هل فارق السن بين الأزواج يعد مشكلة كبيرة للأزواج سواء قبل الارتباط أو بعد الارتباط؟ في الريف والأماكن القبلية يفضل الأهل لابنهم الزواج بفتاة صغيرة، ولا مانع أن يصل فارق السن بينهما لعشرين عاما أو يزيد، فالعروس الصغيرة في رأيهم “عجينة طرية” يستطيع الزوج تشكيلها كما يشاء، وهي مطيعة وتسمع الكلام، والأهم أن خصوبتها أعلى؛ وبالتالي تستطيع إنجاب عدد كبير من الأبناء، كما أنها تتمتع بصحة جيدة فتتحمل قدرا أكبر من العمل المنزلي خاصة في “بيت العائلة الكبير”.

وعلى الجانب الآخر نجد في مسألة فارق السن بين الأزواج أن بعض أهالي الفتيات لا يجدن غضاضة في أن تتزوج ابنتهم الصغيرة ممن يكبرها بعشرات السنين، المهم أن يكون مقتدرا ماديا، والمهم أيضا ألا تصل ابنتهم لسن العنوسة الذي يبدأ في الريف غالبا بعد الـ20.
وهنا يلوح السؤال: هل لفارق السن أهمية لإنجاح الحياة الزوجية؟، وما هو فارق السن الأنسب بين الزوجين؟.

الزواج من كبيرة

في قراءة لبعض الاستشارات الاجتماعية نستطيع القول بداية إن المجتمع بالإجمال تقريبا يرفض أن يتزوج الرجال بنساء أكبر منهم سنا، فيقول صاحب استشارة “أقبل بها كبيرة.. وأخشى العواقب”!: “تعرفت على فتاة تجذبني ولكنها تكبرني بعام ونصف، ولا يشكل ذلك بالنسبة لي أي مشكلة، ولكن طبيعة مجتمعنا قد تدفع أهلي للرفض على الرغم من إعجابهم بتلك الفتاة”.

وفي استشارة أخرى بعنوان “هي أكبر مني هل أتزوجها؟!! يسأل شاب (28 سنة): “أريد الزواج من امرأة تكبرني بـ8 سنوات، لكنَّ والديّ يرفضان الأمر، ويريان أن هذا الزواج مصيره الفشل بسبب فارق السن.

وتوضح استشارة “ضد المجتمع.. خطيبتي أكبر مني!” أسباب رفض المجتمع لهذا الزواج؛ فيقول أحدهم (28 سنة): “تعلقت بفتاة تكبرني بـ5 سنوات، وأريد أن أتقدم لخطبتها، ولكن المجتمع بأكمله وقف ضدي؛ بحجة أن المرأة تكبر بسرعة، وأن حياتها الجنسية لم يبق فيها إلا بضع سنوات، كما قيل: إن الحمل أيضا يصبح صعبا بهذا العمر للمرأة؛ فهل هذا صحيح؟”.

ترى هل للمجتمع حق في تلك الأسباب التي يصدرها كمبررات لرفضه زواج الرجل بفتاة أكبر منه سنا؟.. هذا ما سنتناوله لاحقا.

ويسأل أحد الشباب (30 سنة) في استشارة بعنوان “فتاة أحلامي أكبر مني” عن إمكانية تجاوز المشكلات الناجمة عن كون الزوجة أكبر سنا من الزوج؛ فيقول: “عمرها 31، هل يمكن أن يكون اختلاف السن سببا في المشاكل بيننا؟ وإن تمت علاقتنا كيف نتفادى المشاكل نتيجة هذا السبب؟”.

خوف من المستقبل

والخوف من فارق السن لا ينشأ فقط إذا ما كانت المرأة هي الطرف الأكبر، ولكنا نلحظه أيضا عندما يكون لصالح الزوج، يتضح ذلك في استشارة أحد الشباب التي حملت عنوان الزواج.. مع فارق السن، وهل عليه أن يشعر بالذنب في حال تزوج الفتاة التي أحبها والتي تصغره بـ11 عاما؟ فيقول: “كل خوفي أن يأتي يوم في المستقبل تشعر فيه بالندم على أنها لم ترتبط بشخص في نفس سنها”.

الفتيات أيضا يقلقهن هذا الموضوع فتسأل إحداهن في “فارق السن.. حدود الرفض والقبول”: “تقدم لخطبتي شخص ذو مركز مرموق، لكنه يكبرني بـ13 عامًا، فما هي عيوب ومميزات هذا الفارق في العمر؟”.

أما عن آراء الأهل فنجدها مختلفة بل ومتضاربة في بعض الأحيان، ففي “فارق السن وأشياء أخرى” نجد الأم ترغب في زواج ابنتها بمن يكبرها بـ14 عاما، فتقول الابنة: “تقدم لخطبتي رجل عمره 41 عاما، وأنا مقتنعة بأنه لا يناسبني، إلا أن والدتي مقتنعة بأنه الرجل المناسب لي.. ماذا أفعل؟”.

