كُلّ أمة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وكما ستُسأل الأُمم التي خَلت عمّا أنجزت وعمّا أخفق، كذلك ستُسأل الأمة الإسلامية أمام الله سبحانه وتعالى عمّا كسبت وما اكتسبت، وسيُحاسب أفراد هذه الأمة كلّ من موقعه وكلّ بحسب طاقاته وقدراته  العقلية والفكرية والبدنية.

يوم البعث سيُسأل الإنسان عمّا أنتجه وعمّا صنعه وعمّا بناه وما أضافهُ للبشرية في هذه الحياة الدنيا، وعن زاده للحياة الآخرة.

والمسلمُ منّا سُيسأل عن كيفية ممُارسته لإسلامه، وكيف كان يُجسّد الإسلام وصورة المُسلمين في فكره وأخلاقه وقيَمه وعبادَته، وكيف كان يُدافع عن الإسلام بوجه من يعتدي على الدين الجليل، هل كان يواجه من يختلف معه بالعنف والبطش والقتل والظلم، أم كان مّمن أحسنوا قولاً وفعلاً  وهدايةً  مع من يختلفون معه في الدين و في العقيدة  و الفكر   وحتى ممّن كانوا يختلفون معه في العادات والتقاليد.

قد تظنّ شريحة واسعة من المُسلمين أنهم لا يتحمّلون مسؤولية تمثيل الإسلام كمُسلمين، بقدر ما يتحمّل تلك الأمانة العالمُ بالدين أو رجال الدين، الذين اتخذوا على عاتقهم مسؤولية إجتماعية لتوجيه المُسلمين في ممارستهم وسلوكياتهم وحتى في آرائهم الإنتخابية والسياسية، وذلك لحذر الناس بشكل عام وترددهم في التعامل مع القضايا التي تمسّ الأُمة،  على اعتبار  أن “أولياء الأمر” على دراية أوسع في مصلحة الأمة الإسلامية من الناحية السياسية وفي مختلف نواحي الحياة، أو على اعتبار  أن هؤلاء يمتلكون الحق الحصري للدفاع عن الإسلام لأنهم خير من يُمثّل هذا الدين الحنيف بسبب دراستهم المتخصصة في الفقه أو الشريعة أو الأُصول أو غيرها من عُلوم الدين.

قد تظنّ شريحة واسعة من المُسلمين أنهم لا يتحمّلون مسؤولية تمثيل الإسلام كمُسلمين، بقدر ما يتحمّل تلك الأمانة العالمُ بالدين أو رجال الدين، الذين اتخذوا على عاتقهم مسؤولية إجتماعية لتوجيه المُسلمين في ممارستهم وسلوكياتهم وحتى في آرائهم الإنتخابية والسياسية

وهنا، لنتفكّر معاً في ماذا فعل كُلّ منّا من خلال موقعه لمواجهة محاولات “تعنيف” الإسلام وتجريده من مفهومه الحقيق؟  ولماذا يُلقي كلّ منّا مسؤولية ذلك على رجال الدين وحدهم؟ وهل فعلاً يتحمّل هؤلاء الأفاضل وزر ذلك؟

إن أغلب الإجابات سيكون محورها أن ما يتعرض اليوم الإسلام ليس بظاهرة جديدة وأن هذه “مؤامرة” غربية وما كل ذلك سوى “زوبعة” في فنجان اعتادت الأمة أن ترتشفهُ. فيما سيُجيب آخرون أننا  نُحصّن مفهوم الإسلام من خلال  النقاشات التي نخوضها عبثاُ على مواقع التواصل الإجتماعي، أو عبر نشر البيانات الصحافية والتوصيات الصادرة عن المؤتمرات التي عقدتها منظمات وجمعيات إسلامية للتأكيد على أن العنف الدائر حالياً والممارسات البشعة لا تمثل الإسلام. وفي أحسن الأحوال سيقول أحدهم أن الله كفيلٌ بمحاسبة من يفتري على الإسلام  بقوله تعالى:” فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ‏الْمُجْرِمُونَ (17) يونس .

أما الأغلبية فسيتعبرون أنهم لا يمتلكون القوّة أو السلطة التي تخوّلهم التصدّي لموجة الافتراءات المخطط لها والممُولة من دول كبرى ..فماذا يفعل المُسلم الفقير لله أمام تنظيمات وميليشيات ممولة من دول ومدعومة من وسائل إعلامية ضخمة ؟ وماذا ستفعل الشعوب في مجابهة الإقصاء والحجر على الآراء بحجة الأمن القومي؟

إذا سلّمنا جدلاً أن الناس البسطاء لا يمكنهم الإنفتاح على العالم ولا يمكنهم الإجتهاد في وسائل الحفاظ على عظمة الإسلام الذي حمّل كل جيل من الأجيال مسؤولية فكره، فأين إذن اليوم دور من يُخاطبون الناس للإرتقاء بأفكارهم وتنويرهم في كيفية التحاور مع من يُشوهّون المفهوم السلمي لـ “الإسلام”؟ وهل وصل دور أئمة المساجد والواعظين والمرشدين والمُفتين والمجتهدين والمفكرين المُسلمين إلى المستوى المطلوب في تكريس فكراً صائباً وفي احتواء الشباب المنخرط بتنظيمات ميليشوية تحت راية الإسلام؟ وكم من هؤلاء تخاذلوا عن مسؤولياتهم أمام الله من أجل رضا الساسة ؟ ولماذا يزداد عدد الشباب المُسلم المتطرف يوماً بعد يوم بالرغم من تراجع نسبة الأمية وتزايد عدد خريجي الجامعات الذين من المفترض أن يحملوا الافكار النيّرة لا الأفكار الظلامية.

لسنا بموقع الحُكم على علمائنا المعاصرين ممن يملكون العلم والسلطة، ولكننا بموقع المُناشد لهم بالصحوة وبتحمّل المسؤولية الحقيقية وذلك من خلال رفع مستوى لغة الخطاب الديني، وتعزيز الإنفتاح والحوار، والبُعد عن التعصّب والتفرقة، وعدم السكوت عن الحقّ الذي أصبح جلياً.. وبالتعامل مع العنف على أنه خطيئة  وعلى أنه آفة إجتماعية  لا بدّ من التصدّي لها بالموعظة الحسنة، فالعنف سلوك عمدي لفظي أو غير لفظي يتضمن مواجهة الآخرين مادياً أو معنوياً ومصحوباً بتعبيرات تهديدية، وله أساس غريزي .. وهو ضرر يمكن تجنبه عند الوفاء بالاحتياجات الأساسية للإنسان مثل البقاء وتعزيز الحرية الفردية والفكرية.

الصراع اليوم بين مُسلمين يمتلكون الفكر والإعتدال والقيم الإنسانية وبين آخرون يُروّجون للجهل والتقهقر على حساب الأُمّة.

بين يدينا اليوم فرصة عظيمة لتوحيد المُسلمين في معركة تحصين الفكر الإسلامي المعتدل المهدد بالإنهيار .. ومن لا يُقاتل فكرياً في تلك المعركة هو شيطانٌ أخرس.