المتأمل لحال المسلمين اليوم بدون شك يجد ما يؤلمه ويؤرقه، فهناك أرض محتلة وهناك الفتن التي تنخر جسد الأمة من الداخل والقوى التي تستغلها من الخارج فكل هذا لتحقيق هيمنة وبث روح الانهزام والاستسلام التام لقيم الغرب وثقافته، فهناك من يملؤه اليأس وفقدان الأمل حتى ما عاد يرى أي خير في الأمة بسبب ما يرى من المآسي والحروب والنكبات والويلات والتخلف والجهل والاستبداد والظلم.
من ظل هذا الواقع العصيب للأمة لا بد من الوقوف على تساؤل يفرض نفسه، صحيح أن الأمة تمشي لكن في أي اتجاه نحو التقدم إلى الأمام أم ترجع إلى الوراء؟
قد يكون الجواب الأول سلبيا نابعا وقريبا من حالة اليأس و(مرض فقدان الأمل) الذي يعصف بشباب الأمة، مع أن اليأس يتنافى مع إيمان المؤمن بالله تعالى القادر أن يبدل الحال متى شاء وهو القائل ” وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”. ومما لا شك فيه أن الأذى الذي تعرض له الصحابة رضي الله عنهم كان أشد من ذلك مع ذلك لم يبح لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليأس. ومن جهة أخرى هناك من يملؤهم التفاؤل والأمل مهما حدث لأنه مبني على أساس يقتنع به العقل ويتماشى مع مراد الله تعالى وسنة الحبيب عليه السلام.
تحرير الجغرافيا وتأمينها من أي قوى استعمارية هو بداية البناء الحقيقي الحضاري للأمة
لو أردنا وضع مقارنة لحالة الأمة لنقف على الإجابة الصحيحة فإنه يجب قبل ذلك أن نحدد بماذا سنقارنها؟ وماذا الذي تجب مقارنته، الجانب السياسي أم الاقتصادي أم العلمي أم الحضاري؟
وبالطبع لم نصل إلى ذلك المستوى خصوصا في مسألة تحقيق شرع الله بالمقارنة مع عصر النبوة والخلافة الراشدة كأول بنية إسلامية حضارية أو مدنية لكننا من ناحية فهم الدين وعلاقته بالحياة والحضارة ومدى الوعي والفهم للإسلام قد وصلنا إلى نقطة ومستوى جيد، وكذلك مستوى الإنتاج العلمي الشرعي، فلا شك أننا في تقدم بالمقارنة مع وضع الأمة قبل 100 سنة.
ومن الناحية السياسية نحن في وضع مأساوي قريب من وضع دويلات الطوائف في الأندلس، والسبب في ذلك هو نوعية الحكام الذين يديرون الأمة، حيث أكثرهم على مدار التاريخ إما مستبد طاغية أو فاقد للأهلية والكفاءة ، وهناك من اجتمعت فيه كل هذه المصائب، رغم هذا فهناك بريق الأمل كان في التغييرات السياسة التي حدثت في بلدان الربيع العربي التي تقدمت نحو رفض الاستبداد والديكتاتورية.
أما من ناحية التنمية فقد قطعنا أشواطا هائلة بالمقارنة مع 50 سنة، لكن بالمقارنة مع الدول المتقدمة رغم ما توصلنا إليه تبقى الفجوة كبيرة باستمرار، وهذا راجع إلى الذين تولوا قيادة الأمة ينفقون معظم الميزانية على السلاح وقمع شعوبهم وعلى ملذاتهم والمرتزقة المحيطين بهم، على حساب التنمية.
أما من ناحية وعي الأمة والشعوب وفهمها لحقوقها في الحرية والمشاركة السياسية وحقوق الإنسان، نحن بالتأكيد قد تقدمنا كثيراً بالمقارنة مع فترة الاستعمار، بل حتى بالمقارنة مع ما قبل الربيع العربي.
بقي جانب شديد الظلمة في الأمة وهي أنها مازالت لم تحرر أرضها ومقدساتها في فلسطين قلب الأمة، لكن الأمل يبقى موجودا بإنشاء جيل جديد في الأمة يرفض الاحتلال والذل بزيادة وعيه بقضية فلسطين وهو الأمل بالتحرير الكامل الذي سيحدث حتما ” فتحرير الجغرافيا وتأمينها من أي قوى استعمارية هو بداية البناء الحقيقي الحضاري للأمة”.
فغدا بإذن الله سيتصدون للعدو الرئيسي الذي اغتصب أرضهم، إن ما عليه الأمة اليوم يختلف عما كانت عليه أمس، حيث كانت تواجه حينها التشكيك بالإسلام، ومتهم من بعض أبناء المسلمين أنفسهم أنه دين العصور القديمة، وأنه لا يصلح للعصر، أما اليوم لا يجرؤ أحد من المسلمين أن يتهم الإسلام بذلك الاتهام الذي كان.
من سنة الله أن الحضارات تتداول بين الناس بدورات متعاقبة، فحضارة الغرب قد وصلت الى التمام والكمال حسب رؤيتهم، وما بعد الكمال إلا النقصان
فقبل الربيع العربي كان المسلمون مشغلين بحياة الترف والخنوع، واليوم أصبح أطفال حتى في لعبهم يقلدون المجاهدين والثوار، وأصبح الجهاد ثقافة، فجيش المجاهدين الذي يتكون اليوم في بلدان الربيع العربي، وينصهر ويتبلور في الميدان، هو الجيش الذي سيهزم إسرائيل، لأنه صاحب الخبرة والتجربة، صهَره ميدان الحرب، بعكس جيش إسرائيل الذي لم يخض أي تجربة حقيقية مع الشعوب المسلمة، فمهما واجه جيش المجاهدين في الشدائد من جراح، ألا أنه يربي جيلا شديد المراس، فالضريبة لا بد منها إلا أن النتيجة هي النصر المؤزر.
فالأمة تتقدم وإن كانت تمر بشدائد، فهذه الشدائد هي المخاض التي تمر به الأمة، فشدة ظلمة الليل تأتي قبيل بزوغ الفجر، عندما أصدرت دائرة الأمن القومي الأمريكي قبل عدة سنوات تقريرا، وحددت فيه عودة الخلافة الإسلامية بعام 2024 م، لم يأت من فراغ فأمريكا بتطورها وتقدمها لن تصدر تقريرا كهذا جزافا، وإنما ستكون قد اعتمدت على أبحاث علمية ودراسات منهجية، أوصلتها الى هذا التقرير، وقبل أمريكا نحن موعودون كمسلمين من رسول الله – ﷺ – بخلافة راشدة على منهاج النبوة ومن سنة الله أن الحضارات تتداول بين الناس بدورات متعاقبة، فحضارة الغرب قد وصلت الى التمام والكمال حسب رؤيتهم، وما بعد الكمال إلا النقصان، فنحن اليوم على مشارف انهيار الحضارة الغربية، وعلى عتبات بزوغ الحضارة الإسلامية، ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) هذه سنة الله في خلقه .
نستطيع القول الآن أن الأمة في تقدم كبير لولا الحكام المستبدين الذين هم وراء معظم البلاء في الأمة وغياب روح الأمل والعمل في عقول الشباب ولكن ستتغير الأحوال جذريا وبسرعة كبيرة عندما تتخلص الشعوب من الأنظمة المستبدة بإذن الله.