وعلى العكس في استشارة “أنا وخطيبي وفارق السن” نجد الأم تحاول إثناء ابنتها عن الزواج بمن يكبرها بـ12 عاما، فتقول الفتاة: “وجدت في خطيبي جميع مواصفات أحلامي، عمري 26 وهو يكبرني بـ12 سنة، أمي توضح لي أنه فارق كبير”.

تجارب سلبية

ولأن التجربة هي الإثبات الواقعي لصحة أو خطأ الافتراضات، فإن تجارب الزواج الفعلية التي وردت للصفحة في استشارات بعض السيدات أبرزت فقط الجانب السلبي للموضوع.

فتقول صاحبة استشارة “الزواج بفارق 20 عاما وتناقض الاحتياجات”: عمري 25 عاما، ومتزوجة منذ سنوات من رجل بيني وبينه 20 عاما.. قبل الزواج كنت أشعر أني طبيعية كغيري من الفتيات، لكني الآن من أتعس ما يكون، فأنا أشتاق إليه أما هو فلا، أريد إنجاب الأطفال وهو يرفض بشدة، أردت تنمية قدراتي فأهانني برغم أني أحمل له كل الحب؟”.

أما صاحبة استشارة “أنا وزوجي.. فارق سن وشك قاتل” فتقول: “عمري 28 سنة وزوجي 43.. نحن دائما في نقطة الصفر، هو لا يراني ولا يرى بي أي جمال، دائما يبحث عن الناقص ولا يرضيه شيء، عندما طلبت منه الانفصال رفض وقال إذا أردت الطلاق فليس أمامك سوى المحكمة، أصبحت أحتقره ولا أحترمه، لا أشعر معه بالأمان ولا أتوقع إلا غدره”.

قاعدة ذهبية

وبعد كل هذه المشكلات التي طرحها الزوار في استشاراتهم هل يمكن تشجيع الشباب على الزواج مع وجود فارق كبير في السن؟

يقول د.محمد المهدي: إنه على الرغم من استحباب وجود تكافؤ بين الزوجين في كل شيء فإن الزواج يمكن أن يتم ويستمر في وجود خلل في التوافق من ناحية أو أكثر، فالقاعدة الذهبية له تتكون من السكن والمودة والرحمة، وما دامت هذه القاعدة قائمة فسيستمر الزواج، وإذا اهتزت أصبح الزواج في خطر.

كما توضح د. داليا مؤمن نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، وهي أن المرحلة العمرية التي يمر بها كل من الزوجين لها دور كبير في الموضوع، فمثلا إذا كانت الزوجة في الأربعين وزوجها في بداية الثلاثينيات فهناك خوف من أن ينظر الزوج لغير زوجته، أما حين يكون الزوج في الخمسين والزوجة في الستين يكون الأمر أكثر قبولا، وبالعكس حينما تكون الزوجة في الأربعين وزوجها في الخامسة والخمسين فالفرق لا بأس به.. أما حينما تكون الزوجة في العشرين وزوجها في الأربعين فالوضع يكاد يكون مخل.

الحقيقة الجنسية

الحقيقة الجنسية والقدرة على الإنجاب يفرضان نفسهما كعنصرين هامين يجب مناقشتهما خلال هذا الموضوع فتقول د.هالة مصطفى: للمرأة فترة تستطيع خلالها الإنجاب، وهي تسمى فترة الخصوبة؛ ولأن المرأة تولد وفي المبيض عدد ثابت من البويضات (عكس الرجل الذي يحمل مصنعا للإنتاج المستمر للحيوانات المنوية التي تقوم بإخصاب البويضة)؛ فإن هذا العدد يقل تدريجيا كلما تقدم العمر بالمرأة حتى ينتهي تمامًا عندما تبلغ المرأة سن انقطاع الدورة فتتوقف المبايض، لهذا تكون فترة الخصوبة العالية عند المرأة حتى عمر 35 سنة، وبعد ذلك يبدأ منحنى الخصوبة في الهبوط ولا نقول إنه يتوقف؛ فالمرأة تستطيع الإنجاب ما دام هناك نشاط للمبيض.

أما عن نشاط المرأة الجنسي فهو يعتمد أساسا على ثقافة المرأة وتعليمها وعاداتها، فالمرأة المثقفة التي تريد إمتاع زوجها وإسعاده، وتفهم دور الجنس في الحياة فهما جيدا يمكنها أن تستمر في نشاطها حتى بعد انقطاع الطمث ودخولها في تلك المرحلة العمرية.

الرأي الفصل

وفي النهاية هل نستطيع الوقوف على فارق السن الأنسب بين الزوجين والذي يعين على حياة زوجية سعيدة وهنية؟

يجيب عن السؤال هذه المرة د.سعد الدين عثماني فيقول: يصعب الحسم في هذا الأمر فهو يختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ويبقى اختلاف الدورة الجنسية لدى كل من الرجل والمرأة كمعطى موضوعي وحيد في هذا الموضوع، كما تؤكد د.نعمت عوض الله في النهاية أن هناك بعض الدراسات والأبحاث التي تحدد الفارق المثالي بـ5 إلى 8 سنوات، ولكن يظل دائما أن يخضع الموضوع لشخصية كلا الطرفين ودرجة توافقهما الفكري والروحي.


ليلى حلاوة