحاما في العالم ، وفقًا لما أكده مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
الدول غير المصنعة الأكثر تأثرا
تتفاوت الآثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا من دولة لأخرى، إلا الدول غير المنتجة ستكون الأكثر تأثيرا من تبعات هذه الأزمة. فالصين التي ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع معظم دول العالم الثالث تواجه صعوبة في إيصال بضاعتها إلى هذه الدولة نتيجة لتفشي الفيروس فيها ، ولانشغالها بمكافحة الفيروس داخل الصين. هذه الوضعية جعلت الدول التي تعتمد في الكثير من حاجياتها على المنتجات الصينية في موقف صعب ، ففي إفريقيا مثلا: ثلثي الدول الإفريقية تصنف الصين على أنها أكبر مصدر لها لاستيراد البضائع ، وتشير إحصائيات التجارة الخارجية إلى أنه في العام الماضي ، توسعت زادت الصين إلى إفريقيا بنسبة 7.2٪ على أساس سنوي ، لتصل إلى 113 مليار دولار.
هذا التركيز على استيراد البضائع الصينية يجعل هذه الدول تعيش أزمة حقيقية ستتواصل مسببة آثارا سلبية على اقتصادات هذه الدول، ولن تتوقف هذه الأزمة إلا حين يتم التوصل لعلاج لهذا الفيروس القاتل. هذه المعضلة تثير تساؤلات مهمة عن مدى جدية هذه الدول في خلق بدائل عن الاستيراد من الصين وذلك من خلال تطوير وتفعيل منظومتها الصناعية. تبدو الخيارات معدزدة جدا بالنسبة للدول غير المصنعة والتي تعتمد في الكثير من حاجياتها على البضائع الصينية ، الآن مع تصاعد الأزمة لا هي قادرة على الاستيراد من أوربا وأمريكا بسبب ارتفاع التكلفة ولا هي قادرة على توفير بدائل واردات تحميها من خسارة ملايين من الدولارات. تشكل هذه الأزمة درسا مهما لهذه الدول إن هي أمعنت النظر في واقعها وحاولت التغلب على هذا الخلل البنيوي الذي من نتائجه أنها الآن رهينة لصادرات دولة محاصرة بسبب الوباء.
استعدادات للمواجهة
بدأت العديد من الدول في الاستعداد لمواجهة أزمة اقتصادية عن يخلفها تفشي فيروس كوررنا ، واختلفت سياسات الدول ما بين خفض لمعدل الفائدة و بين ضخ للسيولة لمساعدة البنوك في التغلب على أي عقبات في ظل الوضع الحالي. في أستراليا خفض البنك المركزي الأسترالي أسعار الفائدة الرسمية إلى مستوى قياسي جديد بلغ 0.5٪ بسبب “التأثير الكبير” لتفشي فيروس كورونا على الاقتصاد الأسترالي وألمح فيليب لوي محافظ بنك المركزي الأسترالي: إلى استعداد الحكومة لمزيد من التخفيض لمعدل الفائدة إذا لزم الأمر.
كما أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبشكل مفاجئ عن خفض معدل الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية استجابة للتهديد الاقتصادي المتزايد من فيروس كورونا الجديد. أما الصين فقد أعلنت عبر بنكها المركزي عن خطط لضخ 1.2 تريليون يوان (173 مليار دولار) في الاقتصاد لتخفيف الصدمة على السوق المالية الصينية، وذلك للتخفيف من آثار تفشي فيروس كورونا.
و تتواصل الاستعدادت من مختلف الدول عبر سياسات احترازية للتخفيف من حدة الأزمة التى بدأت تلقي بظلالها على مختلف قطاعات الأعمال والإنتاج في العالم ، كما يشكل عامل سرعة اتخاذ القراات والسياسات الفعالة دورا مهما خاصة مع تدهور أسعار النفط وهبوط مؤشرات داوجونز ونازداك و S&P500 وغيرها من المؤشرات العالمية.